مقالات رأي

البحث عن العرب في مؤتمر عالمي للتعليم

دنفر— على إرتفاع خمسة آلاف قدم فوق سطح البحر، اجتمع ما يقرب من عشرة آلاف خبير دولي من مختلف دول العالم في مركز كولورادو للمؤتمرات بهدف التعرف على جديد المشهد الدولي للتعليم العالي في مؤتمر هيئة المدرسين العالميين (نافسا)، الحدث الأكبر من نوعه والذي يقام سنوياً في الولايات المتحدة الأميركية.

لم تكن المرة الأولى التي أحضر فيها فعاليات المؤتمر، لذا كانت حماستي كبيرة للتعرف على أفضل الممارسات والاتجاهات الناشئة والبرامج الجديدة الهادفة إلى جذب الطلاب من جميع أنحاء العالم وإعدادهم لمستقبلهم المهني كمواطنين عالميين.

في قاعة المعرض الكبيرة، حيث تتخابط لافتات العديد من الدول مع بعضها البعض بهدف الظهور ولفت الانتباه، عملت الجامعات بجد واضح على جذب الطلاب من جميع أنحاء العالم عبر تقديم شروحات مفصلة لبرامجها الأكاديمية. كما غصت قاعات الاجتماعات بالمئات من ورش العمل والدورات التعليمية وفرص التواصل واللقاءات مع متحدثين ملهمين وحفلات استقبال خاصة.

وسط كل هذه الصخب التعليمي والعلامات التجارية والمناقشات، التي استمرت لمدة خمسة أيام متتالية، كنت أتجول بحثاً عنا نحن العرب وأسئلة كثيرة تدور في ذهني: أين هو التعليم العربي، أين هي الجامعات العربية وأين الأساتذة والطلاب العرب؟

حسناً، حضر الطلاب العرب بصورة ما كجزء من الطلاب الدوليين الذين تسعى الجامعات لاجتذابهم. لكن يندر العثور على برامج أكاديمية دولية تركز على الشباب العربي.

من جهة أخرى، تخلط الجامعات الغربية في كثير من الأحيان الطلاب العرب مع الطلاب المسلمين، وهو ما اعتبره شخصياً تعميم واسع يتجاهل الخلفيات الدينية والإثنية المتنوعة لسكان الدول العربية. كان هناك عدة جلسات لتحليل واقع الطلاب المسلمين الذين يدرسون في الخارج، خصوصاً في الولايات المتحدة، حيث يعتقد العديد من الأكاديميين أن الخوف من الإسلام أصبح المفهوم الأكثر انتشاراً لدى العموم.

تعتقد اليشا ستانتون، طالبة دكتوراه في التربية في جامعة دنفر أن وسائل الإعلام المحلية الأميركية تلعب دوراً كبيراً في تعزيز الصور النمطية. قالت “يجب على الجامعات توفير مساحة لمزيد من المعلومات حول المعتقدات والممارسات الإسلامية كوسيلة لمكافحة الإسلاموفوبيا.”

وأضافت خلال جلسة حول إدراج أماكن آمنة للحوار: تحليل واقع الطلاب المسلمين الدوليين في الولايات المتحدة “إنهم بحاجة إلى زيادة التواصل مع [الطلاب المسلمين] وزيادة معارفهم الثقافية”.

في أروقة المؤتمر، استمرت النقاشات بصورة أقل رسمية ولكن بجدية كبيرة، إذ أعرب الكثير من الحاضرين عن قلقهم من فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية وتأثير ذلك على مستقبل التعليم الدولي، خاصة بعد تصريحات ترامب الرافضة لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. مع ذلك، فضلت الغالبية العظمى ممن قابلتهم تجنب الحديث عن السيناريو الأسوأ. لكن دراسة حديثة، نُشرت خلال المؤتمر وشملت 40 ألف طالب أجنبي من 18 دولة، قالت إن 60 في المئة من الطلاب لن يلتحقوا بالدراسة في الجامعات الأميركية في حال أصبح ترامب رئيساً.

من جهة أخرى، كانت النقاشات حول واقع 61 مليون لاجئ منتشرين في جميع أنحاء العالم، من ضمنهم آلاف الطلاب والعلماء والأكاديميين، قليلة جداً. لم يكن هناك الكثير من الاهتمام بسبل مساعدة اللاجئين الشباب على الاندماج في نظم التعليم في البلدان المضيفة لهم أو حول إعدادهم لإعادة بناء التعليم العالي في البلدان التي تمزقها الصراعات حالياً.

كان هناك جلسة واحدة فقط، شارك بها ممثلون عن الهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD)، ومركز الشؤون الدولية للتعاون الدولي في جامعة فراي في ألمانيا ومعهد التعليم الدولي في نيويورك. خلال الجلسة، تحدث المشاركون عن الجهود التي تبذلها مؤسساتهم لمساعدة الطلاب اللاجئين في إكمال تعليمهم العالي وناقشوا التحديات التي تواجههم كحاجز اللغة وغياب الوثائق الشخصية والأكاديمية للاجئين وبعض المسائل القانونية الأخرى.

كان النقاش مثيراً للاهتمام. لكنني أعتقد أن التحدي الأكبر يكمن في استمرار النظر للاجئين الشباب كمثيرين للمتاعب بدلاً من اعتبارهم فرصاً للاستثمار. مع الأسف، لا يبدو الطلاب اللاجئين جاذبين – إن صح التعبير- في السوق التجاري للطلاب الدوليين. إنهم على الهامش، وغالباً ما سيبقون مهمشين طالما يسود الاعتقاد بأنهم عبء لا فرصة ممكنة.

أعتقد أن الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في حاجة إلى إعادة التفكير بمسؤوليتها الاجتماعية وفرص الاستثمار في تعليم اللاجئين. إذ أن مساندة اللاجئين لاستكمال تعليمهم العالي لا يساعدهم على إعالة أنفسهم فقط ولكن يمكنهم أيضاً من المساهمة في دعم الاقتصاديات المحلية. إن استثمار يورو واحد في الترحيب باللاجئين يمكن أن يعود بـ 2 يورو في المنافع الاقتصادية خلال خمس سنوات، وفقاً لوفقا لدراسة جديدة حول تأثير القادمين الجدد تأثير على المجتمعات المضيفة.

وكما غاب اللاجئون عن غالبية نقاشات المؤتمر، غابت غالبية الجامعات العربية عن المشاركة سواء ضمن المعرض أو في الجلسات النقاشية.

أحزنني رؤية لافتات وأعلام لمختلف دول العالم ترفرف في سماء صالة المعرض الأساسية، بينما غابت الأعلام العربية واقتصرت المشاركة العربية على أكشاك صغيرة عددها أقل من عدد أصابع اليد الواحدة لبعض الجامعات العربية. أنا واثقة من حرص جامعاتنا العربية على التحول لمؤسسات دولية، بدليل تنافسها المحموم للمشاركة في التصنيفات الدولية كل عام. لذا لا أستطيع فهم سبب ابتعادهم عن المشاركة في مثل هذا التجمع الدولي الفعال، حيث يمكن إقامة العديد من الشراكات واتفاقيات التعاون.

أقدر كثيراً المشاركة الفردية لبعض الجامعات العربية في مؤتمر نافسا. لكنني، عذراً، لا أعتقد أنها فعالة بما فيه الكفاية. إن المشاركة في لقاء دولي على هذا المستوى يتطلب المزيد من التعاون بين الجامعات العربية. إنني آمل أن تتمكن جامعاتنا العربية من المشاركة يوماً في نافسا تحت راية واحدة كبيرة تتيح لهم تقديم جهودهم بالشكل الصحيح.

فبعيداً عن الواقع السياسي غير المشجع في المنطقة، أعتقد أنه يمكن للجامعات العربية المشاركة في التنافس على اجتذاب الطلاب الأجانب. إن المنافسة في التخصصات العلمية والتكنولوجيا قد لا تكون واقعية، لكن هناك فرصة في جذب الطلاب الدوليين لدراسة بعض التخصصات في منطقتنا كالدراسات الإقليمية، والعلوم الإنسانية والأدب والفن خاصة وأن المنطقة العربية كانت رائدة في الماضي في هذه التخصصات وتاريخنا غني بمئات المفكرين والفلاسفة. هناك أيضاً اهتمام متزايد من قبل الطلاب الأجانب بدراسة اللغة العربية، كما أن هناك العديد من الجامعات في المنطقة التي تعتمد على اللغة الإنجليزية في التدريس. كما أن فتح مجالات للتعاون بين المؤسسات العربية والغربية وإقامة شراكات حقيقية يمكن أن يسهم في تحسين جودة التعليم العربي وإكسابه طابعاً دولياً بصورة أكثر واقعية من الاهتمام المفرط بترتيب جامعاتنا في التصنيفات الدولية.

دعونا، رجاءاً، نحاول إعادة التفكير في أولوياتنا.

* رشا فائق، مديرة التحرير في الفنار للإعلام. يمكن متابعتها على تويترRashaFaek@

مقتطفات من مؤتمر نافسا 2016:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى