
عندما جاءت المستشارة التربوية المغربية البلجيكية خديجة حموشي إلى مصر منذ ما يقرب من عامين، لم تتصور أبداً التأثير الذي سيتولد عن زيارتها تلك – ليتحول إلى ما تسميه بخطتها لإحداث “صحوة تعليمية” في العالم العربي.
بفضل ولادتها لأبوين من المهاجرين المغاربة يقدران التعليم، تدرك حموشي بأنها كانت محظوظة في الحصول على تعليم لا يتمكن الملايين من أقرانها من الطلاب في المنطقة العربية من الحصول عليه. قالت حموشي للفنار للإعلام في مقابلة أجريت معها عبر سكايب، “عندما زرت مصر في حزيران/ يونيو 2014، فضلاً عن دول عربية أخرى، وجدت إختلالاً كبيراً. لقد إندهشت لرؤية مبتدئين من الشباب الأذكياء المعتمدين على أنفسهم في مجالات الأعمال، والموسيقى، والفنون، واللغات – لكن التعليم النظامي المقدم لهم لم يكن ملائماً حقاً.”
فبحسب مقياس التعلم في العالم العربي الذي أطلقه مركز التعليم العالمي التابع لمؤسسة بروكينغز، وعلى الرغم من أن المنطقة تشهد معدلات عالية من الإلتحاق بالمدارس، فإن الشباب العربي لا يزال غير قادر على إكتساب المهارات الأساسية. إذ أظهرت الأبحاث بأن 56 في المئة من تلاميذ المدارس الإبتدائية لا يحققون مستويات التعلم الأساسية، وتنخفض النسبة لتصل إلى 48 في المئة بين طلاب المدارس الثانوية.
وجاء في التقرير “في المتوسط، لا يكون أداء الأطفال في المناطق الريفية بشكلٍ يقارب جودة أداء نظرائهم في المناطق الحضرية، وتخلق التفاوتات المتداخلة القائمة على أساس الدخل، والجنس، والموقع الجغرافي إنقسامات صارخة.”
لم يتوجب على حموشي رؤية هذه الأرقام لتتعرف على إنعدام المساواة – فقد كان ذلك واضحاً بما فيه الكفاية لتبدأ مبادرة تعليمية جديدة، أسمتها سجال، والتي تعني “مناظرات مفعمة بالنشاط” في اللغة العربية.
وبحسب حموشي، فإن سجال عبارة عن منصة تعليمية تفاعلية شعبية تقدم حلولاً تعليمية للمواطنين في العالم العربي لتزويدهم بإمكانية أكبر للوصول إلى الفرص.
تتألف المنصة من أربعة محاور رئيسية، بما في ذلك غرفة أخبار سجال، وسجال لتدريب المعلمين، ووظائف سجال، ومتجر سجال. ويهدف كل محور، بحسب حموشي، لإستهداف التفاوت في الأنظمة التعليمية في المنطقة.
يعمل مشروع غرفة الأخبار على جمع الأخبار حول الإصلاحات التعليمية، والإبتكارات، والمبادرات، والبحوث الجديدة. قالت حموشي “هذا يهدف لتغيير النهج الثقافية للشعب تجاه التعليم، من خلال التعلم من التجارب الأخرى. كما أنها تلهمهم لإيجاد حلولٍ تعليمية أكثر إبداعية بما يتناسب مع إحتياجاتهم وسياقهم.”
كان إنعدام تدريب المعلمين مجالاً آخراً من إنعدام المساواة الذي إكتشفته حموشي من خلال بحثها عن مشاكل التعليم في المنطقة العربية. ووضحت بأن الإصلاحات التعليمية المحدودة في المنطقة تقدم حلولاً قليلة في مجال التطوير المهني للمعلمين أو تعزيز دورهم بصفتهم أصحاب المصلحة الرئيسيين في العملية التعليمية. يقدم محور سجال لتدريب المعلمين بنكاً من فيديوهات التعليم الإلكتروني حول القضايا المتصلة بالتربية، وإدارة السلوك، والعلاقات الطلابية. كما ستعمل المنصة بمثابة شبكة يتمكن المعلمون في المنطقة من خلالها من تبادل الأفكار والخبرات. وتعتزم حموشي، في الوقت المحدد، لتقديم شهادات ماجستير عبر الإنترنت للمعلمين من خلال سجال.
وخلال بحثها عن حالة التعليم في المنطقة، علمت حموشي بأن “أولئك الذين يمتلكون إتصالات أفضل يتوفرون على فرصٍ أفضل في الحصول على فرص عمل، في حين يتم ترك المعلمين الآخرين الذين يمتلكون مؤهلات أفضل مع خيارات أقل.” يجب أن تمكن وظائف سجال المحترفين الجيدين في مجال التعليم من الحصول على فرص أفضل. وينبغي على المنصة أن تربط الباحثين عن عمل في المجال التربوي في جميع أرجاء المنطقة بأولئك الذين يبحثون عنهم، مع تكلفة معقولة تدفعها المؤسسات التعليمية الباحثة عن متقدمين.
سيكون متجر سجال سوقاً عبر الإنترنت لأولياء الأمور، والطلاب، والمعلمين وجميع العاملين في العملية التعليمية، حيث سيتمكنون من الوصول إلى المنتجات والخدمات التعليمية في المنطقة مثل الكتب، والمساقات التعليمية عبر الإنترنت، والمواد المدرسية، والإختراعات التعليمية الجديدة، والمناهج الدراسية القابلة للتطبيق، والتدريب وحزم الخدمات المناسبة لجميع الميزانيات.
ومع تكشف هذا المشروع الطموح، تعترف حموشي بأنها لا تزال تواجه عدداً من التحديات، وأكبرها في الوقت الحالي هي التحديات المالية. فمن أجل أن يزدهر مشروعها، تعتقد حموشي بأنها بحاجة لما يقرب من 112,000 دولار أميركي، وأطلقت حملة تبرعات في الشهر الماضي لجمع جزء كبير من رأس المال اللازم. في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2015، فازت بمبلغ 25,000 دولار أميركي هو قيمة جائزة الريادة الأفريقية للمساهمة في مشروعها. وعلى مدى الأشهر الثلاثة القادمة، ستصبح ذي دو سكول The Do School، التي تتخذ من برلين مقراً لها، الحاضنة لمبادرة سجال بهدف إعداد نموذج المشروع قبل أن تسافر حموشي إلى سان فرانسيسكو، بعد أن تم إختيارها في برنامج التسريع الدراسي في وادي السيليكون.
وكانت مشاريع تعليمية مماثلة قد انطلقت مؤخراً في جميع أنحاء المنطقة، لاسيما في مصر، ونمت في الحجم والتأثير. وعلى الرغم من إغلاق منصة التعليم التعاوني عبر الإنترنت المعروفة بإسم أكاديمية التحرير في العام الماضي بسبب مشاكل مالية، فإن مبادرات أخرى مثل نفهم وإنجاز ما زالت تعمل لتقديم حلول تعليمية شعبية. إنها حركة إيجابية بالنسبة للتعليم في العالم العربي.
قالت حموشي “لقد بدأ الناس بتغيير واقعهم عبر السياسة على مدى السنوات الخمس الماضية، ونحن جميعاً نعرف كيف إنتهى ذلك. نحن لا نمتلك الوقت للإنتظار لفترة أطول.”