أخبار وتقارير

هل يشمل التعليم الرقمي دول العالم النامي؟

بوسطن – بينما تواصل تكنولوجيا التعليم تطورها، فمن المتوقع أن يتوسع إنتشار التعليم الرقمي في العالم النامي. في الأسبوع الماضي، اجتمع أكثر من مئتي شخص من المتمرسين في هذا المجال، والمنتمين لجمعية الشبكات الدولية للتعليم، في معهد ماساتشوستس للتقنية MIT لإستكشاف كيفية تسريع هذا الشمول لدول العالم النامي.

عندما ظهرت المساقات الهائلة المفتوحة عبر الإنترنت (MOOCs) على الساحة أول مرة، كان الإفتراض الساذج من جانب بعض الأكاديميين يكمُن في قيام أفضل الجامعات بوضع محتواها التعليمي مجاناً على شبكة الإنترنت العالمية، وبذلك ستحل مشكلة وصول العالم النامي للتعليم العالي على الفور. لكن الوصول للإنترنت ليس أمراً مسلماً فيه، حتى في البلدان الصناعية، وتحتاج عقليات كل من الأساتذة والطلاب في الغالب للتغيير قبل أن تشهد أفضل ممارسات التعليم الرقمي تبنياً أوسع نطاقاً.

الآن، وبعد أن خفت الحماس بشأن المساقات الهائلة المفتوحة (MOOCs)، قال الخبراء المشاركون في المؤتمر إن الصعوبات التي تواجه التعليم عبر الإنترنت عالمية بشكل مذهل. قال ديني فريمان، عميد التعليم الجامعي في معهد ماساتشوستس للتقنية، بأن بعض الأساتذة، حتى في هذا المعهد، يعتقدون بأنه لن يكون هنالك تعليم ما لم يتم ملء السبورة بالمعادلات وتغطية أنفسهم بالطباشير. وأضاف بأن عدد ساعات التدريس لا علاقة له بالموضوع – وأن ما يهم هو إذا ما كانت عملية التعليم تجري حقاً.

في العالم العربي، تدعو أعداد غفيرة لقفزات كبيرة في مجال التعليم الرقمي، بحسب ميساء جلبوط، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبدالله الغرير للتعليم، والتي قامت بإلقاء كلمة رئيسية. حيث قالت إن أكثر من نصف ال385 مليون نسمة الذين يعيشون في المنطقة هم ما دون سن الـ25 من العمر. كما أن عدداً لا بأس به منهم من اللاجئين الذين تشظت آمالهم في التعليم بفعل الصراعات السياسية. كما أن معدلات بطالة الشباب في المنطقة من أعلى النسب عالمياً ويعزى ذلك جزئياً لرداءة نوعية التعليم فيها، فيما عدا بعض مراكز الإمتياز.

لكن التعليم المُعتمد عبر الإنترنت نادر في العالم العربي، إذا لم يكن منعدماً، وقد رفضت الحكومات العربية تقديم الإعتراف بالمساقات المجهزة عبر الإنترنت لمن يقدم مثل هذه الخدمات. وبما أن التكنولوجيا تجعل العديد من الوظائف فائضة عن الحاجة، سيحتاج حتى أولئك الذين يمتلكون وظيفة بالفعل لإكتساب مهاراتٍ جديدة أو تطوير القائم منها.

وفي محاولة للمساعدة في الوصول إلى التعليم المستمر، أعلنت مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم عن برنامج سيسمح للشباب العاملين في مجال تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) بالحصول على أوراق إعتماد مهنية عبر الإنترنت. وسيكون في إمكانهم الحصول على شهادة ماجستير مصغر من معهد ماساتشوستس للتقنية بعد أن يأخذوا ما يعادل حضور فصل دراسي من الحصص عبر الإنترنت. وفي الأشهر القادمة، تخطط المؤسسة للتعاون مع جامعات رائدة أخرى لتطوير برامج مماثلة.

لقد عانى الباحثون عن عمل في العالم العربي لأن المساقات الهائلة المفتوحة عبر الإنترنت (MOOCs) لا تقدم إعتماداً يعترف به أرباب العمل، وهذه هي العقبة التي يحاول البرنامج الجديد التغلب عليها. قالت جلبوط “إذا ما كنا نقدم أفضل التعليم عبر الإنترنت، ومن أفضل الجامعات في العالم، سيكون من الصعب جداً على أي شخص أن يقول بأن هذا ليس تعليماً صحيحاً.” وإذا ما قام أرباب العمل بتوظيف أو مكافأة الأشخاص الحاملين لمثل هذه الوثائق المعتمدة، فمن شأن ذلك أن يغير ديناميكية الأمر بالكامل. وأضافت جلبوط “في الواقع، هذا هو ما تأمل المؤسسة في أن يحصل.”

قد يكون المتشككون، الذين تعتريهم الشكوك حيال سلامة التعلم عبر الإنترنت، مهتمين بمعرفة أن أفضل الجامعات التي أصدرت وثائق إعتماد من هذا القبيل قد منحت هذه المسألة قدراً كبيراً من التفكير. تحدث أنانت أغاروال، الرئيس التنفيذي لشركة إيديكس edX، البوابة الإلكترونية التي أسستها جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتقنية، عن الإبتكارات الكفيلة بالقضاء على الغش في الإمتحانات عبر الإنترنت. فعندما يخضع الطالب لإمتحان بوقت محدد، يولد جهاز الكومبيوتر وبصورة عشوائية مجموعة من الأسئلة في كل وقت لكي لا يتمكن الطالب من مشاركة الإجابات على مجموعة روتينية من الأسئلة. كما يمكن للمسؤولين مراقبة إمتحان الطالب عن طريق كاميرا الكومبيوتر المرتبط بالإنترنت.

مع ذلك، لا يمكن أن يكون التعليم الرقمي للباحثين عن وظائف فقط. فإذا ما إنتظر المعلمون طلابهم ريثما ينهون دراستهم قبل أن يعرفوهم على التعلم عبر الإنترنت، فقد يكون ذلك متأخراً جداً لتحويلهم إلى مفكرين ناقدين، كما عرض نافيد مالك، عميد جامعة باكستان الإفتراضية.

ليست المساقات الهائلة المفتوحة عبر الإنترنت (MOOCs) الخيار الوحيد المتاح، فقد ناقشت لجنة دولية برنامج Blossoms التابع لمعهد ماساتشوستس للتقنية، البرنامج الذي يوفر فيديوهات على أساسٍ علمي ورياضي موجهة لطلاب المدارس الثانوية. يسعى البرنامج لربط المفاهيم التي يتعلمها الطلاب من الكتب المدرسية بحياتهم اليومية. وقد كان معلمون من المملكة العربية السعودية، والأردن، ولبنان من بين أولئك الذين قاموا بإنشاء فيديوهات علمية قائمة على أساس ثقافاتهم.

وأكد بعض دعاة تكنولوجيا التعليم حقيقة أن الإتصال ليس شرطاً مسبقاً للتعلم الرقمي. فقبل أن يصبح الإنترنت شائعاً، كان الناس الذين اشتروا أجهزة كومبيوتر يحصلون على المعلومات عن طريق الأقراص المرنة والأقراص المدمجة. لذلك، ما السبب الذي يدعو المدارس أو الجامعات للقلق بشأن الحصول والدفع من أجل الوصول إلى الإنترنت المكلف في بعض الأحيان من أجل تحميل كتاب مدرسي أو فيديو قديم، لاسيما عندما يكون ذلك المحتوى مخصص ليتم توزيعه مجاناً؟

ليس هنالك حاجة لجلب المعلومات من الإنترنت، بحسب كليف ميسين، مدير مشروع WiderNet، الذي يتخذ من جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل مقراً له، ولكنه يسعى لتوفير تكنولوجيا عالية التأثير ومنخفضة التكلفة في البلدان النامية. حيث أن الألواح المحملة مسبقاً، وأجهزة الكومبيوتر المحمولة، وأجهزة الكومبيوتر التي تباع في الأسواق الناشئة مع الموارد التعليمية إحدى الحلول الممكنة. حيث أن هذه الخدعة، كما قال، جيدة بالنسبة لأمناء المكتبات ليقوموا بتطوير أكثر المجموعات فائدة بالنسبة للمستخدمين المستهدفين من خلال العمل مع المعلمين لإضافة وتنظيم المحتوى ذو الصلة بالواقع المحلي.

لا يحدث التغيير بين عشية وضحاها حتى عندما تستثمر الحكومات في أحدث أدوات التعلم الرقمية. في الأوروغواي، منح مشروع “حاسوب محمول لكل طفل” حتى الأطفال المفتقرين للميزات الإقتصادية إمكانية الوصول إلى الكومبيوتر والإنترنت، بحسب كريستوبال كوبو، مدير مركز الأبحاث في مؤسسة سيبال، والتي تجري أبحاثاً على التكنولوجيا التعليمية. وقال إنه ومنذ البداية لم يكن التركيز مقتصراً على الأجهزة أو البرمجيات بل على تدريب المعلمين، وتغيير الممارسات، وتغيير الطريقة التي ينتهجها الناس في التعليم والتعلم.

وتحدث باحثون من الهند، ممن كانوا جزءاً من مباردة التعليم المتصل كليس CLIx، عن مشروعهم لتحديد إذا ما كانت المدارس الثانوية في المناطق الريفية وشبه الحضرية على إستعداد للتعليم الرقمي أم لا. يتساءل الباحثون إذا ما كانت هناك بنى تحتية كافية و”إقبال على” التعليم المبتكر. وإذا ما كان الجواب بالنفي، فإن التجربة تخبرهم بأن التدخل سيكون ضرورياً قبل طرح مثل هذه المشاريع على نطاق واسع.

https://www.bue.edu.eg/

في الوقت ذاته، يشهد الإتصال بالإنترنت تحسناً في العالم العربي. ففي عرضه التقديمي، قال نافذ دقاق، المدير المؤسس لمبادرة إدراك Edraak.org، بوابة إيديكس edX للناطقين بالعربية والمجهز للتعليم عبر الإنترنت بذاتها، عن كون تسعة من أصل عشرة من الشباب في المنطقة يعتقدون بأن الوصول إلى الإنترنت قد يساعدهم في تحقيق طموحاتهم في العمل والتعليم. وأضاف بأن هناك 135 مليون مستخدم للإنترنت ناطق باللغة العربية وأن هذا العدد يتزايد بنسبة 20 في المئة سنوياً.

وبينما يتم غلق الفجوة الرقمية ويتمكن المزيد من الشباب في الوصول إلى الإنترنت، يبقى السؤال فيما إذا كانت مثل هذه التغييرات ستساعد الشباب العرب في إمكانية تحقيق وصول يسير للحصول على تعليم جيد أم لا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى