أخبار وتقارير

المقابر الإسلامية: “المنطقة المحرمة” على علماء الآثار

يعتبر الشرق الأوسط كنزاً لعلماء الآثار – حيث يتقاطر هؤلاء عليه من جميع أنحاء العالم لدراسة القطع الأثرية الثمينة، والأطلال، والعظام القديمة المتحجرة في المنطقة. لكن الأبحاث، وإلى حد كبير، تصل إلى طريق مسدود عند محاولة دراسة الهياكل العظمية للبشر الذين ماتوا في السنوات ال1,400 الماضية.

قال سلمان المحاري، رئيس هيئة حفظ التراث في وزارة الثقافة والآثار، وهي الجهة المسؤولة عن التنقيبات الأثرية في جزيرة البحرين، “في البحرين، يُمنع المساس برفات المدفونين وفقاً للعقيدة الإسلامية”. وأضاف “كلما نقبنا في موقع إسلامي، فإننا نتوقف إذا ما وجدنا قبراً. لكن بالنسبة للقبور العائدة لعصر ما قبل الإسلام، فإننا أحرار في فعل ما نريده”. حيث يتوجب على الباحثين إحترام المسلم الميت، كما يقول، وفقاً للمعتقدات الدينية.

وعلى النقيض من ذلك، نجد من الشائع في أوروبا نبش العظام من العصور القديمة ومروراً بالبقايا البشرية التي يبلغ عمرها قرن واحد أو قرنين من الزمان فحسب. ولا يُستثنى من ذلك الملوك السابقين لإنجلترا.

لكن هذا الفرق في المعتقدات يعني أن المعرفة الأثرية عن الحياة في العالم العربي منذ ظهور الإسلام تفتقر لبيانات حيوية مقارنة بذات الفترة الزمنية في الغرب.

قال تيموثي إنسول، أستاذ علم الآثار الإسلامية والأفريقية بجامعة مانشستر في المملكة المتحدة، “إنها فرصة ضائعة، ولكن المسألة مفهومة تماماً أيضاً.” لكنه قال بأن هذا الحظر المفروض على نبش قبور المسلمين سياسة شائعة في معظم أنحاء العالم الإسلامي، وليس في الشرق الأوسط فحسب. لم يتكلم بشأن رفع الحظر لأنه يقول بأن من المهم أن يحترم الأكاديميون الثقافات في البلدان التي يجرون فيها الأبحاث. لكن هذه السياسة حرفت وجهات نظر علماء الآثار عن التاريخ الحديث في المنطقة.

قال إنسول “يميل علم الآثار في العالم الإسلامي للتحول نحو الفن، والذي يعمل على تعزيز وجهة النظر عن الأشياء الجميلة والهندسة المعمارية بدلاً من تكوين صورة كاملة. نحن لا نعرف أي شيء عن سجلات الأمراض. ونكون فكرة عن سن الوفاة من شواهد القبور، ولكن الأثرياء وحدهم هم من تمكنوا من إمتلاك شواهد قبور.”

بالإضافة إلى ذلك، لا يعرف علماء الآثار في المنطقة الكثير عن وفيات الأطفال، والوفيات بين الجنسين، أو أنماط الهجرة البشرية بالشكل الذي كانوا سيعرفونه لو كانت دراسة قبور المسلمين مسموحاً بها.

https://www.bue.edu.eg/

يرغب المحاري في أخذ عينات للحمض النووي من العظام في البحرين ومقارنة النتائج مع الأشخاص الذين يعيشون حالياً هناك بهدف تكوين فكرة عن الهجرات التي حدثت في الماضي. قال المحاري “أريد أن أعرف من أين أتى الناس، ومتى وصلوا إلى البحرين. أتمنى لو كان في إمكاننا القيام بذلك.”

لا يتطلب تحليل الحمض النووي من هذا القبيل أخد هيكل عظمي كامل إلى المختبر – حيث يمكن القيام بذلك بأخذ شظيات تؤخذ على شكل رقاقات من العظام. لكن الوصول إلى البقايا بهدف أخذ مثل تلك العينات لا يزال يُعتبر إنتهاكاً.

قبل بدء العمل في موقع أثري، يحاول الباحثون التحقق مما يمكن أن يتواجد تحت السطح لتقليل فرص الإنتهاك غير المقصود بهيكل عظمي مدفون وفقاً للعقيدة الإسلامية.

ويساعد المسح تحت السطحي في ذلك، حيث يتم توجيه إشارات الرادار بإتجاه الأرض والأشياء، مثل البقايا البشرية، لتنعكس تلك الإشارات مرة أخرى نحو السطح. وتكون النتيجة النهائية لذلك خريطة لما هو تحت الأرض وتظهر الإتجاه الذي تم فيه دفن الجثث.

قال المحاري “عندما يتم وضع جثمان المسلم في القبر، ينبغي توجيه الجسد بحيث يبدو وجهه بإتجاه مكة.” كما أن هنالك دلائل أخرى مباشرة، فإذا ما تم دفن الشخص إلى جوار كنز فإنها إشارة إلى إحتمالية أن يكون قد مات قبل إنتشار الإسلام، الذي يتجنب هذه الممارسة.

في بعض الأحيان، وبطبيعة الحال، يصطدم علماء الآثار وعن غير قصد بهيكل عظمي يكتشفون في وقت لاحق بإنه إسلامي. قد تكون مثل هذه الأحداث نادرة، لكنها تحدث بالفعل، وتختلف الآراء حيال ما يجب القيام به عند حدوث مثل هذا السيناريو.

لم يحدث ذلك قط مع إنسول، لكنه يقول بأن الصدق هو السياسة الأفضل، حيث قال “سوف أقوم بجلب أحد الأئمة من المسجد المحلي المعني بالأمر وأقدم له الإعتذار. لن أقوم بطمسه. سأعترف بذلك.”

فيما يقترح المحاري، على الجانب الآخر، اللجوء لنهج أكثر دهاءاً. حيث يقول بأنه سيقوم بإعادة دفن الجثة بتكريم وتركها لحال سبيلها من دون أن يخبر أحداً خوفاً من أن يعرض نفسه لمواجهة غضب المجتمع المحلي، حيث قال “إذا ما علم الناس بأننا قد حفرنا القبور فإنهم سيغضبون حقاً.”

بعض الدول العربية أقل صرامة فيما يخص الحظر المفروض على إزعاج الموتى. ففي الأردن، على سبيل المثال، لا يزال الحفر المتعمد للمقابر الإسلامية ممنوعاً، ولكن، إذا ما حدث ذلك عن طريق الصدفة، يُسمح للآثاري في حينها أن يقوم بدراسة ما قد عثر عليه.

وقد حدث هذا مع بيتر أكرمانس، أستاذ علم آثار الشرق الأدنى بجامعة لايدن في هولندا. قال أكرمانس “هذا يحدث، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بذلك.”

وأضاف موضحاً “سيُسمح لك بدراسة ذلك، ولكن عليك أن تعيد دفنه، عادة في غضون بضعة أشهر.”

للأسف، تعني هذه الفترة القصيرة نسبياً من الدراسة بأن كمية المعلومات التي سيتمكن أكرمانس من الحصول عليها من بقايا العظام التي عثر عليها بالصدفة محدودة. حيث قال “بإمكانك دراسة العمر، والجنس، والأمراض. لكن هذا ليس تحقيقاً منظماً.”

وفي ظل غياب البحوث المصممة خصيصاً لدراسة المدافن الإسلامية، لجأ علماء الآثار إلى تقنيات أخرى لملء هذه الفجوات في المعرفة.

على سبيل المثال، يُلقي المحاري نظرة إلى اللقى الأخرى في محيط المقابر، الأشياء التي يمكن أن يحصل من خلالها على المعلومات. وكمثال على ذلك، يصف كيف عثرت مجموعة من علماء الآثار في البحرين على قطع فخارية بينما كانوا يحفرون في أحد المواقع الإسلامية.

وكان الفخار الذي عثروا عليه من بقايا تربة حُسينية، وهو قرص غالباً ما يستخدم في الصلاة. قال المحاري “إنها تستخدم من قبل المسلمين الشيعة فقط. ولذلك فإننا نعتقد بأنها قد أستخدمت من قبل أناس جاءوا من العراق.”

وبالإضافة للفخار، يقول المحاري بأن نقوش القبر، والأطلال، والنصوص الأدبية تساعد في رسم صورة لماضي المنطقة القريب. قال “بإمكاننا الحصول على 95 في المئة من المعلومات التي نحتاجها من هذه الإكتشافات. لكننا لا نزال بحاجة للهياكل العظمية لتحليل الحمض النووي والحصول على الـ5 في المئة المتبقية.”

قد لا تبدو تلك وكأنها فجوة هائلة في المعرفة، لكنها فجوة مهمة لا يمكن ملؤها إلا من خلال البيانات الوراثية الكامنة في عظام المقابر الإسلامية. يريد علماء الآثار إحترام الرغبات والعادات الإسلامية، لكن العديد منهم سيتلذذ أيضاً بفرصة الحصول على عينات من العظام من أجل فهم أفضل لأنماط الهجرة البشرية الحديثة في المنطقة.
AddThis Sharing ButtonsShare to FacebookShare to TwitterShare to ارسال ايميل

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى