مقالات رأي

دور التعليم في دعم اقتصاد كردستان

يشكل الجمود السياسي، والأزمة الإقتصادية المتفاقمة بسبب إنخفاض أسعار النفط، واللاجئين، وتنظيم داعش –قضايا ملحة تدور حولها العديد من الأنباء الأخيرة من إقليم كردستان العراق. ويتفاقم الحرمان والإحباط إزاء الوضع الحالي في الإقليم بسبب مزاعم عن فساد حكومي مستشري، الأمر الذي أثار موجة من الإحتجاجات والإضرابات في أرجاء الإقليم الذي تم إعتباره يوماً ما كقصة نجاح في أعقاب حرب عام 2003.

ناقش قباد طالباني، نائب رئيس الوزراء في حكومة إقليم كردستان، القضايا الإقتصادية في المنطقة في منتدى السليمانية الذي عُقد مؤخراً في الجامعة الأميركية في العراق، مشيراً إلى ضرورة قيام حكومة الإقليم بتقليل عدد المناصب الحكومية الزائدة، والحد من الإنفاق، وتحديث النظم الحكومية، وتنويع الإقتصاد بعيداً عن النفط والغاز. ونوه طالباني إلى تركيز الحكومة في الماضي على تطوير قطاعي النفط والغاز على حساب القطاعات الرئيسية الأخرى وإعتبر ذلك عاملاً في الأزمة الإقتصادية الحالية.

ومن أجل فهم أفضل لإحتياجات تطوير الصناعة في إقليم كردستان، إستطلعنا مؤخراً آراء أكثر من 130 شركة من ثمانية قطاعات طلب فيها من ممثلي الصناعة ذكر التغييرات المحددة اللازمة لدعم النمو الإقتصادي.

وأظهرت النتائج التي توصلنا إليها بأن القطاعات التي تُظهر أكبر نسبة نمو تشمل قطاع المبيعات والخدمات، والخدمات الصحية والإنسانية، والإتصالات والبناء. كما تم ذكر اللغة الإنجليزية ومهارات الكومبيوتر العامة بشكل متكرر بإعتبارها من المهارات الأساسية الواجب توافرها في الموظفين الناجحين، فيما تصدرت مهارات من قبيل التفكير النقدي، وحل المشكلات، والتواصل والمبادرة قائمة المهارات الأساسية التي قال ممثلو الصناعة إن خريجي الجامعات الجدد يفتقرون إليها. فيما غلب غياب التدريب العملي غير النظري وخبرة العمل الحقيقي على المجالات التي أشارت الشركات إليها بإعتبارها تحديات كبيرة في وجه توظيف خريجين محليين. لكن العديد من ممثلي الصناعات قد أعربوا أيضاً عن رغبتهم في المساعدة في بناء مهارات الطلاب. وقالت الشركات إنها على إستعداد لوضع برامج تدريب والمساعدة في إنشاء لجان إستشارية في المقرات الجامعية من شأنها أن تساعد الجامعات في تطوير البرامج التي تتفق مع إحتياجات قطاع الصناعة.

بقي الإهتمام الحكومي في الأشهر الأخيرة مركزاً على القضايا العاجلة والملحة التي يواجهها الإقليم. مع ذلك، ومن أجل بناء قطاع خاص مزدهر ونابض بالحياة، يحتاج القادة في إقليم كردستان لإتخاذ منهج إستباقي على المدى البعيد في السعي والإستجابة للمعلومات المقدمة من قادة قطاع الصناعة على أن يلعب التعليم العالي دوراً رئيسياً في عملية بناء الأمة.

وتشمل الطرق الرئيسية التي يمكن من خلالها للتعليم العالي أن يدعم التنمية الإقتصادية في إقليم كردستان ما يلي:

– وضع إستراتيجية شاملة وإطار للمعايير الأكاديمية والكفاءات. للأسف، أحبطت الصراعات الداخلية المحاولات الأخيرة لإحداث تقارب بين الوزارات الرئيسية، والدوائر الحكومية، ورؤساء الجامعات للعمل مع القطاع الخاص من أجل وضع إطار لذلك. فمن أجل تنمية مستدامة على المدى البعيد، يتوجب على الجهود بين الدوائر الوزارية والمسؤولين الحزبيين تجاوز الخلافات الراهنة والتوحد لدعم تطوير قطاع الصناعة في الإقليم.
– يجب على قادة التعليم العالي إلقاء نظرة فاحصة على البرامج الجامعية الحالية، مستخدمين البيانات المحدودة المتوفرة بينما يقومون بجمع معلومات إضافية أساسية في حل مشكلة عدم التوافق بين البرامج الأكاديمية وإحتياجات السوق.
– يجب على القادة الأكاديميين إمتلاك الإرادة السياسية لإتخاذ قرارات صعبة لتحديد أولويات التمويل ومواءمة البرامج الأكاديمية مع متطلبات السوق الحالية والمستقبلية في الإقليم. وبدلاً من الإستمرار في تقديم برامج متعددة في المجالات التي لا توجد بها فرص عمل، يجب على الجامعات في الإقليم تطوير برامج نوعية من قبيل الفندقة ، والإدارة، والمحاسبة، وغيرها من مجالات لا تزال الأماكن الشاغرة فيها غير ممتلئة بسبب عدم وجود موظفين محليين مؤهلين.
– التوسع في نماذج التعليم التجريبي مثل برنامج التدريب القوي الذي طوره مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء بهدف توفير فرص لطلاب الجامعات الكردية لإكتساب الخبرة والإتصال بالقطاع الخاص المزدهر في الإقليم. وتعتبر برامج من هذا النوع مسألة حيوية لتوفير تجربة واقعية لا يمكن للدراسة الأكاديمية توفيرها، والتي تساعد في إنتقال ناجح لخريجي الجامعات من الدراسة إلى العمل. يجب على وزارة التعليم العالي تعديل المتطلبات الأكاديمية الحالية لتشمل التدريب وغيرها من نماذج التعليم التجريبي، وتقديم الأموال والدعم لمثل هذه البرامج، وتوفير الإعتماد الأكاديمي للطلاب الذين ينجحون في إستكمال برامج التعليم التجريبي.
– يجب توسيع البرامج الحالية لمساعدة خريجي الجامعات في العثور على وظائف مثل مراكز الخدمات المهنية في الجامعات وتقديم الدعم لها من خلال التمويل وتوفير عدد كاف من الموظفين.
– يجب أن تقوم البرامج الأكاديمية بالتحول من أساليب التدريس على طراز المحاضرات النظرية إلى نماذج عملية تعتمد التدريب بهدف بناء المهارات اللازمة للنجاح في عالم اليوم.

وبينما يمكن القول بأن الوضع الحالي هو الأسوأ في إقليم كردستان العراق منذ عام 2003، إلا إنه يوفر فرصة لا يمكن تفويتها. لا تسمح خطورة الوضع بالإستمرار في العمل كالمعتاد، ويتعين على قادة الحكومة تجاوز الخطوط الحزبية وصراعات السلطة القديمة وإتخاذ القرارات الصعبة الضرورية. ومع إنها ليست بالمهمة السهلة، إلا إن التحديات الحالية توفر منصة لخلق تغيير حقيقي وملموس، مع  قيام التعليم العالي بدور أساسي في الإصلاح.

لوري ماسون، كبيرة المستشارين الفنيين لبرنامج الربط الجامعي في العراق التابع لمنظمة آيركس، منظمة دولية غير ربحية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى