مقالات رأي

كيف يمكن الاستفادة من تضخم أعداد الشباب في عملية التحول في العالم العربي

تم نشر المقال لأول مرة على موقع CIPE، ويعاد نشره هنا بموافقة الكاتبة. 

صادف يوم الخميس الماضي الذكرى الخامسة الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي من السلطة، فيما أصبح يعرف باسم ثورة الياسمين. إذ شن ناشطون بعناية حملة من المقاومة المدنية، مستلهمة تضحية محمد البوعزيزي وأدت في نهاية المطاف إلى الانقلاب على استبداد  بن علي وحفزت سلسلة من الاحتجاجات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بعد خمس سنوات من أول انتفاضة فيما يسمى “الربيع العربي”، أصبح لدينا إدراك ودروس مستفادة يمكن الرجوع اليها. حيث يمكننا أن نحدد بشكل يقيني نسيباَ، مختلف العناصر التي ساهمت في الثورات ومدى تأثيرها. خمس سنوات، ونحن في صراع ما بين الآثار الملهمة وأخرى مفجعة في ثورات كل من سوريا ومصر وليبيا وتونس واليمن. لكن من المؤكد أن هناك عنصراَ حاسماَ قاد الاحتجاجات، وكثيرا ما ذكر في الأيام الأولى ولكن أصبح فيما بعد حديثاَ هامشياً، هو شريحة الشباب في هذه البلدان.

لسنوات عديدة سبقت أحداث كانون الأول/يناير 2011، حذر الباحثون من مخاطر تضخم أعداد الشباب في العالم العربي. وخاصة أن العديد منهم كان ينظر لنسبة الشباب المرتفعة بشكل غير متناسب مع باقي قطاعات المجتمع على أنها قنبلة موقوتة. عانى سكان المناطق الحضرية أو ما يُعرف بالمدن بشكل خاص من آثار انخفاض الأجور وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية. دفعت هذه العوامل مجتمعة بالشاب محمد البوعزيزي في منطقة سيدي بو زيد إلى اشعال النار في نفسه  وسط سوق مزدحم.

كان البوعزيزي شاب عصامي، يعمل في القطاع غير الرسمي، لكنه شعر بالإحباط بسبب العوائق التي تحول دون إضفاء الطابع الرسمي على عمله مما اضطره للتعامل مع مسؤولين فاسدين. في النهاية، لم يكن أمامه سوى خيار الخيار الوحيد والأصعب -وهو الانتحار. وعلى الرغم من إصابته البالغة والتي أدت الى وفاته، أصبح بائع فاكهة البوعزيزي رمزاً للثورة التونسية، وفيما بعد أضحى رمزاً لحركات الاحتجاج وأعمال الشغب الأخرى التي هزت العالم العربي في الأشهر التي تلت وفاته.

حالياَ، يشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 ما يزيد على 30 في المئة من سكان العالم العربي –أي نحو 300 مليون نسمة. وهذه أعلى نسبة من الشباب إلى الكبار تسجل في تاريخ المنطقة، ناهيك عن الكم الكبير من الفرص المهدورة وغير المستغلة من الأنشطة الاقتصادية. تسجل الشركات الناشئة منحى متصاعداً في الشرق الأوسط، ويقوم الشباب بتولي زمام القيادة في هذه الشركات. لقد بدأ المستثمرون الغربيون بالفعل بالتنبه لذلك، فعلى سبيل المثال، أنشأت شركة Google أول مركز تكنولوجيا عربي للعصامين في منطقة الشرق الأوسط في دبي، وهناك العشرات من مراكز بدء التشغيل الأخرى التي أنشئت في بيروت والقاهرة إلى الرياض وأربيل وعمان. قبل بضعة أسابيع دشنت 500 شركة ناشئة صندوق التكنولوجيا في الشرق الأوسط بهدف توفير رأس المال والتمويل للمشاريع الناشئة وتسريعها برأس مال وصل إلى 30 مليون دولار أميركي.

وسط كل الاضطرابات في المنطقة، نجد أن الشباب العربي يسعى إلى الدخول في أشكال جديدة ومبتكرة للعصامية والمشاريع الاقتصادية. ففي هذه المنطقة التي تتسم غالباً بالشريط البيروقراطي الأحمر، وانعدام البنى التحتية التجارية الرسمية، وضعف الإدارة، يسعى الشباب بالمقابل الى خلق فرص لأنفسهم، وشق طرق للنجاح الاقتصادي المستقبلي في المنطقة.

في دوائر السياسة الخارجية، شكل عدد الشباب المتضخم في العالم العربي مخاوف حقيقية. ففي الوقت الذي ترتفع فيه نسبة الشبان العاطلين عن العمل في المراكز الحضرية نجد أن جاذبية الجماعات المتطرفة مثل داعش، والتي تقدم الوعود بتوفير مورد لائق وثابت ومصدر متماسك للهوية، يقوى ويتنامى. هذا التوجه بالتالي، يغرق المنطقة في حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار – ويهدد الإمكانات الاقتصادية الكامنة للسكان من الشباب في العالم العربي بالعديد من المخاطر.

بدلاً من النظر للشباب فقط كمشكلة وعبء، يتعين على صناع القرار في كل من المنطقة وخارجها البدء في فهم كيفية توظيف هذه المجموعة السكانية المتزايدة في بناء اقتصادات أكثر ديناميكية وشمولية. تناولت الباحثة بسمة المومني  بالفعل هذا الموضوع في كتابها الذي صدر أخيراً “الفجر العربي: الشباب العربي والتوزع الديموغرافي الذي سوف يجلبونه”. تتحدث المومني عن وجود “تغيير جوهري في الأجيال”، حيث يفضل الشباب العربي التوجه نحوالعصامية، الحرية السياسية، والانفتاح على الكون.

يمكن الاستفادة من هذه التطلعات لزيادة قدرة أصحاب المشاريع الفردية، وتعزيز التنظيم الجماعي والمناصرة، وتسهيل التغيير المؤسسي بطريقة تؤدي لوضع إجراءات ناظمة للأعمال. أظهرت دراسة حديثة لشركة “أرنست ويونغ” بعد إجراء مسح على فرص إيجاد  العمل وريادة الأعمال عالمياَ، أن خمس هؤلاء يريدون المشاركة بإحداث تغييرات اجتماعية بشكل إيجابي. وهذا ينطبق على 20 في المئة من مجمل رواد الاعمال، وفي هذه المنطقة من العالم حيث يشكل الشباب الشريحة الأوسع، فإن نسبة 20 في المئة قادرة على إحداث فرق هائل على أرض الواقع.

غالباَ ما يقوم القطاع الخاص بمليء الفراغ في المواقع حيث تفشل الحكومات. والآن، وأكثر من أي وقت مضى يسعى الشباب لمعالجة الأمور بأيديهم. صغار السن وهؤلاء الذين يملكون روح المبادرة ما عادوا بانتظار الاقتصاد ليلتفت إليهم، أو الوظائف لتأتي إليهم. هم يتجهون الى التعلم الذاتي، والتعاون، وحل المشاكل المحلية من خلال إنشاء مشاريعهم الخاصة. أصبح الشباب قادراً على خلق فرص العمل بالاعتماد على العصامية، وعلى الرغم من أن العصامية لا تحفز على خلق فرص العمل بشكل فوري وعلى نطاق واسع، إلا انه وعلى المستوى الفردي يعتبر عنصر حاسم في إيجاد البيئة المواتية لقيام الشركات الصغيرة والتي من الممكن ان تتطور فيما بعد لتصبح شركات كبيرة.

لا يعتبر تعزيز روح المبادرة في الوقت الحاضر من أولويات المعنيين وأصحاب المصالح في العالم العربي. القطاع الخاص، في كثير من الحالات، أيضا يتطلع نحو المستقبل. فمن المحتمل أن يتغير الوضع جذرياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عشرين عاماَ القادمة على كافة الأصعدة -اقتصادياَ واجتماعيا وسياسياَ، وربما حتى جغرافياَ -مما هو عليه اليوم. وبالتالي، فمن الضروري لمنظمات المجتمع المدني وجميع تلك الجهات التي تستثمر في مستقبل المنطقة البدء في زرع بذور التغيير منذ اليوم. فمثلاً هناك منظمة تعتبر ذلك من أولوياتها وهي المنتدى الاقتصادي السوري.

ففي أقل من خمس سنوات، أصبحت هذه المؤسسة الصوت المعبر عن القطاع الخاص السوري عبر سياساتها ومبادرات المناصرة للمجتمع السوري في الداخل وفي بلاد الإغتراب. حيث تعمل المنظمة بشكل استباقي لبناء مجتمع ما بعد الصراع وتجهيز الشباب السوري بالأدوات والمعرفة التي ستكون ضرورية لإعادة بناء بلدهم. وثمة عنصر حاسم في جهود بناء المهارات يتمثل في تطبيق برنامج تعليم مكمل للشباب وريادة الأعمال (منهاج متكامل أشرفت CIPEعلى إعداده) ويقدمه المنتدى.

من خلال سلسلة من النماذج على القيادة الأخلاقية، واتخاذ القرارات، وتسوية النزاعات، والتواصل الفعال، وإدارة الوقت، وتطوير الأعمال، يعمل المنتدى بشكل مباشر مع الشباب وغيرهم من السوريين لتعزيز روح المبادرة ووضع حجر الأساس للديناميكية الاقتصادية الحالية والمستقبلية.

إن التنمية المستدامة تتواجد جنباً إلى جنب مع النشاط الاقتصادي. وعليه فإن العالم العربي سيقفد هذا النوع من الفرص الديناميكية إذا لم نستطع الاستفادة من تضخم نسبة الشباب التي تراكمت على مدى العقود الماضية، واستخدامه بمثابة فرصة لخلق الفضاء الحقيقي للريادة. تقاس نمو الاقتصادات بشكل عام من خلال نمو الشركات، ومن دون إفساح المجال للمشاريع الجديدة الصغيرة والمتوسطة والمشاريع التجارية للتواجد في السوق، فإن قدرة العالم العربي على المنافسة في عالم تسوده العولمة سوف تبقي محدودة بالنسبة لإمكاناته. لذلك وجود منظمات مثل المنتدى الاقتصادي السوري تعمل على هذه الديناميكية وتقود بشكل واسع عملية تعزيز الفرص الواقعية لريادة الأعمال بين الشباب داخل وخارج البلاد على حد سواء، يعتبر من المؤشرات الجيدة.

* كيت موران، مساعدة برنامج شمال إفريقيا والشرق الأوسط في مركز المشروعات الدولية الخاصة.

*تمت ترجمة المقال من قبل المنتدى الاقتصادي السوري.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى