أخبار وتقارير

سوريا: الجامعات الخاصة نازحة وتصارع للبقاء

دمشق–  في تمام الساعة الواحدة والنصف ظهراً من كل يوم، يقرع الجرس في ثانوية محمد صلاح الدين الهبج للبنات الواقعة في منطقة المزة جنوب غرب العاصمة السورية. تخرج الطالبات من المدرسة ليدخل بعدهن طلاب أخرون، ذكور وإناث لكنهم أكبر سناً، إنهم طلاب جامعة قاسيون الخاصة.

قال محمد الجليلاتي، رئيس الجامعة التي يقع مقرها الرئيسي على بعد 50 كم من العاصمة على الأوتستراد الدولي الرابط بين دمشق وعمان، “نتيجة للظروف الراهنة وحرصاً على سلامة الطلبة حصلت الجامعة على موافقة وزارة التعليم العالي السورية لافتتاح مقر تدريسي مؤقت للجامعة داخل دمشق.”

لم يعد استخدام المدارس كمقار مؤقتة للجامعات الخاصة في الفترات المسائية أمراً غريباً، إذ تقع المقرات الرئيسية غالباً خارج المدن في مناطق أصبحت غير آمنة أو أصبح طريق الوصول إليها غير آمن.

نقلت جامعة الاتحاد الخاصة والتي تأسست عام 2003 في محافظة الرقة شمال سوريا، مقرها أيضاً إلى معهد الفنون التشكيلية الواقع في منطقة المزة أيضاً. بينما نقلت الجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا الخاصة كلية الصيدلة التابعة لها إلى مقر مؤقت ضمن أحد الأندية الرياضية الحكومية وسط دمشق.

تستمر الدروس الجامعية في المدارس والمقار المؤقتة حتى الثامنة مساء، وعلى الرغم من ساعات الإنقطاع الطويلة للتيار الكهربائي التي تشهدها العاصمة إلا أن الجامعات تؤمن مولدة كهربائية لتوفير الكهرباء في الفترة المسائية. بالطبع، لا تتوفر أي وسائل للتدفئة بسبب عدم توفر مادة المازوت اللازمة لذلك.

تبدو المقرات الجديدة أكثر أماناً لوجودها في وسط العاصمة، رغم إمكانية تعرضها لخطر قذائف الهاون، لكنها لا تبدو مناسبة تماماً للتعليم الجامعي. إذ يعاني الطلاب من الإكتظاظ داخل الصفوف المدرسية الصغيرة والغير عازلة للصوت والمقاعد الدراسية الخشبية مع غياب فرص للتدريب العملي داخل مخابر مؤهلة خاصة لطلاب الكليات العلمية.

قال محمد عصام حسن آغا، عميد كلية الصيدلة في الجامعة، “بالطبع المقرات الجديدة ليست مؤهلة بشكل جيد كحال مقراتنا الرئيسية، مخابر الجامعات تتمتع بمواصفات دولية، المساحة هنا أصغر بكثير وإمكانات المخابر هنا محدودة جداً. لكنه الحل المتوفر حالياً لاستمرار عملنا.”

يعاني الطلاب من الإكتظاظ داخل الصفوف المدرسية الصغيرة

كما يؤكد الجليلاتي أن المستلزمات التعليمية متوفرة بنسبة 80 في المئة في المقرات الجديدة. قال “المشكلة في الجو العام، الطلاب وتحديداً مع الطلاب الجدد الذين لا يشعرون بأنهم انتقلوا إلى مرحلة تعليمية مختلفة عن التعليم المدرسي.”

وإلى جانب مشكلة المقرات، تواجه الجامعات الخاصة والحكومية إنخفاضاً ملموساً في عدد الأساتذة.

قالت مروة، طالبة في السنة الخامسة في كلية الصيدلة في الجامعة الدولية الخاصة للعلوم والتكنولوجيا، “سافر غالبية أساتذتنا الأكفاء، الأساتذة الجدد أقل خبرة بكثير وبعضهم لا يحمل شهادة دكتوراة.” مضيفة أن بعض المواد تم إلغاؤها كما أن بعض الأساتذة يدرسون أكثر من مادة.

بينما لفت سامح برقاوي، طالب سنة ثانية في كلية الإدارة في نفس الجامعة، أن الجامعة قامت بإغلاق بعض التخصصات نتيجة عدم توفر عدد كافي من الطلاب أو نقص الأساتذة. إذ لم تقبل الكلية طلاب جدد في تخصص الأدب الانكليزي وتكنولوجيا المعلومات.

ينفي آغا عميد كلية الصيدلة بالجامعة نقص عدد الأساتذة في الجامعات الخاصة على الأقل. قال “يحصل أساتذة الجامعات الخاصة على أجور جيدة جداً مقارنة بأساتذة الجامعات الحكومية، تصل لأكثر من خمسة أضعاف. هناك بالطبع حالات فضل فيها البعض مغادرة البلاد، لكننا لا نعاني من نقص في الكوادر التدريسية.”

قبل عامين، نقلت صحيفة محلية عن مصادر في جامعة دمشق  أن نحو 10 في المئة من أساتذة الجامعة غادروا البلاد مفضلين العروض التي حصلوا عليها من جامعات عربية. لا إحصاءات حديثة أو خاصة بالجامعات الخاصة متوفرة. لكن تناقص عدد الطلاب يبدو أمراً مؤكداً.

قال الجليلاتي، رئيس جامعة القلمون، “إن أعداد الطلاب تتراجع بشكل يفوق توقعاتنا. إذ لم يتجاوز عدد الطلاب الجدد 50 طالباً، بينما كانوا أكثر من 300 طالب قبل عامين.”

تشهد الجامعات السورية عموماً تراجعاً حاداً في أعداد الطلاب، الذكور على وجه الخصوص الذين يتوجب عليهم الالتحاق بالخدمة العسكرية حال تخرجهم من الجامعة. فبحسب دراسة أولية أعدها الباحث حنا سلوم من كلية علم الاجتماع تراجع عدد الطلاب الذكور في الكليات الأدبية إلى نحو 20 في المئة بينما يصل لنحو 35 في المئة في الكليات العلمية.

لكن البعض يعتقد أن تراجع أعداد الطلاب في الجامعات الخاصة يطال الذكور والإناث والسبب يعود لإرتفاع قيمة الأقساط الجامعية وسط ظروف معيشية واقتصادية بالغة الصعوبة.

إذ تشتكي ياسمين، طالبة صيدلة في الجامعة السورية الخاصة، من زيادة الأقساط الجامعية بنسبة تزيد لأكثر من 30 في المئة.

تصل تكلفة السنة الواحدة في كلية الطب في أي جامعة خاصة لنحو 900 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 4 آلاف دولار أميركي، بينما تصل لنحو 160 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 700 دولار أميركي  للسنة الواحدة في كلية إدارة الأعمال وهو مبلغ كبير جداً مقارنة بمتوسط الأجور في البلاد اليوم والتي لا تتجاوز بأحسن الأحوال 300 دولار أميركي.

يبرر آغا رفع الرسوم الدراسية للطلاب الجدد فقط بطبيعة الظروف الحالية. قال “التزمت الجامعات بتعليمات الوزارة على مدى أربع سنوات كاملة ولم نزيد قيمة الأقساط الجامعية رغم الهبوط الحاد في سعر صرف الليرة السورية. لكن الظروف الحالية أجبرتنا على  دفع آجار المقرات المؤقتة وبالتالي كان لابد من زيادة الرسوم لتوفير النفقات اللازمة لعملنا.”

وبحسب القانون الناظم لعمل الجامعات، يعود تقدير زيادة الرسوم والأقساط على الطلبة القدامى المسجلين في الجامعات الخاصة إلى مجلس التعليم العالي، ويصدر بقرار من وزير التعليم بناء على موافقة المجلس الذي يأخذ في الاعتبار معدلات التضخم الجديدة.

لا ينكر الجليلاتي تأثير الحرب على مخرجات التعليم العالي العام والخاص على حد سواء. قال “مازال لدى الجامعات الخاصة أعداد مقبولة من الطلاب، لكننا – مع الأسف- غير قادرين على إستخدام مقراتنا الحديثة المؤهلة. نحن نثق بأساتذتنا الاكفاء كما نعول على إجتهاد طلابنا لإستمرار التعليم رغم كل شي.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى