أخبار وتقارير

إنخفاض الإنفاق السعودي على التعليم يلقي بظلاله على الولايات المتحدة

واشنطن– بدأ انهيار أسعار النفط في التأثير على إنفاق الدول الخليجية المنتجة للنفط على التعليم، وانعكست تلك التغييرات في بعض الأحيان على البلدان البعيدة.

إذ تشير العديد من تقارير البرامج المكثفة للغة الإنجليزية في الولايات المتحدة الأميركية إلى إنخفاض كبير في عدد الطلاب المسجلين من المملكة العربية السعودية. ويعتبر ذلك مؤشراً لتأثيرات التعليمية بعيدة المدى والناتجة عن الهبوط الحاد في أسعار النفط. يبدو أن المملكة ستقوم بتقليص برنامج المنح الدراسية الخاص بها، والذي سمح لعشرات الآلاف من الشباب السعوديين في الحصول على شهادات من جامعات غربية على مدى العقد الماضي.

يدفع برنامج منح الملك عبد الله للإبتعاث، الذي تم الشروع به عام 2005، كامل الرسوم الدراسية ونفقات المعيشة للطلاب في الكليات والجامعات في العديد من البلدان الصناعية، معظمهم في الولايات المتحدة الأميركية. شهد البرنامج المكلف نمواً سريعا، فبحلول منتصف العام الماضي، كان البرنامج يدعم 96.000 طالب جامعي وطالب دراسات عليا ممن يدرسون في مئات المؤسسات في جميع أنحاء أميركا، بحسب مسؤولين سعوديين عن التعليم في الولايات المتحدة. وفضلاً عن ذلك، فقد كان البرنامج يدعم 25.000 من أزواج وأبناء الطلاب المبتعثين. ويبدأ معظم الطلاب بعد سنة أو سنتين من دروس مكثفة في اللغة الإنجليزية.

بدأت إنعكاسات إنخفاض الإنفاق تظهر أولاً على برامج اللغة. حيث أظهرت معظم البرامج الـ451 المنضوية للجمعية الأميركية لبرامج اللغة الإنجليزية المكثفة تراجعاً ملحوظاً في أعداد السعوديين الملتحقين في الشهر أو الشهرين الأخيرين، بحسب شيريل ديلك-لو غود، المديرة التنفيذية للمجموعة. فمن بين 92 من الأعضاء الذين أجابوا على الأسئلة التي أرسلتها السيدة ديلك-لو غود، إستجابة لإستفسار الفنار للإعلام، ذكر 78 في المئة منهم إنخفاض أعداد المسجلين من الطلاب السعوديين مقارنة مع مستوياتها في نهاية العام الماضي.

قالت ديلك-لو غود “يتراوح الإنخفاض في عموم أرجاء البلاد ما بين 10 و50 في المئة. ذكرت بعض البرامج بأنها قد تحتاج لتسريح بعض أعضاء هيئة التدريس المساعدين. كما أن بعضاً من برامجنا ستوقف البرامج الأساسية للمستويات المنخفضة التي كان قد تم وضعها في السنوات القليلة الماضية بهدف إستيعاب نسبة من الشباب السعودي ممن كانوا يتقنون القليل جدا من اللغة الإنجليزية لدرجة أنهم لا يستطيعون التعامل مع التعليمات الإعتيادية في مستوى المبتدئين.” وأضافت ديلك-لو غود “يبحث أعضاؤنا عن خيارات توظيف جديدة لتعويض نقص الطلاب السعوديين، كالصين وفيتنام على سبيل المثال.”

ذكرت الصحف السعودية والدولية بأن مجلساً رفيع المستوى برئاسة نائب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للبحث في سبل كبح جماح الإنفاق الحكومي قد دعا إلى تخفيضات في ميزانية برنامج المنح الدراسية واسعة النطاق. كان من الصعب الحصول على تفاصيل رسمية من الملحقية الثقافية السعودية في أميركا، والمشرفة على طلاب المنح الدراسية في الولايات المتحدة، والتي رفضت الإستجابة لطلب الفنار للإعلام لتوضيح المسألة.

لكن أحد الموظفين، وشخصاً آخر يعمل أحياناً لصالح الملحقية، قاما بتوفير بعض التفاصيل المتعلقة بالتخفيضات، وكانت بعضها قد تم ذكرها في التقارير الصحفية الأخيرة. (تكلم الشخصان بشرط عدم ذكر إسميهما لكونهما غير مخولين بإعطاء المعلومات).

يبدو أن السلطات السعودية ستشدد قواعد تقديم المنح الدراسية. سابقاً، كان البرنامج يعتمد معايير أكثر ليبرالية، فعلى سبيل المثال، كان البرنامج يقبل طلاباً مهتمين بأي مجال دراسة تقريباً. وكان بإمكان الطلاب الذين لا يحصلون على منحة دراسية، وبينما هم في المملكة، الحصول على المنحة في الغالب من خلال الإلتحاق بإحدى المؤسسات الأميركية ومن ثم التقديم للدخول في البرنامج السعودي في وقت لاحق.

لكن بدءاً من العام الماضي، بدأت السلطات بإعادة تركيز البرنامج لدعم إحتياجات عمل محددة لاسيما في القطاع العام. فتحت شعار “وظيفتك، بعثتك”، يفضل البرنامج الآن المرشحين من الموظفين – أو الذين يمتلكون عرضاً لوظيفة من وكالة حكومية.

علاوة على ذلك، عوضاً عن مئات الكليات والجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة التي تسجل حالياً طلاب البعثات السعوديين، سيركز البرنامج الآن على الطلاب الذين يستطيعون الحصول على القبول في أفضل 100 مؤسسة أميركية. (ويبدو من غير الواضح، مع ذلك، أي قائمة بأفضل 100 مؤسسة سيتم الإعتماد عليها).

كما أنه من الممكن أن يُطلب من الطلاب المبتعثين في دورات اللغة الإنجليزية ما قبل الأكاديمية إظهار مستوى معين من الكفاءة في نهاية السنة الأولى لتلقي المزيد من الدعم.

في الماضي، كان في إمكان طلاب المنح الدراسية الذين يتخرجون من الجامعة بدرجة البكالوريوس الفوز، وبسهولة، بدعم الدولة للحصول على برنامج دراسات عليا. من المفترض ألا يكون ذلك ممكناً بعد الآن، وسوف يكون على الطلاب العودة إلى ديارهم بنهاية دراستهم الأساسية، وسيكون عليهم التقديم من داخل المملكة بهدف القيام بإستكمال دراستهم.

وأخيراً، سيتوجب على الطلاب الذين يلتحقون بأنفسهم في إحدى المؤسسات الأميركية دفع أجور دراسة اللغة الإنجليزية الخاصة بهم ومن ثم الحصول على 30 وحدة دراسية جامعية (أو 9 وحدات معتمدة للدراسات العليا) قبل أن يصبحوا مؤهلين للحصول على المنحة.

حتى الآن، لا يبدو أن إنخفاض عدد طلاب المنح الدراسية ملموساً في البرامج الأكاديمية في الولايات المتحدة. لكن عدداً من المؤسسات قد زادت من تسجيل الطلاب الأجانب إعتماداً على الطلاب السعوديين في السنوات الأخيرة، وهم ينتظرون الآن بقلق لرؤية كيف سيؤثر ذلك عليهم.

قبل أربع سنوات، ضمت جامعة ولاية تينيسي، الجامعة الحكومية الوحيدة للسود تاريخياً في الولاية، 79 طالباً أجنبياً فقط. لكن في عام 2011، بدأت الجامعة برنامجاً طموحاً لجذب الطلاب في الخارج، وهي تضم اليوم ما يقرب من 900 طالب أجنبي، أكثر من 600 منهم من السعوديين. قالت جويل وين، المديرة التنفيذية للبرنامج الدولي بجامعة ولاية تينيسي، “عندما جاؤوا للتوجيه، أخبرتهم جميعاُ: أريد من كل واحد منكم أن يجلب ثلاثة من أصدقائه من المملكة العربية السعودية للإلتحاق هنا في الموسم الدراسي القادم. إنهم يحبون أن يأتوا على شكل مجموعات، وبذلك واصلوا القدوم.”

وتعد الهندسة، وإدارة الأعمال، وإدارة المعلومات الصحية، والتربية من أكثر التخصصات الدراسية شعبية بالنسبة للسعوديين في ولاية تينيسي وهي إختيارات نموذجية للسعوديين في المؤسسات الأخرى كذلك.

قالت وين إن المسؤوليين في الملحقية الثقافية السعودية لم يبلغوها عن أية خطط للحد من عدد المسجلين السعوديين. لكنها تشعر بالقلق، ليس بسبب العائدات التي يساهم الطلاب المبتعثين في جلبها فحسب، قالت “سيكون ذلك مخيباً للآمال. فبالنسبة لطلابنا، إنها فرصة جيدة أن تتعرض لثقافة أجنبية، وهو أمر لا يتوفر لهم في الغالب، لاسيما في كلية سوداء تاريخياً.”

كما ذكرت مؤسسات أخرى بأنهم قد سألوا الملحقية الثقافية السعودية، والتي توظف المئات ممن يقدمون الإستشارات للطلاب وغيرهم في مقرها الذي تم بناؤه مؤخراً خارج العاصمة الأميركية واشنطن، لكنها لم تتلق أية أنباء عن الكيفية التي قد تؤثر بها عليهم تلك التغييرات.

قال مدراء برامج اللغة الإنجليزية المكثفة إن الملحقية الثقافية السعودية لم تبلغهم هم أيضاً عن خطط تتعلق بمستقبل البرنامج. قالت ديانا ورموث، مديرة قسم الإنجليزي ببرنامج اللغات الأجنبية في جامعة جورج تاون في واشنطن العاصمة، “لم نر إنخفاضاً في معدلات إلتحاق السعوديين بعد. لكن، وعلى مدى الشهرين أو الثلاثة أشهر الماضية، أخبرنا الطلاب [السعوديون] بأنهم يتلقون معلومات جديدة. وأعتقد بأننا سنرى ذلك الإنخفاض. فقد يتم إقتصار دورة العديد من الطلاب على ستة أشهر لدراسة اللغة الإنجليزية [بشكل مكثف]، الأمر الذي سيشكل تحدياً لا يصدق بالنسبة لمعظمهم.”

بدأ برنامج المنح الدراسية عام 2005 بموجب إتفاق بين ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز، الذي توفي في كانون الثاني/ يناير 2014، والرئيس الأميركي في حينها جورج دبليو بوش. وكان البرنامج يهدف للتقارب بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية والمساعدة في إصلاح الضرر الذي لحق بصورة المملكة بعد أن تكشف أن غالبية منفذي هجمات 11 أيلول/ سبتمبر كانوا من السعوديين.

كما أن الهدف الرئيسي الآخر لهذا البرنامج المكلف هو دعم جهود التحديث السريعة في المملكة العربية السعودية من خلال توفير ملاك كبير من الفنيين المدربين في الولايات المتحدة، والذين سيكون في إمكانهم المساعدة في إدارة المدارس، والمستشفيات، والأعمال، والشركات الحديثة، فضلاً عن جلب الأفكار الجديدة للمملكة المحافظة جداً والغنية بالنفط.

وفي إشارة أخرى على تقليص المملكة لإنفاقها على التعليم، تم هذا العام إلغاء المعرض والمؤتمر الدولي السنوي للتعليم العالي، والذي ينعقد في الرياض. حيث اعتادت أكثر من 400 مؤسسة من مختلف أنحاء العالم حضور الإجتماع بهدف إستقطاب طلاب سعوديين، وكان يتم إنعقاد مؤتمر أكاديمي ليوم واحد إلى جانب معرض إستقطاب الطلاب، مع العديد من المشاركين الذين يأتون جواً على متن درجة رجال الأعمال على حساب السعودية.

لكن يبدو أن وتيرة تدفق الطلاب المغادرين للمملكة والمعلمين الذاهبين إليها ستتباطأ الآن، في المستقبل القريب على الأقل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى