أخبار وتقارير

الجامعة الألمانية الأردنية وإعداد الطلاب لسوق عمل دولية

عمان– يسعى مشروع مشترك بين الحكومتين الألمانية والأردنية لحل مشكلة البطالة التي يتم الحديث عنها بشكل متكرر بين خريجي الجامعات العربية.

يتجسد المشروع بالجامعة الألمانية الأردنية، التي تم تأسيسها بهدف إيجاد فرص عمل لعدد أكبر من الخريجين الأردنيين. ولفت المشروع أنظار دولة عربية أخرى ترغب في تكرار التجربة.

حتى الآن، تنحصر معظم الأدلة حول نجاح المؤسسة في روايات شخصية. إذ خرجت المؤسسة، التي تأسست قبل عشر سنوات، 2299 طالب وطالبة. ولا تزال الإدارة في طور عملية جمع البيانات واسعة النطاق حول وظائف الخريجين. لكن أرباب العمل والخريجين يتفقون بصفة عامة على أن التعليم الذي يتلقاه الطلاب في الجامعة الألمانية الأردنية يهيأهم للنجاح في أماكن العمل، لاسيما مع السعي الدؤوب للشركات ذات الأسماء التجارية المعروفة لتوظيف العديد من طلاب الجامعة.

ومع متوسط إقليمي للشباب العاطلين عن العمل يقرب من 25 في المئة، بحسب البيانات الصادرة من صندوق النقد الدولي، فإن الشركات التي تقدم فرص عمل غالباً ما يتم إغراقها بطلبات التوظيف. قالت باسمة غرايبة، مسؤولة التوظيف في شركة الحكمة للأدوية في الأردن، إن الشركة تتلقى حوالي 200 طلب توظيف لكل وظيفة متاحة. وأضافت بأن خريجي الجامعة الألمانية الأردنية يبرزون عمن سواهم، “غالباً ما تأتي أفضل المواهب لدينا من الجامعة الألمانية الأردنية، لأن أولئك الطلاب أكثر تعرضاً لأنماط ثقافية وسلوكية متنوعة.”

لغة التدريس في الجامعة هي اللغة الإنجليزية، ويتوجب على الطلاب، الذين لا يمتلك معظمهم خبرة سابقة مع اللغة الألمانية، تعلم هذه اللغة وإجتياز إختبار خاص بها أيضاً.

يساعد إتقان اللغة الطلاب على قضاء عام كامل في ألمانيا – حيث يقضون نصف هذا الوقت في إحدى الجامعات، والنصف الآخر في تدريب بدوام كامل. قالت دوروثيا ييخت، مديرة المكتب في الجامعة، “إذا لم تذهب إلى ألمانيا، لن يكون في إمكانك أن تتخرج. إنه جزء حيوي من العملية، ونحن صارمين للغاية.”

كما يتوجب على الطلاب أيضاً العثور على فترة تدريب ليقوموا بإتمامها في الأردن قبل أن يغادروا لقضاء عامهم في الخارج. وتنحصر إختيارات الطلاب في تخصصات العلوم التطبيقية، والهندسة، وإدارة الأعمال.

بهذا تقدم الجامعة خريجين يتقنون ثلاث لغات، وفي تخصصات تحظى بطلب متنامي، ويمتلكون خبرة عمل دولية مما يجعلهم جذابين لأرباب العمل. قالت ييخت “ليست تلك بوصفة سحرية.”

يأتي معظم الطلاب والموظفون إلى الجامعة، والتي تقع على طريق مطار عمان ، من وسط العاصمة.

ما أن تخرج من المشهد الحضري، حتى تستقبل السائقين طرق سريعة منبسطة بخطوط متعددة وحركة سير منسابة. وعلى بعد أميال قليلة فقط من تلك الطرق السريعة  يقع حرم الجامعة الألمانية الأردنية. هناك تنتصب المباني الحديثة والشاهقة، والتي تم تشييدها من نفس الحجر الرملي الذي يميز بناء المنازل في عمان. فيما تتألف حدائق المشهد المحيط بالجامعة من شجيرات في طور النمو لتوفر الظل المهم يوماً ما. يمتلك الحرم الجامعي القدرة ليكون معلماً لافتاً للأنظار، لكنه الآن يمنحك الشعور بأنه مشروع غير مكتمل – حيث لا تزال بعض المباني في طور الإنشاء ويتخلل الحرم الجامعي العديد من حواجز البناء.

تخرجت فرح النمري في عام 2013 بعد أن درست الإدارة والهندسة الصناعية. وبعد بضعة أشهر من حصولها على الشهادة، بدأت بالعمل لصالح شركة السكك الحديد الألمانية دويتشه بان في عمان.

قالت النمري “تحتاج الشركة لأشخاص بإمكانهم مساعدتها في مشاريع سكك الحديد المزدهرة في المنطقة. ويعتبر خريجو الجامعة الألمانية الأردنية مورداً جيداً لأننا نجيد التحدث بثلاث لغات،” مشيرة إلى أنهم يشكلون حلقة وصل بين العملاء في منطقة الشرق الأوسط وهندسة الإنتاج في ألمانيا.

وأضافت النمري بأنه وبينما ساعدها ذلك التعليم على النجاح وأنها لم تكن لتحصل على وظيفتها الحالية من دونه، إلا أنه كان أمراً شاقاً في بعض الأوقات.

قالت “كان الأمر مليئاً بالتحديات، لكن ولولا ذلك ما كانوا ليحصلوا على خريجين من هذا العيار. عليك أن تجد مكاناً للتدريب بنفسك، وعليك أن تتعامل مع لغة أجنبية بشكل يومي. عليك أن تنخرط في كل ذلك.”

قبل بضع سنوات، انتقلت النمري إلى مكتب الشركة في برلين.

غالباً ما يغادر خريجون آخرون الأردن سعياً وراء مستقبل أكثر إزدهاراً.

فبحسب أحد الخريجين، وهو الآن من أقطاب قطاع التكنولوجيا وممن يحبون توظيف خريجين آخرين من الجامعة، يبدو من الصعب إقناع الخريجين في البقاء.

قال يوسف وادي “من بين أكثر مصائب خريجي الجامعة الألمانية الأردنية هي أنهم جيدون للغاية. وهناك القليل من هجرة العقول التي تجري بشكل مستمر.”

يقر أندرياس فوتز، مدير مركز المعلومات في الهيئة الألمانية للتبادل الثقافي في عمان، بأن المشروع يتعرض للإنتقادات أحياناً بسبب هجرة الكفاءات. لكنه يضيف بأن ذلك هو نصف الحقيقة فقط، قال  “بعد بضع سنوات، عادة ما يعودون لأنهم يرغبون في بناء أو فعل شيء ما في العالم العربي.”

يغادر حوالي 30 في المئة من الخريجين الأردن بهدف العمل أو إستكمال دراستهم، بحسب تقديرات بريتا كالر، مديرة مكتب العلاقات الصناعية بالجامعة. لكنها تؤكد بأن تلك مجرد تقديرات عامة.

وادي نفسه غادر الأردن من قبل. حيث درس هندسة الكومبيوتر وكان جزءاً من أول دفعة تتخرج من الجامعة في عام 2010. ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية ليعمل لصالح شركة مايكروسوفت، ومن ثم لصالح شركة ياهو، لكنه سرعان ما شعر بالملل من الشركات العالمية وعاد إلى الأردن، حيث أسس شركة تكنولوجيا ناشئة مع عدد من زملائه السابقين. وعلى الرغم من تلقيها إعترافاً ودعماً من شركة مايكروسوفت، إلا أنها فشلت في نهاية المطاف.

قال وادي إنه تعلم من أخطائه وإنه إستعد منذ ذلك الحين لإنشاء شركة أخرى تسمى طقس العرب، والتي يصفها بأنها من أكثر شركات الأرصاد الجوية دقة في الشرق الأوسط. تبيع الشركة البيانات لشركات كبرى كالخطوط الجوية الملكية الأردنية.

يعتقد وادي بأن للجامعة الألمانية الأردنية الفضل في رعاية روح المبادرة لديه ويدرك بأن طلاباً أخرين من الجامعة يبدون وكأنهم أكثر وعياً للكيفية التي تسير بها الأعمال الحرة من بقية الخريجين الأردنيين. حيث أنهم قد تعلموا كتابة رسائل تغطية، والسير الذاتية، ولديهم خبرة عالمية حقيقية. قال “لقد اتقنوا على ذلك حقاً.”

تحصل المؤسسة على تمويل من قبل الحكومتين الألمانية والأردنية، لكن ذلك لا يكفي لإلغاء أو تقليل الرسوم الدراسية. وهذا ما يجعلها واحدة من أغلى الجامعات الحكومية في البلاد. إذ تبلغ الرسوم الدراسة للفصل الدراسي الأول ما بين 2250 و3100 دولار أميركي للطلاب الأردنيين. ويحصل ما يقرب من 19 في المئة من الطلاب على منح دراسية تساعدهم في تحمل تكاليف الرسوم الدراسية أو تكاليف الدراسة في الخارج.

وعلى الرغم من مخاطر هجرة العقول، فإن هذا النموذج قد أثار إهتمام الدول العربية الأخرى. حيث قالت بيخت من المكتب الدولي في الجامعة، “لقد زارنا وفد من تونس لمعرفة الكيفية التي يمكن من خلالها تكرار التجربة.”

جرت إجتماعات بين الحكومتين التونسية والألمانية لمناقشة إمكانيات تأسيس جامعة ألمانية تونسية مشابهة. على الرغم من أن إيزابيل ميرينغ، التي تترأس برامج التعليم الدولية في الشرق الأوسط التابعة للهيئة الألمانية للتبادل الثقافي، تقول إنه لا يزال من غير الممكن القول إذا ما كان ذلك المشروع سيتحقق بشكل مؤكد في المستقبل أم لا.

قالت ميرينغ،”تونس، مثلها مثل الدول الأخرى في المنطقة، تبحث عن جامعة مبتكرة تركز على التوظيف. وقد رأوا في الجامعة الألمانية الأردنية نموذجاً ناجحاً.”

بحسب ميرينغ، يعتبر هذا النموذج جذابا للدول في المنطقة لأنه بمثابة جسر بين ثقافتين ونظامين تعليميين أكثر من كونه مجرد فرض أحدهما على الآخر. قالت “إنه يختلف تماماً عن نظام افتتاح فروع لجامعات أجنبية في المنطقة.”
AddThis Sharing ButtonsShare to FacebookShare to TwitterShare to ارسال ايميل

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى