مقالات رأي

ما الذي يمكن أن يفعله مسؤولو الجامعات لوقف المظاهرات؟

 نُشرت هذه المقالة لأول مرة في مجلة الكرونيكل ويعاد نشرها هنا مترجمة بموجب اتفاق مع الصحيفة وبموافقة من المؤلف.

ألقت المظاهرات الأخيرة، التي اندلعت في عدد من الكليات الضوء مرة أخرى على قضية العرق المستمرة في أمريكا. حيث يرى الطلاب ثقافة جامعية لا تدعم الإحساس بالشمولية ومسؤولين جامعيين يستهينون بالقضايا المتعلقة بالتنوع والعرق. وبصفتي أمريكياً من أمريكا اللاتينية، أتعاطف مع الطلاب من الأجناس المختلفة الذين واجهوا عنفاً غير ممنهج وتمييزاً لا يستهان به طوال حياتهم. وبإعتباري من الطلاب الناشطين السابقين، فقد حفزتني هذه الصحوة في النشاط الجامعي.

ولكن هذه المظاهرات، وبصفة خاصة تلك الموجهه ضد بعض المسؤولين، تطرح تساؤلاً “ما الذي يمكن أن يفعله المسؤولون الجامعيون، وبصفة خاصة رؤساء الجامعات والعمداء فيما يخص نشر ثقافة الشمولية في جامعاتهم؟ وللإجابة على هذا السؤال، من الضروري أن نفهم ما الذي لا يستطيع رؤساء الجامعات وغيرهم من المسؤولين فعله.

على سبيل المثال، لا يمكنهم تغيير ثقافة جامعاتهم على الفور بمجرد قرار. فالثقافة الجامعية تتعدى أي شخص، مهما كانت سلطاته أو صلاحياته، فهي راسخة في الأحكام المسبقة والأنماط الفكرية الخاصة بأعضاء هيئة التدريس والموظفين، وهم الثابتين في أماكنهم، ولا يتغيرون بنفس السرعة التي يتغير بها الطلاب الوافدين إلى الجامعة. تعد هذه الثقافة راسخة في تاريخ الكليات وفي ثقافة ورؤى المجتمعات المحيطة بها والتي يفد منها الكثير من أعضاء هيئة التدريس والموظفين. فمن الحماقة أن نظن أن مسؤولاً جامعياً قادر على تغيير ثقافة المؤسسات الجامعية بين عشية وضحاها.

ثانياً، لا يمكن لهؤلاء المسؤولين أن يضمنوا أن كل ما يكتبونه أو يقولونه صحيحاً وخالياً من أي توجهات سياسية. كلنا نرتكب أخطاء ونقول بعض الأشياء بطريقة ما قد نتمنى لو أننا قلناها بطريقة أفضل (أو لم نقلها على الإطلاق). وكما كتب توماس روتشون مؤخراً في “الكرونيكل”، يجب أن نأخذ هذه التعبيرات عير اللائقة كفرصة  للحوار، وليست فرصة للهجوم بشكل أكثر ضراوة على أية مسؤول جامعي، مما يخلق موقفاً يجد فيه المسؤول نفسه مضطراً إلى الاختيار ما بين التنحي عن منصبه أو السماح لطالب بأن يؤذي نفسه. ومما لا شك فيه سيختار أي مسؤول صاحب ضمير سلامة الطلاب.

ثالثاً، لا يمكن لهؤلاء المسؤولين في خضم أي أزمة أن يخلقوا ثقافة جامعية تحترم وتعزز الحوار المفتوح. فيجب أن تكون هذه الثقافة موجودة بالفعل. وتشكل نقطة ثقة تسمح للجامعة بأن تتخطى هذه المواقف التي ارتكبت فيها الأخطاء أو ظهر فيها سوء التفاهم. لا يعتبر خلق ثقافة جامعية اليوم تشجع الحوار المفتوح وتحترمه وتدعمه أمراً سهلاً. فإن تنامي حجم هذه الكليات وزيادة عدد الاهتمامات المتضاربة في وجه تناقص الموارد المالية يعزز من السرية والتغطية الإدارية. كما أن التأكيد الزائد على الصواب السياسي قد أدى إلى ثقافة ترفض الأفكار المتنوعة غير السائدة. ومن ثم، يعارض بعض الطلاب الآن الاستماع إلى الآراء التي تتعارض مع قناعاتهم لأنها تشعرهم “بعدم الأمان”.

ولكن هذا لا يعني أن رؤساء الجامعات والمسؤولين ليس لديهم السلطة لإحداث تغييرات نحو مبان جامعية أكثر شمولية واندماجاً. فمن خلال طبيعة مناصبهم، يمكنهم تحديد الأولويات وتكريس الموارد اللازمة لذلك. كما يحدد المسؤولون نبرة الحوار ومدى انفتاحه داخل المباني الجامعية.

وتلقي تجربة مؤسستي التعليمية السابقة، وهي جامعة جورجيا للعلوم الصحية والتي اندمجت في عام 2013 مع جامعة ولاية أوجوستا لتصبح جامعة جورجيا ريجنتس، الضوء على كافة الفرص والاحتمالات. حيث تقع الكلية في جزء من الدولة عانى كثيراً من التمييز العنصري وتُعين معظم العاملين فيها وأعضاء هيئة التدريس بها من المجتمعات المحيطة، ومع ذلك تمكنت الكلية في السنوات الأخيرة من تصحيح مسارها بشكل ملحوظ لخلق ثقافة أكثر شمولية.

ولقد وصلنا لذلك من خلال خلق موضوع للمناقشة حول التعددية والشمولية داخل المبنى الجامعية وفي المجتمعات المحيطة بواسطة عقد الندوات، والمؤتمرات، والمناقشات. وقد تمت صياغة خطة استراتيجية وتكتيكية لتحسين الثقافة داخل المباني الجامعية بداية من التثقيف القيادي المكثف. كما أصبحت الشمولية من بين نقاط التقييم في استطلاع الأداء السنوي لكل مسئول جامعي.

وبالنسبة لأعضاء الأسرة الجامعية والذين شككوا بصفة خاصة في تخصيص الموارد اللازمة لضمان هذا التحول، قدمنا أيضاً قضية التنوع. فبدلاً من التركيز على تحسين المخرجات بالنسبة لمجموعات بعينها، جعلنا من التنوع والشمولية جزءاً من ثقافتنا الجامعية، وحكنا هذه المبادئ في النسيج الداخلي للمؤسسة، ولم نكتف بالنص عليها في الكتيبات الخاصة بسياسة الجامعات.

وتحدثنا بوضوح حول أهدافنا وحساباتنا بكل شفافية ووضوح، وجمعنا بعد ذلك البيانات بشكل دوري حيث تمت مراجعتها ومشاركتها. وربما الأهم من ذلك، وفرنا التمويل اللازم، والموظفين، والسلطة، والتنظيم الهيكلي لتحقيق أهدافنا.

فهل يمكن لقادة الجامعات وبصفة خاصة رؤسائها وعمدائها تغيير ثقافة الشمولية داخل جامعاتهم؟ بالطبع يمكنهم ذلك.

ولكن يجب أن يؤمنوا بصدق بوجود مشكلة وضرورة حلها، ويكونوا على استعداد لتعزيز الحوار المفتوح عن القضية قبل اندلاع الأزمة، ويضعوا ذلك على رأس أولوياتهم، ويدعموا تطوير خطة استراتيجية مدروسة وتوفير التمويل اللازم والمستوى المناسب من الصلاحيات لضمان وضع هذه الاستراتيجيات والخطط موضع التنفيذ بكفاءة.

وسيتطلب تحقيق ذلك أيضاً الحوار – الذي قد يكون مؤلماً في بعض الأحيان – بين المباني الجامعية والمجتمعات المحيطة بها، والتعاون المدني بين كل أصحاب المصالح، ودعم مجالس الإدارة، بالإضافة إلى بعض الوقت، فالأمر ليس سهلاً أو زهيداً. ولكنه الأصلح لجامعاتنا ومجتمعاتنا والأهم من ذلك كله لطلابنا.

* ريكاردو عزيز باحث زائر في مركز بولياس للتعليم العالي في جامعة كاليفورنيا الجنوبية وأستاذًا بجامعة جورجيا ريجينتس. وكان رئيساً سابقاً لجامعة جورجيا للعلوم الصحية وأصبح بعدها الرئيس المؤسس لجامعة جورجيا ريجينتس.
AddThis Sharing ButtonsShare to FacebookShare to TwitterShare to ارسال ايميل

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى