مقالات رأي

مقترحات لتعزيز تعليم اللغة العربية لطلاب الجامعات

يتقن كثير من الأطفال العرب اللغة العربية الفصحى نتيجة متابعتهم لبرامج الرسوم المتحركة المدبلجة. لكن- وعلى عكس المتوقع- تبدأ مهاراتهم اللغوية بالتراجع مع دخولهم المدرسة وتقدمهم بالدراسة.

فلماذا يحدث هذا؟ وكيف يمكن حماية لغتنا العربية؟

تشير دراسة نُشرت في عام 2012، إلى أن مراكز اللغة في المخ تنمو فعلياً نتيجة التعلم الناجح للغة. وكلما كان تعلمك أفضل زاد نمو هذه المناطق الحيوية من المخ. هذا يعني أن القدرات الفكرية والعقلية -ومنها الفهم والاستنباط، والربط والتحليل، وحل المشكلات- تتأثر تبعاً لمستوى القدرة اللغوية لدى الطالب. وهنا يتبادر للذهن تساؤل عن سبب اعتماد معظم الطلاب الجامعيين في بلادنا العربية على الملخصات المحتوية على حلول مباشرة بشكل مختصر، وضعف قدرتهم على التعامل مع المصادر الأصيلة، فضلاً عن ضعف إتقانهم للغات.

لقد عهدت أطفالاً دون سن المدرسة يتحدثون لغة فصحى ببراعة، مصدرها استماعهم لبعض أفلام الكرتون المدبلجة. لكنهم ما إن يلتحقوا بالمدارس حتى يتراجع مستوى جودة إتقانهم للغة، إلى أن يدخلوا الجامعة وهم كارهون لتلك اللغة التي أعجزتهم قواعدها المنطقية في المرحلة الثانوية على وجه الخصوص، وهذه إشارة إلى أن المناهج قبل الجامعية لتعليم اللغة العربية تسير في طريق خطأ.

يبدو لي أن أساس ضعف المهارات اللغوية مع التقدم في الدراسة يكمن في الخطأ الشائع باعتبار اللغة العربية الفصحى لغة أولى، ولذلك تكون دراستها على مستوى الفلسفة (نحواً، وصرفاً، وبلاغةً). في حين أن هذه اللغة في وطننا العربي –من المحيط إلى الخليج- ليست لغة أولى؛ لأنها ليست موجودة في الحوار اليومي، حتى لو سلمنا بأن العاميات ذات صلة بها أو متفرعة عنها.

في بعض الدول العربية  -كالإمارات والأردن- تجرى امتحانات لقياس القدرات وتحديد المستوى في اللغة العربية لدى طلاب الجامعة، وبعضها –كالسعودية- تجمع بين اختبار القدرات العامة قبل دخول الجامعة، وبرامج السنة التحضيرية في أول مستويين من الدراسة الجامعية، بإعداد الطلاب لجميع التخصصات عن طريق دراسة مواد الإعداد العام ومنها مقرر أو اثنان للغة العربية، غير أن هذه الدراسة تعد اجتراراً وتكراراً لما درسه الطالب من قبل في المرحلة الثانوية، بالمحتوى نفسه والأسلوب نفسه.

أما ما يستدعي التأمل فهو عدم احتواء قوانين العمل –على سبيل المثال- ما يبرز ضرورة إتقان اللغة العربية، والوظائف التي تتطلب ذلك، وهو أمر يقتضي إعادة النظر، مع الأخذ في الاعتبار أن جميع دول الوطن العربي تنص قوانينها على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، واللغة الأولى للتعليم.

إن إتقان اللغة العربية ضروري للطالب الجامعي على وجه العموم، فمن ناحية هي أحد معالم الهوية القومية، ومن ناحية ثانية تقوم الدراسة الجامعية بشكل أساسي على القراءة والبحث وكتابة البحوث، فإذا كانت لغة الطالب ضعيفة فستضعف حصيلته القرائية، وسيكتب بحوثاً ضعيفة المستوى، هذا بالإضافة إلى مرحلة الدراسات العليا وما يلزم فيها من كتابة الرسائل والأطروحات.

وإذا كان تعليم اللغة العربية للطالب الجامعي مهما، فإن درجة أهميته تتنوَع إلى درجات، فمن المجالات التي تكون فيها اللغة العربية ذات أهمية قصوى: الأقسام التربوية، وأقسام المناهج وطرق التدريس، وأقسام الصحافة والإعلام، وأقسام الترجمة واللغات، وأقسام الدعوة وأصول الدين، وأقسام القانون، بالإضافة إلى أقسام اللغة العربية وآدابها.

وهذه المجالات ليس من الممكن النجاح فيها من غير إتقان اللغة العربية، لأنها قائمة على مهارات الإلقاء والأداء والتعبير اللغوي الشفاهي والكتابي، ومن دون هذه المهارات تفرغ من مضمونها، ومثلها جميع المهن التي تحتوي على الاتصال اللغوي.

هذه باختصار بعض جوانب المشكلة، فكيف يمكن علاجها بطريقة منهجية؟ حتى يُصبح الطالب الجامعي متقناً للغة العربية بشكل تام؟

انتهت دراسة للعالِم الإنجليزي ألفريد وايتهيد (whitehead 1929) في مراحل النمو العقلي إلى أن البراعة في اللغة والعلوم تنتهي عند سن الخامسة عشرة، بما يعني أن المرحلة الجامعية يدخلها الطالب وقد تخطى هذه المرحلة.

لذلك يختلف تعليم الطلاب في هذا السن عن تعليم الأطفال، فالراشد يبحث عما هو ذاتي التوجيه، وقائم على الممارسة وليس التلقين، في صورة عملية وليس نظريات وقواعد، كما يمكن دمج النشاط الاجتماعي مع التعليم، بحيث تكون العملية تدريبية وليست تلقينية.

يجب أن تكون المنهجية المعتمدة لتعليم اللغة العربية قائمة على أربع مهارات، بالتدريب عليها ثم اختبارها، وهي: الاستيعاب عن طريق السمع، والاستيعاب عن طريق القراءة، وإتقان قواعد التركيب اللغوي، وإجادة الكتابة المقالية، كما هو الحال في اختبار (TOEFL) لتقييم الكفاءة في الإنجليزية للناطقين بغيرها.

تعتبر مهارة الاستماع ضمن العناصر الناقصة لدى الطالب الذي اجتاز المرحلة الثانوية بنظم التعليم الحالية، ومن خلالها يجمع الدارس حصيلة لغوية، ويلحظ النظام اللغوي والعلاقات بين الكلمات.

كما يتوجب أن تكون المادة التعليمية المقروءة والمسموعة ذات موضوعات تتعلق بالعلوم، أو بالأدبيات، أو بالدين، بما يتيح المجال لتعلم اللغة في محيط يألفه الدارس ولا يضيق به، بل يكون الموضوع عامل جذب، يحمل المنطق اللغوي بسلاسة إلى داخل عقله. كذلك الكتابة المقالية يجب أن ترتبط بالمجال الدراسي للدارس بالإضافة إلى مراعاة ميوله، بحيث تنتفي أي معوقات تتعلق بالموضوعات، فيكون التركيز على اللغة أقوى.

أما قواعد التركيب اللغوي فيجب أن تقاس من خلال التطبيقات العملية وليس من خلال النظريات، وأن تخلو تماماً من المصطلحات والتعريفات وكل ما هو خارج دائرة التطبيق.

وهذه المهارات الأربع ينبغي أن يضاف إليها التدريب على مهارة النطق واختبارها، في مستوى متقدم، خاص بطلاب كليات التربية الذين سيتولون المهن التعليمية بعد تخرجهم، وكذلك طلاب كليات وأقسام الإعلام للمهن الإذاعية والصحفية، وذلك من خلال عنصرين مهمين: مخارج الأصوات العربية، والعلاقات اللغوية بين الكلمات (النحو).

وبعد، فإذا كانت المقترحات السابقة يمكن تطبيقها في مدة زمنية تتراوح بين شهر وفصل دراسي، فإنه لا غنى عن شيئين أساسيين: زيادة الوعي الثقافي والوطني بأهمية اللغة العربية، وإعادة النظر في المناهج الحالية لتعليم اللغة العربية في مراحل التعليم الأساسي ذات المدى الزمني الممتد؛ بالإضافة إلى اعتماد برامج تأهيل لغوي وظيفي بعد التخرج، تطبيقاً لمفهوم التعليم المستمر.
AddThis Sharing ButtonsShare to FacebookShare to TwitterShare to ارسال ايميل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى