مقالات رأي

رحلة طالبة جزائرية بحثاً عن سكن جامعي لائق

لم يكن لسعادتي حدود وأنا أشق طريقي من مدينتي تلمسان إلى العاصمة الجزائرية للالتحاق بدراستي العليا في كلية الصحافة. وعلى الرغم من أن الرحلة استغرقت ست ساعات كاملة بالسيارة، إلا أنني لم أشعر بمرور الوقت لحماستي الكبيرة للبدء بالدراسة التي طالما حلمت بها.

في عام 2011، حصلت على شهادة الليسانس في إدارة الأعمال قسم اللغة الفرنسية من جامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان. ولأنني كنت أحلم بمزاولة الصحافة منذ صغري فقد تقدمت للحصول على شهادة الماجستير في الصحافة عقب تخرجي مباشرة.

في الثالثة عصراً وصلت إلى سكن الطالبات “أولاد فايت” غرب العاصمة لاستلام غرفتي، وكانت المفاجأة! بدا المكان مهجوراً وخاوياً من المارة بينما تناثرت الأبنية السكنية هنا وهناك بصورة لا تبعث على الإطمئنان لطالبة وصلت لتوها من مدينة تبعد حوالي مسافة 580 كلم.

بعد أن طرقت باب التسجيل لعدة مرات، فتحت الباب موظفة وعلى وجهها علامات الاستغراب.

قالت لي “انتهى الدوام. كما أننا لم نبدأ بعد بقبول طلبات طالبات الدراسات العليا. تعالي مجدداً بعد أسبوعين.”

قلت لها مندهشة “لكن الدوام الجامعي بدأ، أين سنقيم خلال الأسبوعين القادمين؟” لم تجبني وأغلقت الباب بوجهي.

لم أكن الوحيدة، إذ كان هنالك عشرات الطالبات ينتظرن على باب المكتب لنفس السبب. لكن لا أحد يكترث لهن. من حسن حظي، أن إحدى الطالبات رثت لحالي واصطحبتني لغرفتها بسبب سفر شريكتها بالسكن. أمضيت يومان كاملان بحثاً عن سكن بديل ولم أنجح. لاحقاً، تدخل أحد أقاربي وتمكنت من الحصول على غرفة ضمن السكن بفضل علاقاته الشخصية.

غرفة ريم في إقامة دالي ابراهيم للبنات

مع ذلك، كانت الغرفة التي حصلت عليها بشق الأنفس أشبه بالسجن. كانت صغيرة جداً، في الطابق الخامس والأخير وبالكاد تتسع لشخص واحد لكنها فعلياً كانت تضم طالبتين إلى ثلاثة. لم يكن هناك أي كراسي أو طاولات للدراسة، فقط سريرين فوق بعضهما البعض وخزانة حائط بدون أبواب مع نافذة صغيرة بزجاج مكسور. كنا ندرس ونأكل وننام فوق الأسّرة، الأثاث الوحيد المتوفر في الغرفة. كانت الحمامات مشتركة، شديدة الاتساخ إذ لا يوجد من يقوم بتنظيفها دورياً. لم يكن هناك ماء ساخن ولا حتى بارد، كنا نحلم أصلا بالحصول على الماء وفقط. إذ كنا ننزل في كل مرة للطابق الثاني لجلب الماء اللازم لغسيل ملابسنا. وعلى الرغم من وجود مطعم ضمن السكن الجامعي، إلا أن جودة الطعام والخدمة ضعيفة جداً في ظل غياب الرقابة والاهتمام من قبل إدارة الجامعة.

أما الأسوأ فقد كان تعرضنا للتحرش من طرف الشبان فور نزولنا من الحافلة بالقرب من السكن أو عند خروجنا لشراء الحاجيات من بعض المحلات القريبة.

مع ذلك، فقد تحملت وغيري المئات من الطالبات كل هذه الظروف المعيشية السيئة من أجل استكمال دراستنا وضمان مستقبل أفضل. في إحدى المرات، اقتحم رجل مجهول السكن وحاول الاعتداء على إحدى الطالبات بسبب غياب الحراسة الكافية على المبنى. كان الحادث مروعاً، ودفع بالكثيرات من الطالبات لترك السكن تحت ضغط عائلاتهن وبعضهن اضطررن لترك الدراسة نهائياً.

أنا أيضاً قررت مغادرة السكن. وقمت مجدداً بطلب المساعدة من أحد أقاربي لنقلي إلى سكن طالبات آخر “إقامة دالي إبراهيم للبنات” الواقع داخل المدينة والأقرب لجامعتي. كانت الظروف المعيشية أفضل بكثير مقارنة بالسجن السابق، إذ كانت الغرف أكثر إتساعاً ونظافة، وقد حظينا بالطاولات والكراسي التي حرمنا منها في الإقامة الأولى.

اليوم وبعد مرورأربعة أعوام على خروجي من هذا السجن، مازال الوضع على ما هو عليه في سكن أولاد فايت بحسب ما تخبرني به الكثير من الطالبات. إذ ما تزال المحسوبيات هي أساس قبول الطالبات بالسكن ومازالت ظروف المعيشة متدهورة جداً.

شكاوى الطالبات لا تتوقف، لكنها مع الأسف لا تلق أذاناً صاغية أو مهتمة. لا أعتقد أن الأمر يتطلب أكثر من تعيين موظفيين أكفاء وإبعاد الإداريين الفساديين. أعتقد أن الطالبات قادرات على تنظيم أمورهن المعيشية بشكل جيد ضمن السكن حالما توفرت الخدمات الأساسية لهن.

إن توفير سكن جيد للطلاب لا يقل أهمية عن توفير تعليم جيد، إذ لا يمكن للطالب متابعة دراسته والتفوق في ظروف معيشية متدينة لا تحترم آدميته.

ريم حياة شايف صحافية ومدونة جزائرية. 

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى