مقالات رأي

سوريون بمعنويات عالية

خلال رحلة خلدون للحصول على درجة الماجستير في نظم المعلومات في دمشق، اندلعت اشتباكات في الحي الذي يقطنه ثلاث مرات متتالية، وفي كل مرة كان عليه مغادرة منزله. في المرة الأولى، خسر جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به وكتبه الجامعية وأقراصه المدمجة واضطر لإعادة العمل على أطروحته من الصفر.

لكن خلدون، الذي يمتلك عزماً لا حدود له، حصل على شهادة الماجستير. ثم دفعته الظروف المعيشية الصعبة إلى مغادرة سوريا، باتجاه لبنان أولاً ثم تركيا. يحلم خلدون الآن بالحصول على درجة الدكتوراه.

التقيت أنا وزميلتي رشا فائق بالعديد من السوريين كخلدون خلال زيارتنا القصيرة لمدينة غازي عنتاب التركية بالقرب من الحدود السورية، حيث قمنا بإجراء لقاءات مع صاحب مكتبة لبيع الكتب العربية واثنين من أعضاء منظمة فكرية سورية وطلاب سوريين بعضهم ينظمون فرق تطوعية لمساعدة بعضهم البعض على تبادل المعلومات حول سبل استكمال تعليمهم العالي.

ربما تختلف تفاصيل حياتهم، لكنهم جميعاً يمتلكون نفس الروح. لقد فوجئنا بعزيمتهم ومعنوياتهم. فعلى الرغم من أن الأخبار القادمة من سوريا لا تزال قاتمة، لكن روح العديد من السوريين لا تزال قوية.

في هذه الأيام، غالباً ما يتعرف الناس على السوريين من خلال الأخبار السلبية التي تأتي من بلادهم. بحيث يظهرون ربما بأسوء صورة. قال سامر القادري، والذي أطلق مكتبة صفحات في اسطنبول، “يرى الناس السوريين وهم يفرون ويقتلون بعضهم.”

تسعى المكتبة، والتي انطلقت قبل نحو ثلاثة أشهر كأول مكتبة عربية في تركيا بهدف نشر الثقافة السورية والعربية وخلق مساحة للحوار وقراءة الكتب والاستماع للموسيقى لجميع الناس من مختلف المشارب السياسية والدينية.

في غازي عنتاب، والتي تضم اليوم نحو مليوني تركي و500 ألف لاجئ سوري، فوجئنا بما شاهدناه أيضاً أنا ورشا.

فبعيداً عن المعاناة الاقتصادية، تبدو المدينة حديثة إلى حد كبير مع أجزاء من الماضي القديم هنا وهناك وفرص كبيرة للنمو والازدهار. إذ نقل العديد من رجال الأعمال السوريين مصانعهم من حلب إلى غازي عنتاب كمحاولة لتعزيز ريادة الأعمال التي ستحتاجها البلاد عندما تضع الحرب أوزارها.

تظهر ريادة الأعمال الروح العنيدة والخلاقة المطلوبة لبدء مشاريع جديدة في خضم حرب أهلية. ويأتي المنتدى الاقتصادي السوري كأحد المشاريع المدعومة جزئياً  من رجال الأعمال السوريين، لتتبع البيانات الاقتصادية داخل سوريا والمساعدة على تعليم جيل جديد من السوريين.

وكجزء من مهمة المنتدى في إنشاء “وطن حر، تعددي ومستقل”، يطلق المنتدى الشهر المقبل برنامج التعليم عبر الإنترنت موجه لمناطق داخل سوريا خارجة عن سيطرة النظام، لتعليم مهارات مثل كتابة مقترحات المشاريع، وإدارة الوقت، والتفاوض. كما يمكن لخريجي البرنامج التقدم بطلب للحصول على قروض صغيرة لبدء مشاريع جديدة ذات صلة مع الاحتياجات المحلية.

لم تكن هذه المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني موجودة تحت نظام الأسد، حيث تم منعها بحجة كونها أرضاً خصبة للمعارضة وسُمح فقط بوجود الجمعيات الخيرية. يبحث السوريون عن التوجيه والدعم في إنشاء مؤسسات أهلية جديدة، لكنهم قادرون في الوقت نفسه على الاحتفاظ بعجلة القيادة في أيديهم.

أدار صبحي مصطفى، المسؤول عن مشروع  في منظمة سبارك الهولندية غير الحكومية، معاهد لتدريس اللغة الإنكليزية في سوريا، قبل أن يضطر إلى الهرب مع عائلته. يتقن مصطفى العبرية والفرنسية إضافة إلى حصوله  على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي. يؤمن مصطفى بنظرية هوارد جاردنر حول الذكاءات المتعددة، ويتمنى أن يلتقي يوماً بنعوم تشومسكي. قال “كمدرب لطلاب سوريين اليوم في تركيا أحاول فهم الخصائص الشخصية للمتدربين. كل العقول جميلة، لكنها مختلفة.”

عندما يأتي اليوم لإعادة بناء التعليم في سورية، يرغب مصطفى باغتنام الفرصة  بتطوير الحاضر وليس فقط إعادة نسخ الماضي.

قدمنا مصطفى لشيماء، 19 عاماً، والتي تتابع دراستها في الهندسة الغذائية في جامعة غازي عنتاب اليوم وترعى شقيقاتها الثلاث الأصغر سناً منها إلى جانب اهتمامها الشخصي بتصميم الأزياء.

في الوقت الحاضر، تشعر شيماء بالراحة في تركيا. قالت “لا أشعر أني غريبة هنا.” انتقلت والدة شيماء إلى هولندا مؤخراً بحثاً عن فرصة عمل في تخصصها المهني في الجيولوجيا.

على صعيد أخر، خلقت مجموعة من 18 طالب سوري في غازي عنتاب صفحة على موقع الفيسبوك لمساعدة الطلاب الآخرين الذين يحاولون الوصول إلى الجامعات التركية. ( هنالك مجموعة مشابهة تدعى خطوة تعمل في مصر).

قال صهيب الشهابي، مؤسس مكتب الطلبة السوريين للخدمات الجامعية في غازي عنتاب، “نحن لانكتب فقط عن المشاكل ولكن عن الحلول المتوفرة.” يجمع المكتب المعلومات بدقة ويتحققون منها قبل نشرها. لكن وجود خمسة أجهزة كمبيوتر محمولة فقط بين أيديهم يجعلهم يستغرقون الكثير من الوقت لإنجاز عملهم.

أنا ممتن أنني على مدى السنوات الثلاث الماضية، تعرفت على سوريين بعيداً عن  الخرائط التي تنشرها الأخبار التلفزيونية والتسجيلات الصوتية الموجزة مع سوريين على الحدود الهنغارية. هناك سوريون معدمون في شوارع بيروت والعديد من المدن الأخرى في المنطقة، يعمل بعضهم في تلميع الأحذية أو حتى التسول للحصول على النقود، وهم بحاجة أكيد لمساعدة. لكن هناك أيضاً العديد من السوريين الذين يشقون طريقهم الخاص بحسب استطاعتهم.

يحتاج العالم للاستفادة من هذه الموهبة، لا تركها تضيع عبر الزمن.

قال خلدون “إذا كان العالم لا يمكن أن يساعدنا عسكريا أو سياسيا، فليساعدنا على الأقل في التعليم.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى