مقالات رأي

رابطة جديدة لتقديم دعم أفضل للتعليم العام الجامعي

الدوحة – الحديث عن الإحباط! هذا ما شعرت به عندما وجدت بأن قطع الشوكولاتة الثلاثة المغلفة بألوان متعددة في علبة باهظة الثمن، متشابهة تماماً في الطعم والشكل. فقد تلاشى حلم الحصول على ثلاث نكهات مختلفة. وتبين بأن كل القطع ما هي إلا من نوع واحد، ومذاق واحد، وبنية واحدة، بل ولون واحد في الداخل.

ومثل علبة الشوكولاتة، لا يتوجب على المناهج الجامعية أن تتظاهر بتقديمها لمقررات دراسية متنوعة لتقدم فيما بعد شيئا بلا ملامح، لأن المفتاح لذلك التنوع في المناهج يكمن في المقررات الدراسية التي تسمى مقررات  التعليم العام الجامعي. وتُعرف أحيانا بإسم “المتطلبات الجامعية الأساسية”، الفكرة الأساسية من وراء مقررات المتطلبات الجامعية الأساسية هي أن يأخذ الطلاب مقررات دراسية خارج نطاق تلك التي تتطلبها برامج التخصص الدراسية ليتسنى لهم الحصول على تعليم شامل يعدهم للمشاركة في المجتمع.

استغرق الجدل حول إذا ما كانت المتطلبات الجامعية الأساسية شيئاً لا بد منه أو أنها مضيعة للوقت ردحاً طويلا من الزمن. لكنني أعتقد بأن المتطلبات الجامعية الأساسية إذا ما تم تطبيقها بصورة صحيحة، فإنه أمر لا بد منه، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لأنها بحاجة إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى. لقد زاد الوضع الراهن في المنطقة من أهمية التعليم العام الجامعي. فنحن لسنا بحاجة لتطوير قدرات الطلاب لتلبية متطلبات سوق العمل فحسب، بل من أجل إيجاد أعضاء في المجتمع يتميزون بالإطلاع، والتسامح، والمسؤولية، والتفكير المستقل، ليكون في مقدورهم إتخاذ قرارات حكيمة.

ناقش زملائي من عموم أرجاء المنطقة، ممن يساندون فكرة التعليم العام الجامعي، سبل تعزيز ذلك. وتولدت فكرتي حول التعليم العام الجامعي بعد الاطلاع على بحوث واسعة النطاق، درست فيها أفضل الممارسات  والنماذج في الولايات المتحدة الأميركية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لقد نقبت عميقاً في هذا المجال – من خلال القراءة، ودراسة النماذج، والتفكير، والتأمل. كما قمت بزيارة الجامعات والتحدث إلى الأشخاص المسؤولين عن مثل تلك البرامج في الولايات المتحدة الأميركية والمنطقة، وقمت بمناقشة برامج التعليم العام الجامعي مع الأشخاص المختصين بهذا المجال في مصر، والمملكة العربية السعودية، ولبنان، والمغرب، وقطر، والإمارات العربية المتحدة. لقد خطت بعض الجامعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خطوات كبيرة في تطوير تلك البرامج بشكل يتماشى مع أفضل التطبيقات الموجودة، لكن لا يزال هناك وعلى الدوام مجال لمزيد من التطوير.

لقد وجدت بأن الفرق بين ما يدرس في مقررات التعليم العام الجامعي وما يدرس فى مقررات التخصص ليس واضحاً. فغالباً ما يبدو هذان النوعان من االمقررات الدراسية الشيء ذاته في المناهج الدراسية، ومخرجات التعلم المرتقبة، وطرق واستراتيجيات تدريس تلك المقررات. في بعض الأحيان، يكمن الفرق الوحيد في مستوى المقرر  الدراسي  سواء أكان  تمهيدي أو متقدم. عندما تبدو مقررات التعليم العام الجامعي ومقررات التخصص متشابهين، ستميل الأسباب التي يحتاج بسببها الطلاب للتعليم العام الجامعي للضياع. ويجب ألا يكون الجواب لهذا المسعى مجرد شعار يجري ترديده، وهو أن “نمتلك طالباً ملماً بكل شيء”. لقد أدت هذه الفكرة لنموذج “الكافتريا”، والتي أنتجت العديد من المقررات الدراسية المتناثرة، والمنفصلة، والتي لم يتم النظر فيها بشمولية و تمعن. ومن ثم يتم إجبار الطلاب على إختيار مقررات دراسية في التعليم العام الجامعي في غياب لأي هدف واضح سوى الحصول على بعض المحتوى التعليمي من أجل الوفاء بعدد الساعات المعتمدة المطلوب منهم استكمالها .

في كثير من الأحيان، يُنظر للمقررات الدراسية في التعليم العام الجامعي على أنها تلك  المقررات الدراسية السهلة التي يتوجب على الطلبة المرور عليها في الطريق من أجل الوصول لدراسة المقررات الدراسية في التخصص. ويميل سوء الفهم هذا إلى الإنعكاس على سلوك وإعتقاد كل من الطلبة وأعضاء هيئة التدريس. بل إن  المرشدين الأكاديميين يمكن أن يمرروا مثل تلك الرسائل إلى الطلبة عن غير قصد. وعليه، فما دام الطلبة غير متأكدين من السبب الذي يأخذون من أجله مثل تلك المقررات الدراسية، فمن غير المرجح أن يكونوا متحمسين لدراستها، ومن المتوقع أن يمنح أعضاء هيئة التدريس، الذين يقومون بتدريس المتطلبات الجامعية الأساسية، المزيد من الإهتمام للمقررات الدراسية  المتقدمة في التخصص. وسيميل هذا الوضع للإستمرار ما لم تمتلك الجامعات أهدافاً وغايات تعلمية مؤسساتية معرفة بوضوح بالنسبة لمقررات التعليم العام الجامعي، وأن تعمل بلا كلل من أجل تحقيقها.

إن المشكلة الأخرى في التعليم العام الجامعي هي النقص في إعداد المتخصصين في هذا المجال. فعادة ما يأتي أعضاء هيئة التدريس الذين يقومون بتصميم وتدريس تلك المقررات من مجالات بينية ولكنهم لا يعرفون السمات الخاصة والاتجاهات الحديثة للتعليم العام الجامعي. كما إنهم لا يدركون على الدوام الفرق بين تصميم مقرر لقطاع عريض من الطلبة ذوي التخصصات المختلفة وتصميم مقرر تمهيدي لطلبة التخصص.

للأسف، غالبا ما يعني اختيار القائمين بتدريس مقررات التعليم العام الجامعي البحث عن شخص متخصص في تخصص ما ممن سيكون متفرغاً في وقت الجداول المقترحة أوسيكون، كما يحدث في الغالب، ممن إنضموا إلى الجامعة مؤخراً. وهذا يعني بأن الخبرة ليست عاملاً في إختيار عضو هيئة التدريس الذي سيقوم  بتدريس هذه  المقررات بما يعزز فكرة كون مقررات التعليم العام الجامعي “متطلبات سهلة وبإمكان أي شخص القيام  بتدريسها”. وهكذا، سيميل أعضاء هيئة التدريس  لتصميم وتدريس مقررات التعليم العام الجامعي تماماً بذات الطريقة التي يصممون ويدرسون بها مقرراتهم  في تخصصهم. كما أن بعض أعضاء هيئة التدريس الذين يطلب منهم تدريس مثل هذه المقررات  من المغتربين، لاسيما في دول الخليج التي تتوفر بها نسبة عالية من المعلمين الوافدين. ويأتي بعض المغتربين من أنظمة تعليمية لا تقدم التعليم العام الجامعي ولذلك لا يبدو مفهوم التعليم العام الجامعي مألوفاً لديهم.

وبسبب التقاليد طويلة الأمد التي تشدد على وجود مقررات منفصلة، وشديدة التخصص، واجهت الجهود المبذولة لإصلاح التعليم العام الجامعي مقاومة، لاسيما عند المضي نحو الإتجاهات الراهنة في المجال والتي تؤكد على المداخل التكاملية. لذا، جاء قادة التعليم العام الجامعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل تحديد الحاجة إلى تعليم عام الجامعي ذو مغزى. وهكذا، تمكنا من جذب نحو 15 عضو للإنضمام إلى مبادرة جديدة، هي رابطة التعليم العام الجامعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي أفتخر بها شديد الإفتخار، والتي سيتم إطلاقها في مؤتمر التعليم العام الجامعي في 15 تشرين الأول/أكتوبر في جامعة قطر. سيجتمع أعضاءالرابطة قبل المؤتمر لدراسة و مناقشة  رؤية، ورسالة، وأهداف الرابطة .

هناك حاجة ماسة لمثل هذه الرابطة من أجل تعزيز التعاون في مجال التعليم العام الجامعي وبناء علاقات متعاضدة بين الجامعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتشمل أنماط التعاون المنشود: البحوث، والتطوير المهني، وتصميم المواد التعليمية. والأهم من ذلك أنها ستساعد على ضمان إيجاد متخصصين في هذا المجال ليأخذوا زمام المبادرة في تطوير تعليم عام جامعي يعمل بشكل جيد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا . سيكون الهدف الرئيسي للرابطة سد الفجوة بين الطريقة التي يقدم بها التعليم العام الجامعي في الوقت الحالي والطريقة التي يجب أن يُقدّم بها.

آمل بأن  تأسيس رابطة التعليم العام الجامعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سيتم فحص برامج التعليم العام الجامعي ومناقشتها من قبل الأعضاء فيما يتعلق بكلٍ من محتواها وتنظيمها . يجب أن يسير المحتوى والبنية جنبا إلى جنب. لا يمكن أن يكون التعليم العام الجامعي يتيما ضمن الهيكل الإداري للجامعة: يحتاج أولئك الذين ينظمون التعليم العام الجامعي لإمتلاك بعض السلطة والتأثير من أجل أن يكونوا فاعلين. سيمكن ذلك البرامج لتكون متماشية مع أفضل  الممارسات، بما في ذلك الإتساق ( المقررات المبنية على بعضها البعض)، والأهداف واضحة المعالم،  ومخرجات التعلم. يجب أن يؤكد التعليم العام الجامعي على التعلم المفاهيمي الذي يركزعلى المهارات المنقولة أكثر من المعرفة المتخصصة . وبالتالي، ستتسم الغالبية العظمى من مقررات التعليم العام الجامعي  بالبينية وتتبع المداخل المتكاملة.

وعلى الرغم من أن إعداد الطلاب لمهنهم المستقبلية، من خلال تزويد الطلاب بالشهادات الضرورية، أمر أساسي، فإن الحاجة لإعداد مواطنين متعلمين ومنخرطين إجتماعياً ممن يمتلكون الميل والقدرات اللازمة لإحداث تغييرات في حياتهم أمر أساسي هو الآخر. يجب أن يأخذ التعليم الحديث في إعتباره بأن الناس غالبا ما يغيرون مساراتهم الوظيفية على إمتداد حياتهم، وقد أصبح هذا الأمر حقيقة بشكل خاص بسبب إزدياد العولمة. أنا آمل أن توفر هذه الرابطة الفرصة لتبادل السمات المميزة، والنماذج المتميزة من التعليم العام الجامعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بطرق تسمح بنقل المعرفة بين الدول والجامعات.

تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحاجة ماسة لمواطنين متعلّمين تعليماً شاملا ليقودوا بلادنا، وشركاتهم الخاصة، ومؤسسات المجتمع المدني إلى الأمام. وآمل وزملائي في الرابطة الجديدة بأننا سنخطو خطوة صغيرة إلى الأمام نحو خلق  قطاع كبير من هؤلاء المواطنين.

* مها الهنداوي، مدير برنامج المتطلبات العامة والبرنامج التأسيسي بجامعة قطر وواحدة من مؤسسي رابطة التعليم العام الجامعي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى