مقالات رأي

رحلة طالبة فلسطينية سورية بحثاً عن شهادة عليا

لكوني طالبة متفوقة في جامعة دمشق، إعتقدت بأن الحصول على منحة دراسية في كلية أجنبية للدراسات العليا سيكون أمراً يسيراً. لكن فكرتي للدراسة في الخارج تحولت لما يمكن أن يكون مجرد بداية لرحلة بحث مازالت مستمرة.

تظهر تجربتي بأن برامج المنح الدراسية بحاجة للمزيد من المرونة لاسيما عند النظر في الطلبات المقدمة من الطلاب الفارين من سوريا.

في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2013، كنت قد أكملت سنة واحدة من برنامج للحصول على شهادة الماجستير في الصحافة في دمشق. لكنني كنت قد حصلت على القبول للدراسة في ست جامعات في المملكة المتحدة. كان أملي يتمثل في مغادرة سوريا والإنتقال إلى كلية بريطانية في أيلول/سبتمبر عام 2014. كل ما كان يلزمني هو الحصول على منحة سخية من مؤسسة مانحة أو وكالة حكومية.

لم أتوقع أن يكون الأمر صعباً. فقد كان معدلي التراكمي متوسطا، وفي النهاية، كان الأعلى في تاريخ الجامعة بالنسبة لطلاب البكالوريوس قسم الإعلام. لكنني كنت ساذجة في توقعاتي.

في ذلك الوقت، كنت أعمل كمتطوعة في منظمة جسور، منظمة غير ربحية من المغتربين السوريين الذين يساعدون الطلاب السوريين الباحثين عن فرص للتعليم العالي في الخارج.

كنت أعمل في مجال وسائل التواصل الإجتماعي للمنظمة. كان أول يوم لي في العمل صادماً، إذ أرسل المئات من السوريين إستفسارات طالبين المساعدة عبر موقعي الفيسبوك وتويتر. وسواء كانوا يرغبون في التسجيل في برامج البكالوريوس أو الدكتوراه، فقد كان الجميع يتوقون لمغادرة سوريا. كما كان أولئك الذين تمكنوا بالفعل في الفرار كلاجئين يطلبون المساعدة هم أيضاً.

كنت أقوم بالإجابة على تلك الأرواح اليائسة عبر تزويديهم بروابط لبرنامج منح فولبرايت للتعليم الدولي والإتحاد السوري للتعليم العالي التابع لبرنامج الأزمات في الأمم المتحدة.

تعاون الإتحاد مع منظمة جسور في إيجاد مكان لـ500 طالب وطالبة سوريين في الجامعات الأميركية في السنوات الثلاثة الماضية.

من خلال عملي مع منظمة جسور، تعلمت كيفية التقديم للجامعات وكيف يمكن أن أتنافس على المنح الدراسية. وقد أمنت لي المعرفة السابقة التي أحسنت إستخدامها عروضاً للدراسة في جامعات دورهام، وإيست أنجليا، وغولدسميث، وسيتي، وليدز، ولينكولن في بريطانيا. لكنني وبحماقة لم أتقدم سوى على منح مؤسسة سعيد للتنمية  التي تقدم مساعدات لطلاب من الأردن، ولبنان، وفلسطين، وسوريا من أجل الدراسة في الكليات البريطانية.

طلبتني مؤسسة سعيد لإجراء مقابلة معي.

أتذكر ذهابي إلى مقهى الإنترنت القريب من سكني وطلبت من صاحب المقهى أن يوقف الأغاني الطائفية التي كان يشغلها بإستمرار، من أجل أن أتمكن من إجراء مكالمة عبر سكايب. لم أرَ أحداً يقوم بذلك أبدا.

تكلمت مع المسؤول عن المنح الدراسية لما يقرب من 30 دقيقة. تحدثت عن طموحاتي، وأحلامي، وخططي، ولماذا إخترت مجال الإتصالات، ولماذا أنا بحاجة للمساعدة من أجل الحصول على المنحة للدراسة في بريطانيا. وضحت له بأن لدى والدي أربعة أطفال آخرين، وبأن راتبه كأستاذ في جامعة البعث في حمص بالكاد يكفي لتغطية إحتياجاتنا الأساسية.

إعتقدتُ أنني تمكنت من إقناع اللجنة بكوني طالبة متميزة ومجدة في عملي.

لكنني كنت على خطأ.

بحسب إيتا غالاغير، التي تشرف على برنامج المنح في مؤسسة سعيد للتنمية، فإن العدد السنوي للمنح الدراسية الممنوحة للسوريين قد إرتفع من 8 في عام 2010 إلى 15 في عام 2015. فيما إرتفع عدد المتقدمين من 105 إلى 208 في ذات الفترة.

وبينما كنتُ في مكتبي في الجامعة، تلقيت مكالمة هاتفية من السيدة غالاغير لتخبرني بأنني، وعلى الرغم من كوني قد حصلت على إعجاب اللجنة، إلا أنهم إختاروا طلابا آخرين من مجالات دراسة علمية أخرى.

بكيت وتذمرت لعدة أيام قبل أن أعترف لنفسي بأنني سوف أبقى عالقة في سوريا لعامٍ آخر، وبأنني لن أبدأ فصلاً جديداً من حياتي في بريطانيا في أيلول/سبتمبر.

في الواقع، لقد تعلمت منذ ذلك الحين بأنني لست حالة فريدة: فالكثير من الطلاب العرب مؤهلين أكاديمياً للدراسة في الخارج لكنهم غير قادرين على تحمل تكاليف ذلك. حيث تنظر الكثير من البلدان والجامعات للطلاب الأجانب بمثابة مصدر إيرادات، وليس كأشخاص يمكن لهم أن يسهموا في مؤسساتهم. كما أن عدد المنح الدراسية المتوفرة للسوريين والعديد من الجنسيات العربية الأخرى ضئيل بالمقارنة مع الحاجة لذلك.

في دمشق، كنت في منتصف الطريق في برنامج الحصول على شهادة الماجستير في التحرير التلفزيوني. لم أكن قد إخترت برنامج الدراسة في الحقيقة. التحقت به لاقترانه بوظيفة مساعد مدرس، وهو ما إستمتعت به. طالبت بتغيير برنامج دراستي إلى الإتصالات الدولية، لكنهم أخبروني بأنه يتوجب عليّ أن أتخلى عن العمل. كان مبلغ الـ100 دولار أميركي الذي أتقاضاه شهرياً لقاء ذلك يساعدني في تحمل أجور الغرفة الصغيرة التي تشاركتها مع سبع نساء أخريات. لقد كنت عالقة.

حاولت التقديم للحصول على منح دراسية أخرى. لكن مرجعيتي الإجتماعية كإبنة لاجئين فلسطينيين يعيشان في سوريا لعبت دوراً عكسياً. عاشت أسرتي في سوريا لأكثر من 67 عاماً، لكن كل ما أمتلكه هو بطاقة هوية سورية تقول إنني أحمل صفة لاجئة مؤقتة. أرسل برنامج للمنح الأسترالية لي رسالة رفض لأنني لست فلسطينية تقيم في فلسطين. عملياً، كنتُ لاجئة في سوريا. فيما كان برنامج المنح الهولندية يقبل طلبات التقديم من المواطنين السوريين حصراً. لم أكن مواطنة في أيّ مكان.

في حزيران/يونيو من عام 2014، دعاني معهد غوته لحضور دورة عن الصحافة الثقافية في برلين. وصف منظم الدعوة وصولي إلى ألمانيا بالمعجزة، لأن الحصول على تأشيرات الدخول للمقيمين في سوريا كانت شبه مستحيلة.

خلال الندوة، تعلمت في برلين بأن التغيرات السياسية الكبرى يمكن أن تحدث فجأة. فقد أخبرتنا مرشدة سياحية جميلة عند زيارتنا للبوندشتاغ، مبنى البرلمان الألماني، “قبل ثلاثين سنة، لم يكن أحد ليتصور بأن جدار برلين سيتم هدمه. فقد تم قتل شاب وهو يحاول الهرب من برلين الشرقية إلى الغربية – وبعد شهرين فقط تم تهديم الجدار.” ملأني ذلك بالأمل في أن الحرب السورية قد تنتهي بسرعة أيضاً وبدون سابق إنذار.

في الأيام الأخيرة من التدريب، وبينما كان الجميع ذاهباً لشراء الهدايا التي سيأخذونها إلى أوطانهم، كنتُ أفكر في عدم الرجوع بالطائرة إلى بلادي. كشفت لي فتاة يمنية بأنها ستبقى. فحسمت أمري. ذهبت صديقتي اليمنية إلى ميونخ للبقاء مع أحد الأقارب. بينما قمت أنا بأخذ الحافلة والذهاب إلى هامبورغ، حيث تعيش عمتي، مع خطط للتقدم في الحصول على اللجوء لدواع إنسانية.

في مخيم فريدلاند الحدودي المؤقت، حيث تم إحتجازي بعد تقديم طلب اللجوء، قضيتُ أياماً في ملء إستمارات التقدم للحصول على منح دراسية مختلفة. فقد كنت قد تعلمت الدرس: لا تضع كل البيض في سلة واحدة. تقدمت لبرنامج منح إيراسموس موندوس، وتشيفينينغ، ومؤسسة سعيد، ومؤسسة الأصفري. وقام الجميع برفضي. فعلى ما يبدو تركز هيئات المنح الدراسية في تلك المؤسسات على الطلاب الذين لا يزالون في سوريا. أخبرتني صديقة حصل زوجها على منحة للدراسة في أسكتلندا “إذا ما رأوا إستمارة التقديم قادمة من أوروبا، فإنهم لن يقرأوها حتى.”

أردت أن أدرس باللغة الإنجليزية. والآن أنا في ألمانيا. وبعد ما يقرب من السنتين على مغادرتي سوريا مخلفة ورائي كتبي وحياتي الأكاديمية في دمشق، فإنّني لست متأكدة حتى إذا ما كان سيكون في إمكاني العودة إلى الجامعة مرة أخرى. أنا أعمل كصحافية الآن، ولكنني أفكر في الدراسة في ألمانيا، إذا ما كنت مؤهلة لذلك. كنتُ أحب لو أنني بدأت في شهر أيلول/سبتمبر الجاري. لكنني الآن أعقد الآمال على شهر أبريل/نيسان القادم.

* رهام كوسا صحافية فلسطينية سورية مقيمة في ألمانيا.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى