أخبار وتقارير

الطلاب السوريون بين فكي التهريب والبحث عن منح دراسية

لا يبدو أحمد حكيم متأكداً إذا كان سيغادر سوريا التي مزقتها الحرب كطالب أو لاجيء.

يرغب حكيم، البالغ من العمر 25 عاماً، في التسجيل على الدراسات العليا في الأدب الإنجليزي في جامعة برلين الحرة في ألمانيا، لكن العقبات التي يواجهها السوريون الراغبون في الحصول على التعليم العالي في الخارج – بما في ذلك المنافسة الشديدة على المنح الدراسية – تجعل هذا الهدف وبشكل متزايد بعيد المنال.

يتطلب الحضور في جامعة ألمانية أخذ ستة أشهر من دورات تعلم اللغة الألمانية، ورحلة إلى لبنان بهدف الحصول على تأشيرة طالب، ورسوماً أخرى متنوعة.

في المقابل، هنالك الرحلة المحفوفة بالمخاطر عبر البحر المتوسط أو عبر جنوب أوروبا والتي تتطلب التعامل مع أحد المهربين.

كلا الخيارين سيكلفان حوالي 9000 دولار أميركي. يمتلك حكيم هذا المبلغ، لكن إنفاقه على الإستعدادات للدراسة في الخارج لن يترك له شيئاً من المال لتغطية نفقات الدراسة ومصاريف الكلية الأخرى ما لم يحصل على منحة دراسية كبيرة ومساعدة في تحمل نفقات المعيشة. كلاجئ، قد يحصل على فرصة أفضل للبقاء على قيد الحياة في مخيم لجوء أوروبي، على إفتراض إنه سيتمكن من الوصول بسلام إلى إحدى دول أوروبا الغربية.

قال أحمد، والذي يحمل درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية بعد تخرجه من جامعة دمشق قبل عامين، “لقد فقدنا كل شيء. إستغرقت عامين من عمري قبل أن أدرك بأنني لن أتمكن من بناء حياة هنا تحت القصف المدفعي. لا تزال عائلتي تمتلك بعض المدخرات. سوف يكون الإنتقال إلى ألمانيا الإستثمار الأخير لنا.”

أصبح السعي وراء التعليم العالي الأجنبي خياراً رائجاً في أوساط السوريين الساعين لمغادرة بلادهم، الأمر الذي أدى لتدفق سيل من طلبات التقديم على برامج أكاديمية تشهد تنافساً شديداً عليها. (إقرأ القصة ذات الصلة: إحصاء تقديري لحجم إحباط الطلاب السوريين.)

بعد خمس سنوات من الحرب التي شردت أكثر من أربعة ملايين شخص، لم يعد في إمكان ما يقرب من نصف الطلاب الجامعيين الاستمرار في حضور الدروس بسبب القتال الدائر أو الدمار الناجم عن الحرب، بحسب مؤسسة سعيد رضا للتنمية في المملكة المتحدة.

تقودهم هذه الأوضاع للبحث عن الدراسة في الخارج. قال كريستيان هولزهورستر، مسئول المنح في الهيئة الألمانية للتبادل العلمي، الداعم الرئيسي للتعليم الدولي في ألمانيا، “يسعى معظم المتقدمين إلينا لمواصلة دراستهم ولا يجدون أية فرصة للقيام بذلك في سوريا التي مزقتها الحرب.”

لكن العديد من أولئك السوريين المتقدمين بطلبات للدراسة غير مستعدين للعثور على ملاذ آمن في الجامعات في أوروبا، أو الولايات المتحدة أو أماكن أخرى. ببساطة، لا يستطيع العديد من الطلاب تلبية معايير البرامج الجامعية وطلبات التقديم للحصول على المنح الدراسية التي يرون أنها الأمل الأخير لهم من أجل البقاء.

قالت شذى الخليل، طالبة الدكتوراه في الجامعة التقنية في إلميانو في ألمانيا، “هنالك فجوة كبيرة بين إحتياجات السوريين الراغبين بالفرار من العنف الدائر في بلادهم وبين ما هو متوفر في عموم العالم. وفضلاً عن ذلك، يواجه السوريون صعوبات أخرى في الدراسة في الخارج، والعديد منهم غير مستعد للتنافس على العدد المحدود من الأماكن التي يمكن لهم فيها أن يكونوا مؤهلين للدراسة.”

تتفهم الخليل العقبات التي تواجه الطلاب السوريين الساعين للحصول على تمويل للدراسة في الخارج لأنها تمكنت من التغلب عليها. حصلت الخليل الآن على منحة بحثية، لكنها حصلت على شهادة الماجستير في الضوئيات والبصريات في جامعة فريدريش شيلر في جيناً من خلال منحة دراسية ممولة من قبل هيئة الصناعة الألمانية، ووزارة التعليم والبحوث الألمانية الإتحادية، والحكومة المحلية في تورينجيا.

شذى الخليل

والآن تكرس الخليل ما يقرب من ساعتين من وقتها كل يوم للإستمرار في العمل على صفحتها على الفيسبوك والمكرسة لمساعدة الطلاب السوريين في الحصول على منح للدراسة في الخارج. ويتابع الصفحة حوالي 27.000 شخص.

تبدأ المشاكل التي يواجهها العديد من السوريين الراغبين في الدراسة في الخارج في بلادهم، بحسب الخليل وآخرين. حيث تمنع ضعف نوعية المدارس السورية، وعدم التركيز على التفكير النقدي وعقبات أخرى العديد من الطلاب السوريين من تحقيق أحلامهم في الهرب من بلادهم من خلال المؤسسات الأكاديمية.

فألمانيا، على سبيل المثال، لا تعترف بالشهادات الصادرة من معظم الجامعات السورية، بحسب هولزهورستر. وفي الوقت ذاته، يمتلك كثيريون من طلاب الجامعات المعترف بها معدلات متدنية. إذ يشتكي بعض الطلاب السوريون من كون الأساتذة يفرضون أوقاتاً عصيبة على الطلاب. فبعض الأساتذة السوريين، بحسب الخليل، “يعتقدون بأن منح الطلاب درجات منخفضة، حتى إذا ما كانوا ممتازين، يعكس إيجابية لصالح الأستاذ.”

وفي حين أن هذا الأمر ليس صحيحا دائما، فإنه وعندما يكون كذلك، يجعل من الصعب على الطالب أن يذهب إلى جامعة أخرى.

كما أن السوريين في الغالب لا يعرفون كيفية التقديم على منح دراسية في الجامعات الغربية.

قالت ريم، المحاضرة السابقة في جامعة حلب والتي تدرس الآن علم الطب الدوائي Pharmaceutical Medicine في جامعة ماليزيا ساينس على حساب منحة من صاحب العمل والتي طلبت عدم ذكر اسمها كاملاً، “هناك خلل حقيقي في تقديم الطلاب السوريين لأنفسهم على أنهم أكاديميين في خطاب الرغبات في المنح الدراسية.”

 يواجه العديد من السوريين تحديات في كتابة مقالات المنح الدراسية لأن دافعهم الرئيسي للدراسة في الخارج هو البقاء على قيد الحياة، وليس إحراز التقدم الأكاديمي، بحسب أبو عاصي. وفي الغالب لا يتمكنون من مزج الإحتياجين في طلب واحد. قالت “ويبدو هذا بوضوح للمسؤولين عن تقديم المنح الدراسية.”

كما تطفو العقبات الثقافية على السطح أيضاً.

إنتظرت سعاد أبو شامة، 25 عاماً، حتى اللحظة الأخيرة لتخبر والدها بأنها قد نجحت في تأمين مكان لها في برنامج للحصول على شهادة الماجستير في التغذية في جامعة لوفين الكاثوليكية في بلجيكا من خلال برنامج إيراسموس موندوس. لم يكن والدها ليسمح لها بمغادرة سوريا لو لم تكن هناك حرب فضلاً عن المساعدة المالية التي تلقتها.

قالت أبو شامة “لم أخبر عائلتي بأنني سأغادر حتى حصلت على تأشيرة دخول بلجيكا قبل ثلاثة أيام من رحلتي. لقد كان نوعاً من قرارات اللحظة الأخيرة بالنسبة لوالدي الذي وافق في نهاية المطاف.”

غيرت المنحة حياة تقول أبو شامة، قالت “أنا أعتبر نفسي محظوظة لحصولي على المنحة بعد ستة أشهر فقط من تخرجي،” مضيفة بأنّها كان من المرجح أن تكسب 150 دولار أميركي شهرياً من خلال عملها كصيدلانية – وهو ما كان بالكاد ليكفي إحتياجاتها – في حال بقيت في دمشق.

قالت الخليل إنها بدأت صفحتها على الفيسبوك لمساعدة الطلاب المؤهلين في التغلب على العقبات التي تمنعهم من دخول سباق المنافسة حتى للدراسة في كليات أجنبية أو الحصول على منح. وقالت إن الطلاب الجدد في سوريا يشعرون باليأس.

“بين خيار أن تخسر حياتك بسبب قذيفة هاون أو أن تغادر البلاد إلى مكان أفضل حيث سيمكنك التمتع بمواهبك، فإنني مع الخيار الثاني.”

حكيم هو من بين أولئك الطلاب المحتملين اليائسين. إذ لا يزال يحاول تحديد إذا كان سيصل إلى ألمانيا كطالب أو من خلال رحلة طويلة عبر تركيا والبلقان أو على متن طوف في البحر الأبيض المتوسّط.

قال “إذا لم أحصل على تأشيرة طالب، فقد ألجأ للتفكير في البديل. لكنني لا أزال أفضل أن أكون طالباً على أن أكون لاجئاً.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى