مقالات رأي

هل هناك فرق بين مفهومي الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات؟

على الرغم من كثرة استخدام مفهومي الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات في مختلف النقاشات التي تطال التعليم العالي اليوم في مصر، لكن تداخل استخدام المفهومين دون تحديد المقصود بكل منهما يضر بالقيم الهامة التي يحملاها.

فخلال مناقشات صياغة الدستور المصري الذي أقر في 2014، لم يكن لدى المشاركين المتخصصين في قضايا التعليم العالي اتفاقاً ورؤية واضحة حول مفهومي الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة. ربما يفس ذلك جزئياً خروج المادة المتعلقة باستقلال الجامعات في الدستور بشكل هزيل جداً، وكذلك غياب أي ذكر للحرية الأكاديمية.

في المقابل، يقع المتابعون لقضايا التعليم العالي في خطأ توسيع مفهوم الحرية الأكاديمية ليشمل حقوق الإنسان التي يجب أن يتمتع بها أعضاء المجتمع الأكاديمي من أساتذة وطلاب وعاملين، سواء كمواطنين يمارسون نشاطهم واهتماماتهم خارج الجامعات أو داخلها، بما في ذلك الحق في التظاهر والتجمع السلمي وممارسة النشاط السياسي والحق في الإضراب والاعتصام السلمي. إذ أن توسيع المفهوم يزيد من صعوبة تحديد طبيعة الانتهاكات التي يتعرض لها الأكاديميين والطلاب باعتبارهم مواطنين خارج الجامعات، أو من خلال أنشطة لا تتعلق بالجانب الأكاديمي داخل الجامعات. فالبعض يعتبر تعرض أستاذ جامعي لمحاكمة غير عادلة أو منع من السفر،على خلفية نشاطه في العمل العام، انتهاكا للحرية الأكاديمية.

فعلى سبيل المثال، تعرض الأستاذين بالجامعة الأميركية عماد شاهين وعمرو حمزاوي إلى أحكام قضائية غير عادلة. إذ حكم على شاهين  بالإعدام بسبب مواقفه المناهضة للسلطة السياسية الحالية. كما تعرض عمرو حمزاوي للمنع من السفر، على ذمة التحقيق القضائي، بسبب توجيه انتقادات للقضاء أثناء عضويته بمجلس الشعب المصري. لكن نشاط كلا الأكاديميين واهتمامهما بالقضايا السياسية في إطار العمل الحزبي أو بشكل مستقل لا يعد جزءاً من عملهم الأكاديمي.

كما أن التضييق على الطلاب ومنعهم من التظاهر أو تنظيم الفعاليات السياسية في الجامعة، لا يعد جزءاً من العمل الأكاديمي ولا يمكن اعتباره انتهاكا للحرية الأكاديمية.

وفي نفس الوقت، لا ينبغي إهمال الدفاع عن أعضاء المجتمع الأكاديمي وضمان كافة حقوقهم باعتبارهم مواطنين مصريين، وكذلك ضمان عدم تعرضهم لعقوبات داخل الجامعة بسبب هذه الأنشطة، مما يعيق ممارستهم للعمل الأكاديمي.

في 19 شباط/ فبراير2013، منعت جامعة المنصورة مناقشة رسالة الماجستير التي تقدم بها الباحث محمد الدكروري بسبب اعتراض ممرضات وممرضين بمستشفى جامعة المنصورة على موضوع الرسالة والذي تضمن استبياناً حول  تعرض ممرضات المستشفى للتحرش الجنسي من قبل زملائهن خلال العمل. لم تحظ هذه الحادثة بأي اهتمام إعلامي أو أكاديمي أو حقوقي، وبالمثل هناك العديد من القضايا المماثلة والتي تتعلق بالتدخلات في رسائل الماجيستير والدكتوراة، وتوجيه الباحثين لمنعهم من تناول قضايا سياسية واجتماعية معينة. فهذه التدخلات والممارسات تعد انتهاكات واضحة ومستمرة للحرية الأكاديمية.

من هنا يبدو ضرورياً الاتفاق على تعريف محدد للحرية الاكاديمية. شخصياً أميل للأخذ بالتعريف الدقيق الذي صاغه إعلان الحرية الأكاديمية 2005، الصادر عن المؤتمر العالمي الأول لرؤساء الجامعات بجامعة كولومبيا بدعوة من أمين عام الأمم المتحدة، والذي اعتبر الحرية الأكاديمية متمايزة عن – وليست مجرد امتداد – لحرية الفكر والرأي والتجمع والتنظيم المعترف بهم لجميع الأشخاص بموجب المواد (18 و19 و20) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود الدولية الأخرى. وتعني الحرية الأكاديمية تحديدًا حرية البحث والتدريس والتحدث والنشر مع الالتزام بمعايير وقواعد البحث العلمي دون تدخل أو فرض عقوبات، ودون تقويض لما يمكن أن يقود إليه هذا البحث أو الفهم.

أما مفهوم استقلال الجامعة، فيشمل بنية وهيكلة مؤسسات التعليم العالي وعلاقتها بالدولة وغيرها من قوى المجتمع، كضمانة لتحقيق وتوفير المناخ الملائم للحرية الأكاديمية. وبالتالي لا ينبغي اعتبار الحرية الأكاديمية جزءاً من استقلال الجامعات، أو اعتبار قضايا متعلقة باختيار القيادات الجامعية أو تقييد استقلالية الجامعة جزءاً من الحرية الأكاديمية.

إن استقلال الجامعات يعني قيام الجامعة من خلال معايير الحوكمة وإشراك فئات المجتمع الأكاديمي باتخاذ القرارات، بوضع السياسات العامة للجامعة، وخطط تمويلها، وغير ذلك من الأمور الإدارية والمالية والإشراف على هياكل الجامعات (كليات – أقسام)، وينبغي أن يتم ضمان المحاسبة  والشفافية خاصة في الشئون المالية.

ويبقى هناك سؤالا مطروحا بقوة: ما الذي يمكن أن تقدمه القراءة الصحيحة لمفاهيم الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات ؟

أزعم أن القراءة الصحيحة لمفهوم الحرية الأكاديمية ستؤدي إلى مجموعة من النتائج، وهي :

أولا: زيادة دعم قضايا حرية التدريس والبحث والنشر، بحيث سيتنبه أعضاء هيئة التدريس والطلاب لما يتعرضون له من انتهاكات لحقهم في البحث والتدريس والتعلم. كما سيتم توجيه أنظار المتابعين والمسؤولين في مصر إلى المعنى الحقيقي للحرية الاكاديمية عوضاً عن التخبط واقتصار الاهتمام على قضايا الحريات السياسية.

ثانيا: تبني مقترحات لتضمين الحرية الأكاديمية في الدستور والقوانين المتعلقة بالجامعات، باعتبار الحرية الأكاديمية ضرورة لا بد منها للتمتع بالحق في التعليم العالي، وفقا تفسير اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة. وهذه التشريعات ضرورية لإلزام الدولة وإدارات الجامعات والتيارات الاجتماعية وغيرها بعدم التضييق على العمل الأكاديمي.

ثالثا: تكثيف الجهود الرامية لتنظيم الإدارة والحكم الرشيد، والإلمام بالأشكال المختلفة لتنظيم هياكل الجامعات واختيار قياداتها وطرق التمويل وغير ذلك، مما يلقي بمهمة كبيرة على عاتق المهتمين بالتعليم العالي للنقاش والتفكير في خطوات وبرنامج عمل لتحقيق استقلالية الجامعات في مصر.

رابعا: حشد التأييد في أوساط الطلاب وأعضاء هيئة التدريس لقضايا ذات اهتمام مشترك، فأغلب الحركات الطلابية والناشطين من أساتذة الجامعات، ركزوا اهتمامهم على ممارسة الحقوق والحريات في الجامعة، ما جعل غالبية جهودهم مركزة على النشاط السياسي. ومن شأن الفهم الصحيح لمفهومي الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة، توفير فرصة لمشاركة أوسع من قبل أساتذة وطلاب ومسئولين في النقاش والعمل على مصلحة مشتركة، تتمثل في التعلم والبحث والإنتاج الأكاديمي، في حرية ودون قيود أو تدخلات.

*محمد عبد السلام، باحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير بالقاهرة

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى