مقالات رأي

مصر ومأسسة انتهاك الحريات الأكاديمية

بينما شهد العام الأكاديمي 2013/2014 مواجهات دموية وحراك طلابي عنيف على إثر عزل الرئيس السابق محمد مرسي وفض اعتصامات رابعة والنهضة وما تبعه من بيئة سياسية محتقنة بشدة أثرت بدورها على الحريات الأكاديمية، فإن العام الأكاديمي الذي انتهى لتوه بدى أقل دموية وأكثر هدوءاً مما يعطي انطباعاً خاطئاً أن الجامعات والتعليم العالي فى مصر أصبحت أكثر استقراراً وحرية.

في هذا المقال، أظهر بالوقائع أنه ورغم قلة عدد المواجهات الدموية بين الطلاب وقوات الأمن، إلا أنه تم مأسسة انتهاك الحريات الأكاديمية بشكل غير مسبوق مما أدى إلى حدوث تراجع كبير في التعليم المصري.

فخلال العام الأكاديمي 2014/2015، تم اتخاذ عدة خطوات مهدت لإطباق النظام السياسي الحكومة الخناق على الحريات الأكاديمية واستقلال الجامعات وذلك على النحو التالى:

1- فى الرابع والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي، أصدر رئيس الجمهورية قراراً لتعديل قانون تنظيم الجامعات رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٢بحيث أعاد تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات وإلغاء انتخابهم وأعاد طريقة النظام القديم فى إحكام السيطرة فى القيادات الجامعية قبل ثورة يناير2011.

2- بعد عام تقريباً من هذا التعديل الأخير، صدر تعديل جديد على قانون تنظيم الجامعات تضمن تعديل ستة مواد، أهمها تعديل المادة٨٤ من القانون والذي فتح الباب للندب بلا سقف زمني لأساتذة الجامعات مما يعني ببساطة استثناء المحاسيب والمقربين من النظام السياسي والحكومة من الحدود والقيود الخاصة بالإعارة والندب. كما طال أيضا التعديل المادة ١٣٧ بحيث أصبح تكليف المعيدين يتم بالمفاضلة بين الحاصلين على نفس التقدير العام وليس مجموع الدرجات مما يفتح الباب قطعاً أمام الشبهات والمجاملات فى التعيين وخصوصاً أن التعين وبعكس دول كثيرة مازال يتم بأسلوب التكليف وليس بالإعلان.

3- صدر أيضاً تعديل جديد في كانون الثاني/ يناير ٢٠١٥ من رئيس الجمهورية يفتح الباب للتعسف فى فصل أساتذة الجامعات عبر وقفهم عن العمل بمجرد اخطارهم بالتحقيق معهم، وهو ما يناقض كل معايير العدالة والاستقلال الجامعي.

4- صدر خطاب من وزير التعليم العالي إلى رؤساء الجامعات وعمداء الكليات يلزمهم باستطلاع رأى الجهات الأمنية (الأمن الوطنى، المخابرات العامة، المخابرات الحربية) قبل الموافقة على سفر أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية إلى أي مهمة علمية بالخارج. وهو مايعد عودة جديدة أيضاً إلى سياسات نظام مبارك فى التدخل السافر فى الحياة الأكاديمية واعتداء واضح على استقلال الجامعات. كما يعد انتهاكاً واضحاً لمبدأ “استقلال الجامعات” المنصوص عليه فى الدستور المصري.

5- تطبيق المحاكمات العسكرية للطلاب، حيث رصدت دراسة قامت بها المفوضية المصرية للحقوق والحريات تحويل ١٨٤ طالب للمحاكمات العسكرية فى مصر، منهم ٢١ طالب مدرسي و١٦٣ طالب جامعي فى الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠١٤ وحتى أيار/ مايو ٢٠١٥ بتهم تتنوع بين الانتماء لجماعة الإخوان والتحريض على العنف والتظاهر بدون الحصول على تصريح وحيازة مواد نارية وأسلحة والاعتداء على المنشأت العامة.

6- وقوع قتلى في صفوف الطلاب داخل الحرم الجامعي وخارجه، إذ ارتفع عدد الطلاب المقتولين داخل الحرم الجامعي منذ بدء العام الجامعي ٢٠١٣/٢٠١٤ إلى 17 طالباً دون تحديد الجاني مما أجج مشاعر الغضب والرغبة فى الانتقام من جانب الطلاب وأدخل الجامعات المصرية خاصة والمجتمع المصري عامة فى صراعات وعنف مفرغ.

7- تطبيق مبدأ الفصل التعسفي للطلاب، والذي يعد من أبرز انتهاكات الحريات الأكاديمية خلال هذا العام. إذ تم فصل أكثر من ٢٦٠ طالب بلا تحقيق مسبق اعتمداً على تحريات أمنية اتهمت الطلاب بالانخراط فى العنف. ولوحظ عشوائية شديدة فى قرارات الفصل وعدم خضوعها لأدنى معايير العدالة، حيث تعرض الطلاب للفصل قبل التحقيق ثم طلب منهم التظلم لاحقاً وباستثناء حالات قليلة فقط قبل تظلمها.

8- انتهاك الحريات الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس، كان أبرزها فصل اثنين من أعضاء الهيئة المعاونة (من المعيدين والمدرسين المساعدين) من أعمالهم بشكل تعسفي وباتهامات شديدة العمومية مع رفض تسليمهم صور من قرارت الفصل بحيث يتسنى لهم اتخاذ الإجراءات القضائية المناسبة. كما شملت هذه الانتهاكات أيضا تحويل عدد من الأساتذة للتأديب والوقف عن العمل بسبب أرائهم ومناقشاتهم العلمية سواء داخل القاعات الدراسية أو أثناء مناقشة رسائل علمية لطلابهم، وكذلك التدخل في عناوين الرسائل العلمية بل ووقف قيد بعض الباحثين فى برامج الدراسات العليا بسبب تناول موضوعات رسائلهم لقضايا شائكة سياسيا وخاصة مايتعلق منهم بشرعية النظام الحالى.

ويأتي على رأس هذه الانتهاكات تعرض أساتذة جامعات للفصل بدعوي تغيبهم عن أعمالهم رغم أنهم محبوسون احتياطيا داخل السجون المصرية. وتعرض أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية، عماد الدين شاهين، لحكم الإعدام الغيابي بمجموعة تهم شديدة العمومية وبلا دلائل أو قرائن بدعوى تخابره لحساب جهات أجنبية، ومن المعروف أن للدكتور شاهين أراءه المعارضة للنظام السياسي الحالي فى مصر.

نعم انتهى العام الأكاديمي الأخير بدرجة أقل دموية عن العام الجامعي الذى سبقه، مما دفع البعض للاعتقاد أن الجامعات المصرية فى طريق الاستقرار والمضي نحو استعادة الحريات الأكاديمية المفقودة بشدة. لكن التمعن بمجريات الأمور تكشف أن العام الجامعي 2014/2015 ربما أخطر من سابقه فيما يخص الحريات الأكاديمية. إذ تضمن إصدار قوانين وتعديل قرارات تمهد الطريق نحو مزيد من التضييق والقمع فى الأعوام القادمة، مما يتطلب وقفة أكثر جدية من كل المعنيين بالشأن الجامعي والأكاديمي والبحثي فى مصر لإعادة الحراك الجامعي مرة أخرى للضغط بكل الوسائل علي السلطات المعنية من أجل التخلي عن هذه الإجراءات التعسفية القمعية. كما يبدو من الضروري إعادة  التشبيك بين منظمات المجتمع المدني المعنية وبين مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات المصرية (٩ مارس) وبين الإعلام فى إطار تنفيذ القانون وإجراءات العدالة غير المسيسة من ركيزة استقلال الجامعات كمبدأ حقوقى بعيداً عن أى تسييس.

*أحمد عبدربه: أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، باحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى