أخبار وتقارير

الأمن الغذائي العربي في خطر والبحوث نادرة!

بيروت– يعتبر الأمن الغذائي مجالاً طالما تمّ إهماله في الدراسة الأكاديميّة في منطقة الشرق الأوسط على الرغم من الحاجة الملحّة لدراسة هذه القضيّة.

بدأ الباحثون بإستخدام مصطلح “الأمن الغذائي” في أواخر تسعينيّات القرن الماضي، عندما بدأوا بتحويل تركيزهم من العمل على وقف المجاعات إلى قدرة الأسر والبلدان على توفير إمدادات كافية من الغذاء على المدى الطويل. إكتسب المجال المزيد من الإهتمام عقب الإرتفاع العالمي في أسعار المواد الغذائيّة في عام 2008، نتيجة لعوامل متنوّعة تتراوح من تغيّير الأنظمة الغذائيّة وحتّى إرتفاع أسعار المحروقات.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، شهد كلّ من مجالي البحث والتدريس حول الأمن الغذائي في العالم العربي نموّاً بطيئاً.

سلّط المنتدى العربي للبيئة والتنمية الضوء على أهميّة البحث والتعليم المتعلّق بالأمن الغذائي المتخصّص بكل منطقة عندما ركّز على الموضوع في تقريره السنوي السابع عن أحوال البيئة في المنطقة. وقد شدّد التقرير، الذي تمّ نشره في تشرين الثاني/ نوفمبر، على الحاجة لنظام زراعة وإدارة مياه أكثر كفاءة.

جاء في التقرير”يشكّل الأمن الغذائي مصدر قلق كبير للدول العربيّة، إذ تواصل الدول العربيّة السعي لتحقيق هدف تأمين معدّل أعلى من الإكتفاء الذاتي الغذائي، لكنّ تحقيق هذا الهدف لا يزال بعيد المنال.”

ويشير التقرير إلى أنّ أكثريّة الدول العربيّة تمتلك مساحاتٍ محدودة من الأراضي الصالحة للزراعة ومواردا مائيّة شحيحة.

قال بيار بجّاني، مهندس زراعي، “تمتلك البلدان القليلة التي تتوفّر على أراضٍ صالحة للزراعة تمويلاً متواضعاً أو منعدماً فضلاً عن سوء الإدارة. ويعتبر لبنان مثالاً لهذه الحالة. فقد إمتلك هذا البلد سابقاً مساحات شاسعة من الأراضي الخضراء والخصبة، لكنّ الإدارة غير المسؤولة والمبنيّة على معلوماتٍ مغلوطة قلّصت هذه الأراضي إلى بضع بقع متناثرة على مدى سنين –وغالباً ما ينتهي بها المطاف مواقعاً لبناء المنازل في الجبال والشاليهات الخاصّة القريبة من المنطقة الساحليّة.”

تتّفق نهلة حوالة، عميد كليّة الزراعة والعلوم الغذائيّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت مع ذلك، قالت “لبنان غير مؤمّن غذائيّاً بشكلٍ جدّي لأنّنا نستورد حوالي 85 في المئة من غذائنا.”

لكنّ النسبة العالية من الواردات الغذائيّة وحدها لا تعني بأنّ البلد يفتقر للأمن الغذائي، بحسب كليمنس بريزنجر، الذي يدير فريق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائيّة.

قال “نحن نعتبر البلدان مؤمّنة غذائيّاً إذا ما كان في إمكانها إنتاج ما يكفيها من الغذاء بنفسها، أو إذا ما كان في إمكانها تصدير ما يكفي من السلع أو الخدمات بشكلٍ يكفل تحمّلها دفع تكاليف إستيراد المواد الغذائيّة بشكلٍ مريح.”

 وعليه فإنّ أغلب دول الخليج تعتبر مؤمّنة غذائيّاً، بحسب بريزنجر، لأنّ صادراتها النفطيّة تغطّي وبسهولة تكاليف إستيراد المواد الغذائيّة.

ولكن وعلى الرغم من أنّ تعريف بريزنجر للأمّة التي تتمتّع بالأمن الغذائي سيشمل الإمارات العربيّة المتّحدة وقطر، إلاّ أنّ ذلك لا يعني بأنّ حكومتي هذين البلدين تتّخذان موقفا متراخياً – حيثٌ أنّهم لا يزالون يشعرون بعدم الإرتياح إزاء إستيراد كميّاتٍ كبيرة من الغذاء ، وفقا لبريزنجر.

وبطريقة مماثلة فإنّ الدول الغربيّة لا تحبّ الإعتماد على روسيا أو العالم العربي في توفير النفط والغاز، فإنّ الدول العربيّة تشعر بإنعدام الأمن بسبب إعتمادها على الدول الأخرى في توفير الغذاء. قال بريزنجر، “فبينما يتحدّث الساسة الأوروبيّون حول موضوع التبعيّة في مجال الطاقة، تتحدّث الدول العربيّة عن التبعيّة الغذائيّة.”

تعتمد زراعة المحاصيل الغذائيّة بالتأكيد على المياه، والذي يتوفّر بشكلٍ محدود في بعض الدول العربيّة. حيث يقول تقرير المنتدى العربي بأنّ الجزائر، وتونس، وليبيا، وفلسطين، والأردن، وسلطنة عُمان، وجيبوتي لديها موارد مائيّة شحيحة للغاية. وحدها موريتانيا، والعراق، والصومال تمتلك مستويات كافية من الموارد المائيّة المتجدّدة، مثل الأنهار أو الينابيع. بينما تصنّف مثل هذه المصادر المائيّة في المملكة العربيّة السعوديّة، والكويت، والبحرين، وقطر، والإمارات العربيّة المتّحدة بأنّها “نادرة للغاية”.

يتوجّب على الحلول المقترحة للتحديّات الزراعيّة في العالم العربي أن تتمحور حول مواءمة إستراتيجيّات وبرامج التنمية الزراعيّة بين الدول العربيّة، بحسب التقرير. ويشمل هذا زيادة إنتاج المحاصيل والمياه، وتحسين كفاءة إستخدام المياه، والحد من خسائر ما بعد الحصاد وغيرها، والتشجيع على إستخدام مياه الصرف الصحّي المعالجة لأغراض الري.

ومهما تكن الحلول الممكنة للدول العربيّة، فإنّ حوالة تعتقد بأنّ الخطوة الأولى هي أن تقوم الجامعات ببدء تدريس برامج الأمن الغذائي لإنتاج خبراء أمن غذائي محليّين. قالت “أعلم بأنّ الحكومات مهتمّة بالقضيّة ولذلك فإنّهم يقومون بإستشارة خبراء أجانب، لكن في النهاية يجب أن يتمّ تنفيذ الإستراتيجيّات، ولهذا فنحن بحاجة لوجود خبراء في بلداننا.”

في عام 2011، ألقت جين هاريغان، عالمة الإقتصاد السياسي وأستاذة الإقتصاد في كليّة الدراسات الشرقيّة والأفريقيّة  SOAS  في جامعة لندن، محاضرة في الجامعة الأميركيّة في بيروت بعنوان “إقتصاديّات الأمن الغذائي في لبنان” والتي كشفت فيها عن نتائج أبحاثها التي أجرتها في البلاد. ركّز عملها على الإرتفاع العالمي في أسعار المواد الغذائيّة عام 2008 وإنعكاسات ذلك على لبنان على المستوى الكلّي. ووفقاً لهاريغان، فإنّه وفي معظم السنوات، يتم تلبية حوالي 90 في المئة من إستهلاك لبنان للحبوب عن طريق الإستيراد.

تمتلك العديد من الجامعات العربيّة برامجاً قويّة في العلوم الزراعيّة، لكنّ الجامعة الأميركيّة في بيروت بدأت للتوّ برنامجاً للأمن الغذائي. وقد سجّل ستّة طلاّب لحضور البرنامج الذي يمنح شهادة دبلوم، والذي سيبدأ في الفصل الدراسي المقبل، ومن المتوقّع أن يبدأ في كانون الثاني/يناير المقبل برنامجاً يمنح شهادة الماجستير.

قالت نهلة حوالة، العميد في الجامعة الأميركيّة في بيروت، “لا أعتقد بأنّ هناك جامعة أخرى في المنطقة تمتلك برنامجاً للأمن الغذائي.”

تعتبر المنطقة العربيّة أكبر مستورد للحبوب في العالم، بحسب تقرير المنتدى العربي، لتتجاوز بذلك حتّى قارّة آسيا مع عدد سكّانها الذي يفوق عدد سكّان المنطقة بكثير. ويتوقّع أن تصل واردات المواد الغذائيّة في المنطقة إلى حدود 115 مليار دولار أميركي بحلول عام 2020. ومن الممكن أن يؤدّي التأرجح في أسعار المواد الغذائيّة لحدوث أزمة إقليميّة. كما يشير التقرير إلى أنّ الموارد البشريّة لوحدها – الباحثون – يمكن  لها أن تحسّن الأمن الغذائي في المنطقة وتمنع حدوث مثل هذه الأزمة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى