مقالات رأي

قطر في مرمى نيران الإعلام الغربي بسبب كأس العالم

الدوحة، قطر— القطريّون “منحنون كخنجرٍ عربيّ”، هذا ما قاله ضيف إستضافه راديو هيئة الإذاعة البريطانيّة BBC لمناقشة استضافة قطر لكأس العالم في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2022. لم يعترض مذيع هيئة الإذاعة البريطانيّة على هذا التعليق العنصري. وعندما جاء دوري في الكلام، إستنكرت التصريح، على الرغم من مقاطعتي السريعة– حيثُ لم يرغب مذيع البي بي سي بالإشارة للإهانة وإكتفى بالقول إنّ ميكروفون الرجل قد إنقطع.

إنّ مثل هذا التعليق الخشن عن العرب والقطريّين على إذاعة إخباريّة مرموقة أمرٌ نادر الحدوث، لكنّه يلعب دوراً في بلورة إعتقاد العديد من القطريّين حول التغطية الإخباريّة بخصوص وطنهم والعرب بشكلٍ عام.

هنالك إعتقاد شائع يسود في أوساط القطريّين البارزين ممّن يتابعون الأخبار العالميّة بأنّ قطر مستهدفة بشكلٍ غير عادل من قبل الصحفيّين الأجانب، ممّن يعتقدون بأنّ كأس العالم يجب أن يقام في واحدة من بلدانهم. فيما يعتقد بعض القطريّين بأنّ الدافع وراء مثل هذه التغطية هو العنصريّة.

أمّا خارج قطر، فنجد بأنّ الإنتقادات النموذجيّة تتمحور حول كون البلاد تكاد تمتلك القليل أو لا شيء من تقاليد كرة القدم، وبذلك فهي غير ملائمة لإستضافة كأس العالم نظرا لصغر مساحتها، وظروفها المناخيّة المتطرّفة، ومعاملتها الفظّة للعمالة الوافدة، ورفضها للمساواة بين الجنسين، وكونها فازت بحقوق إستضافة كأس العالم بطرق غير مشروعة.

وكلا الجانبين على حقّ بشكلٍ جزئي.

يبدو بأنّه لم يسبق من قبل أن حظي بلد تقرّرت إستضافته لكأس العالم في غضون السنوات السبعة الاخيرة بهذا القدر من التغطية كما هو الحال مع قطر. فروسيا، التي ستستضيف دورتين من الألعاب الأولمبيّة خلال هذا العقد، تنتهك حقوق أناس أكثر من قطر، ومع ذلك فلم تكن روسيا هدفاً لتغطية سلبيّة في عام 2011 أو إستضافتها لكأس العالم عام 2018 كما هو الحال مع قطر الآن. كما لم تتحمّل البرازيل ذات القدر من التدقيق كما في حالة قطر لمدّة سبع سنين قبل أن يقام كأس العالم هناك. هنالك العديد من الإفتتاحيّات ومقالات الرأي حول الأسباب التي من أجلها يجب ألاّ تستضيف قطر كأس العالم أكثر من تلك المتعلقة بوجوب عدم إستضافة روسيا له، على الرغم من كون كأس بوتين سيكون في غضون ثلاث سنواتٍ فقط.

يجب على كلّ بلد يستضيف دورة الألعاب الأولمبيّة أو كأس العالم أن يستعدّ للإهتمام السلبي. فإذا ما بقي كأس العالم لعام 2022 في قطر، فإنّ القطريّين سيرون تغطية مستمرّة عن إستغلال العمّال، وسجن شاعر، وإعتقال صحفيّين أجانب، والقوانين التي تجرّم المثليّة الجنسيّة والحمل بدون زواج، وأكثر من ذلك.

لكنّ ذات التغطية حول أول كأس عالم يقام في دولة عربيّة تمثّل فرصة جيّدة للتدقيق.

لقد وضعت العنود آل ثاني، إحدى طالباتي الجامعيّات القطريّات، والتي ترتبط بصلاتٍ بعيدة بالعائلة الحاكمة في البلاد والتي تتحدّث بشكلٍ علني عن هفوات حقوق الإنسان في قطر، نقطة جيّدة عندما قالت للراديو الدولي العام Public Radio International في حزيران/يونيو، “عندما ترى كل هذا الكم من المقالات الإخباريّة الي يتمّ نشرها، فإنّني أتّفق مع العديد منها، لكن ليست هنالك وجهة نظر قطريّة واحدة فيها.” لا تتضمّن القصص التي تنشرها وسائل إعلام مثل الهافنغتون بوست Huffington Post، والديلي بيست Daily Beast، ووكالة الأنباء الفرنسيّة AFP، على سبيل المثال لا الحصر، إقتباسات من أي مواطن قطري، عدا بعض التصريحات الرسميّة من قبل المؤسّسة القطرية بين الحين والآخر. كما إنّ العديد من الصحفيّين الغربيّين الذين يكتبون عن قطر لم يزوروا البلاد أبداً، ولا يعرفون أي شخص قطري، ويقومون بإعادة توظيف القصص عن قطر من وكالات أنباء أخرى وهم في مكاتبهم في نيويورك، أو واشنطن العاصمة، أو لندن.

وحتّى الآن، فإنّ المراقبين لوسائل الإعلام القطريّة قد يعتبرون التغطية الإعلاميّة في الفترة بين عامي 2010 و2015 كفترة شهر عسل.

في إستطلاع ضمّ ست دول حول سلوكيّات ومواقف وسائل الإعلام في العالم العربي تمّ نشره في نيسان/أبريل من قبل جامعة نورث وسترن في قطر، ظهر بأنّ ما نسبته 7 في المئة فقط من القطريّين يرون بأنّ وكالات الأنباء الدوليّة منحازة ضد بلدهم. وأكثر من ذلك، فإنّ ما نسبته 19 في المئة، رأوا بأنّ وسائل الإعلام العالميّة منحازة لصالح قطر، فيما قال معظم القطريّين إنّ التغطية الإعلاميّة عادلة. وقد يعني ذلك بأنّ المواطنين القطريّين، وحتّى نيسان/ أبريل، غير مبالين بشكلٍ كبير بشأن التغطية الدوليّة السلبيّة عن بلدهم. كما يمكن أن يعني ذلك بأنّ القطريّين يأبهون للتغطية السلبيّة إلاّ إنّهم يعتقدون بأنّها عادلة أو قد تكون ذات تأثير إيجابي.

لكنّ هذه المواقف قد تتغيّر. فمنذ منحت قطر حقوق إستضافة الفيفا FIFA في عام 2010، وحتّى التغيّير الحديث لمسؤولين الفيفا من سويسرا إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة بسبب إتّهامات بالفساد والرشوة، فإنّ تغطية إخباريّة أكثر عن قطر في وكالات الأنباء الأميركيّة ركّزت على صفقات قطر التجاريّة، والمؤتمرات الدبلوماسيّة، أو توسّع الخطوط الجويّة القطريّة. الآن، يبدو أنّ وكالات الأنباء الأميركيّة تقترب من وسائل الإعلام البريطانيّة في شدّة وإنتقاديّة تغطيتها المرتابة حول قطر. إنّ هذا النوع من القصص التي ظهرت على خدمة البث الإذاعي PBS في 17 حزيران/يونيو، “العمّال المهاجرين يعملون حتّى الموت بينما تبني قطر إستعداداُ لكأس العالم” – كانت لترى بشكلٍ أكبر في وسائل الإعلام البريطانيّة قبل عامين، كما هو حال الإنتشار الفيروسي لرسمة لصحيفة الواشنطن بوست عن وفيّات عمّال الإستعدادات لكأس العالم في قطر. (لقد كان الرسم غير صحيحا، لكن وبدلاً عن التراجع عن القصّة، قامت صحيفة الواشنطن بوست بإجراء تصحيحات وإعادة ملتوية للقصّة).

لا تحظى قطر بشعبيّة في أجزاء من العالم العربي. فقد تمّ إنتقادها للتدخّل في شؤون مصر، وليبيا، وسوريا، وغيرها. كما ينظر إليها كمعارضة للإنتفاضات في الدول المجاورة، كما هو الحال في البحرين. في عام 2010، فازت قطر بحقوق إستضافة كأس العالم قبل أسبوعين فقط من إحراق بائع الفاكهة التونسي لنفسه، لتنطلق عاليا من نصر الفيفا، وتتوجّه بنفسها إلى الصراعات في تونس، ومصر، وليبيا، حيث أفضت إثنتين من هذه الإنتفاضات على الأقل لحالة من الفوضى المستمرّة.

كتب كريستيان كوتيس أولريتشسين، زميل معهد بيكر في جامعة رايس في كتابه “قطر والربيع العربي”، “بشكلٍ إستثنائي بين دول المنطقة، فإنّ المسؤولين القطريّين يرون في إندلاع الإضطرابات في تونس، ومصر، وليبيا فرصة يجب إغتنامها، أكثر من كونه تحدّياً يجب إحتواءه.” وقد يعني هذا، مع الجوّ العام المعادي للطبقات الحديثة الثراء، بأنّ قطر ستواجه نقداً مستمرّاً ليس من وسائل الإعلام الغربيّة فحسب، بل من الصحفيّين العرب أيضاً. ربّما يأتي النقد العربي على الرغم من التغطية الأخباريّة المتعاطفة مع قطر حول كأس العالم التي تعهّد بها بعضٌ من شركاء الإمارة من الدول الخليجيّة.

في كلّ الحالات، ومع تأثّر وسائل الأعلام الأميركيّة بالإعتقالات الأخيرة في الفيفا، فإنّ التغطية الصحفيّة المنتقدة لقطر من المرجح أن تستمر في التصاعد، وبالتالي ستزداد أعداد القطريّين ممّن يشعرون بأنّ التغطية العالمية حول بلدهم سلبيّة. 

يبدو أنّ عمل كلٍ من داعمي قطر والمعلّقين الناقدين لها يتأثّر بالعرق أو الإعتقاد بأنّ الآخرين عنصريّين، إذ يشنّ الصحفيّون نقداً أكثر وأبكر ضدّ قطر ممّا يقومون به مع دول غير عربيّة تستضيف أحداثاً رياضيّة كبرى. يزعم مؤيّدو قطر بأنّ الإنحياز العنصري هو السبب الرئيسي الذي تسلّط من أجله وسائل الإعلام الضوء على مشاكل البلاد الحقيقيّة. فالعديد من الصحفيّين الذين يغطّون مشاكل حقوق الإنسان في قطر هم كتّاب أخبار رياضيّة ومشجّعي كرة قدم ممّن لا يمتلكون بالكاد تاريخاً في الكتابة عن القضايا الإجتماعيّة. يبدو أمراً عظيماً أنّهم يرغبون الآن في الكتابة عن أمورٍ مهمّة، لكنّ هذا التحوّل الفريد يبدو مثيرا للشكوك.

في عام 2014، كتبتُ في صحيفة النيو ريبابليك The New Republic بأنّ قطر يجب أن تحتفظ بكأس العالم لأنّها، وعلى العكس من بعض الدول الأخرى التي إستضافت أحداثاً رياضيّة دوليّة، مثل الإمارات العربيّة المتّحدة، وروسيا، والصين، حيثٌ تستجيب قطر لتغطية سجلّها في حقوق الإنسان بإجراء إصلاحات بين فترة وأخرى.

إذا ما تمّ نقل كأس العالم لعام 2022، فمن المرجّح أن تنحسر تغطية قضايا حقوق الإنسان في قطر، كما يحتمل أن تكون هنالك تحسينات. وفي مقالٍ آخر، نشر في النيو ريبابليك أيضاً، من قبل أستاذ قانون وأستاذ إقتصاد من جامعة شيكاغو، ناقشا فيه كون قطر تنفق المزيد من المال على الفرد لمكافحة إنعدام المساواة في الدخل العالمي أكثر من أي بلد غني، بالإضافة لكون أكثر من نصف سكّان البلد يتألّف من عمّال مهاجرين من البلدان الفقيرة. كما لن يساعد نقل كأس العالم إلى مكانٍ آخر ما يقارب من 1.4 مليون عامل مهاجر في قطر، وهم من يقول معظم الصحفيّين ونشطاء حقوق الإنسان بأنّهم يهتمون لأمرهم.

إنّ صورة قطر العالميّة العالية وإستضافتها لكأس العالم أمرٌ مقلق لكلٍ من المشكّكين في قدرتها وأنصارها، بالنسبة للأوائل بسبب نجاحات البلاد وللأخيرين بسبب إنتقادات وسائل الإعلام الحادّة، لكنّ مباريات كرة القدم في غضون سبع سنين قد توفّر لكلا الطرفين ما يزعمون بأنّهم يرغبون في تحقيقه.

** جاستين د. مارتن، أستاذ مساعد لمادّة الصحافة في جامعة نورث وسترن في قطر، يمكن متابعته على Justin_D_Martin@

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى