مقالات رأي

كيف يمكن للأكاديميين مساعدة الصحافيين وأنفسهم أيضاً

* من الكلمة التي ألقاها رئيس تحرير الفنار  للإعلام  في مؤتمر “تمكين مؤسسات التعليم العالي من خلال تبادل الخبرات وتطوير الحوكمة” الذي نظمه البنك الدولي مع مجموعة شركاء في بيروت 12-14 أيار/مايو 2015.

عندما أطلقنا الفنار للإعلام، قبل نحو عامين، لاحظنا زيادة كبيرة في ميزانية التعليم في إحدى الدول العربية واعتقدنا أن الفرصة سانحة لكتابة مادة جيدة. طلبت من زميلتي رشا فائق الاتصال بالوزارة للحصول على أسباب وتفاصيل زيادة الميزانية. لكنها عادت في اليوم التالي وأخبرتني أن لا أحد يجيب على هواتف الوزارة. يومها قلت: حسناً، لنقم بزيارة مكاتبهم. لكنها أعادت وأخبرتني أنهم رغم إصرارها رفضوا التواصل معها بدون موعد مسبق.

رغم محاولاتنا المستمرة للحصول على معلومات بسيطة لكتابة قصة جيدة فإننا لم نتمكن من ذلك على مدى ثلاثة أيام.

قصة أخرى من تجاربنا في الفنار للإعلام. خلال عملنا على إجراء مسح حول تكلفة التعليم في الجامعات الخاصة في المنطقة. تواصلنا مع جامعة مرموقة في مصر لمعرفة تكلفة الدراسة فيها للعام الدراسي الواحد. فكان جواب المؤسسة: نعتذر لن نخبركم.

إن معرفة كلفة التعليم في جامعة خاصة معلومة أساسية جداً يفترض أن تكون علنية لمساعدة الأسر على مقارنة التكاليف. تمكنا في نهاية المطاف، من إجراء المسح في 13 دولة عربية مع إيماننا الكامل بأن المعلومات المقدمة ستساعد كلاً من الأهالي والمؤسسات التعليمية أيضاً على تحديد موقعها في سلم الرسوم الجامعية.

نتحدث اليوم لإقناعكم بأن مشاركة المعلومات أمر إيجابي. نحن حقاً بحاجة إلى معرفة تأثيرها الواسع على مؤسسات التعليم العربية لإقناع الآخرين أن تقاسم المعلومات فكرة جيدة.

تمنع البيروقراطية والخوف الصحافيين من الحصول على المعلومات. وأعتقد أن الجامعات وزارات التربية والتعليم تحتاج للبدء بالتفكير بأن تبادل المعلومات يجعل مؤسسات تبدو قوية، عوضاً عن القلق من فكرة أن تقاسم المعلومات تكشف نقاط الضعف.

ثانياً، وفيما يخص بتقاليد مهنتي، لا تتوقع أن يكتب الصحافيين بشكل جيد عن مؤسساتكم فقط عندما تريدون أنتم ذلك. كونوا واثقين أن لهم دورهم الخاص في إثارة الجدل حول التعليم والنقاش الذي ينبغي أن يشمل مجموعة واسعة من الناس بما في ذلك أولياء الأمور والطلاب وأصحاب العمل. قد يتسبب النقاش ببعض المتاعب، لكن على المدى الطويل سيتم تحسين التعليم.

وهنا أود اقتراح مبدأ بسيط ثاني يتعلق بتشجيع الصحافة المسؤولة. فعوضاً عن الخوف من الكيفية التي سيتم بها تقديم بيانات عن مؤسستك أو بلدك، وبالتالي الاحتفاظ بها داخل مؤسستك، قدمها للصحافيين. يحتاج الصحافيون في المنطقة إلى إدراك أن التعليم قضية تستحق التناول. ادعوهم لزيارة جامعاتكم أو أقيموا مناسبات في مواقع مناسبة لهم.

تحاول الفنار للإعلام تطوير قدرات الصحافيين المحترفين في مختلف أنحاء المنطقة الراغبين في تغطية قضايا التعليم. ونحن نرحب بكل الجهود الرامية إلى مساعدة في التطوير المهني لهؤلاء الصحافيين.

كنا نحاول القيام بذلك بأنفسنا. إذ أقمنا ورشتي عمل لصحافيين عرب وطلبنا منهم كتابة ثلاثة قصص عن التعليم. كتب معظمهم عن الصعوبات التي تواجه الكثيرين للحصول على التعليم.

تضمن منهاجنا التدريبي مقالات حول قضايا عامة مثل: هل التعليم حق؟  ما جدوى التعليم؟ ماهي مخرجات التعليم المطلوبة في المنطقة العربية؟

كما نرغب في تقديم منح للصحافيين العرب لحضور مؤتمرات التعليم الدولية وبالتالي معرفة سياق مايجري في بلادهم.

تم الحديث عن التصنيفات خلال المؤتمر. إلا أننا نعتقد أن الحديث عن التصنيفات خطير لأنه يمكن أن يلهي عن نقاش أكثر أهمية حول الإصلاح التربوي. تتمتع شركات التصنيف بانتشار واسع وتجذب انتباه الصحافيين، والجامعات، ووزارات التعليم.

مع ذلك، يلتهم النقاش حول التصنيفات وقتاً ثميناً يمكن استغلاله لنقاشات أكثر أهمية كالنوعية وأي جانب من النوعية يجب التركيز عليه، التوظيف أو التعليم من أجل التنوير؟ ماهي نوعية التعليم التي نحتاجها في العالم العربي.

حتى اليوم، يصعب العثور على نقاش عميق حول التعليم في العالم العربي. نحن بحاجة إلى المزيد من الجهود للبدء بحوار مستنير وليس فقط ترديد كليشيهات قديمة من تقارير عفى عليها الزمان.

نحن بحاجة الى مزيد من هذه اللقاءات، بما في ذلك تلك التي تشمل الطلاب الذين غالباً مايتم تجاهلهم عوضاً عن مشاركتهم.

إضافة إلى مبدأ تشارك المعلومات بهدف الإصلاح وليس فقط التصنيفات، فإنني أود اقتراح مبدأ أخر يتعلق بوضع سياسات لتنظيم تبادل البيانات. غالباً ما نتأخر كصحافيين بالحصول على معلومات، حيث نتلقى دائماً نفس الرد: ” نحتاج لموافقة المسؤول.” وبعد أيام، يرد المسؤول أنه يحتاج لموافقة من جهة أعلى وهكذا.

إذا كان هناك سياسات لتشارك المعلومات الجيدة، فلن يكون هناك حاجة للعودة للمسؤولين في كل مرة.

ما يمكن أن يحدث عندما يتم جمع المعلومات ونشرها بشكل صحفي؟

خلال عملنا على استطلاع حول أجور أساتذة الجامعات الحكومية في 12 دولة عربية. كنا نعرف تماماً أننا لا نستطيع الاتصال مع الوزارات والجامعات وسؤالهم بشكل مباشر، لذا عملنا من قاعدة الهرم لقمته. طلبنا المعلومات من الأساتذة أنفسهم، مؤكدين أننا لن نستخدم أسمائهم وأن هدفنا جمع المعلومات فقط. ثم قمنا بفحص المعلومات مع أساتذة أخرين، لاحقاً توصلنا مع المؤسسات التعليمية وسألناهم هل صحيح أن الأجور لديكم تتراوح بين X وy؟

كما قمنا بمقارنة متوسط الأجور مع تكلفة المعيشة في كل بلد لنحصل على نتيجة مؤسفة تظهر صعوبة اعتبار الأستاذة ضمن الطبقة الوسطى في المجتمع، باستثناء الخليج.

كل ما حصلنا عليه كان تقريبياً، ونحن متأكدون من وجود أخطاء لكنها البداية.

على موقعنا، شاركنا الكثير من المعلومات باللغتين العربية والإنكليزية عن اختبارات PISA، التي تجري في أربع دول عربية، إضافة إلى قائمة من أكثر من 300 برنامج ومؤسسة في المنطقة  معتمدة دولياً. نسعى لتأسيس قاعدة بيانات سهلة الاستخدام حول قوانين الترخيص المحلية والاعتماد وضمان الجودة.

نحن مهتمون كثيراً بمعرفة حجم الجهود التي تقوم بها الحكومات العربية لدعم جودة التعليم العالي.

لاتسعى الفنار للإعلام لبناء وسيلة إعلامية فقط ولكن بناء صحافيين مسؤولين يمكنهم الصحول على المعلومات والبيانات والتعامل معها باحترافية. يتوجب علي تنبيهكم أننا لن نكتب دائماً كما تحبون. يعتقد كثيرون في المنطقة أن الصحافة مجرد نوع من العلاقات العامة.

أحياناً، أنتم بحاجة لصحافيين يتحدونكم.

أنا سعيد جداً بحضور هذا اللقاء الذي يركز على تبادل المعلومات وآمل أن يكون خطوة نحو المزيد من العمل المثمر في هذا المجال. وأرجو أن تحافظوا على إشراك الصحافيين كلما تقدمتم قدماً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى