أخبار وتقارير

راعية غنم تقود تعليم الفتيات في قريتها الصغيرة

بلغت منى الثالثة عشر من عمرها من دون أن تمتلك القدرة على القراءة والكتابة. ففي قريتها الحبيل في مديرية باجل – إحدى أكبر مديريات محافظة الحُديدة الساحلية- يعتبر تعليم الفتيات أمراً غير شائع ولا مقبول بسبب العادات والتقاليد الصارمة التي لا ترى ضرورة في تعليم الفتيات اللواتي عادة ما يتزوجن في سن صغيرة جداً.

لكن الإستماع لبرنامج تعليمي لإحدى القنوات المحلية عبر راديو ترانستور صغير كان كافياً لتبدأ منى رحلة تعلم القراءة والكتابة.

قالت “كنت في الثالثة عشرة من عمري ولا أستطيع القراءة والكتابة، كانت أيامي روتينية مملة، في الصباح أرعى الغنم ثم أعود للعمل في البيت.”

تنتشر الأمية بنسبة كبيرة في منطقة باجل، حيث تبلغ نسبة الأمية 70 في المئة بين الإناث. كما تفتقر قرى هذه المنطقة إلى الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وصحة وتعليم ومواصلات، حيث يعتمد الأهالي على هذه الخدمات من قرى أخرى، ويعمل معظمهم في الرعي والصناعات الفخارية اليدوية في حين يعتبر جهاز الراديو أكثر وسيلة تربطهم بالعالم المحيط بهم.

إلى جانب البرامج التعليمية في الإذاعة المحلية، بدأت منى تستمع أيضاً إلى برامج خاصة في التنمية البشرية. قالت “عندما سمعت الدروس شعرت بضرورة التعلم بسرعة، أمضيت شهراً وأنا أحاول كتابة أي شيء أراه، لم يكن خطي جميلاً ويدي ثقيلة في الكتابة.”

لطالما حلمت منى بالإلتحاق بالمدرسة، لكن أقرب مدرسة تقع في قرية أخرى تبعد عنها نحو نصف ساعة في حال توفرت المواصلات في قريتها التي يعتمد سكانها على ركوب الحمير والدراجات النارية للتنقل لوعورة الطرق الرملية.

اهتمام منى بالتعلم لفت انتباه والدها الذي وافق أخيراً على إرسالها لمركز القرية لتحفيظ القرآن مع إخوتها الذكور. قالت منى “في مركز تحفيظ القرآن،  كنت الفتاة الوحيدة بين الذكور، مما دفع بأهل القرية لمضايقة أهلي بسبب دراستي مع الأولاد.”

مركز أبو عبدالله الأنصاري التعليمي (بالإذن من ايكول أكسس- اليمن)

انتقادات أهالي القرية لم تلق أذاناً صاغية عند والد منى. وفي المنزل القروي الذي لا يتوفر فيه الكهرباء والماء، كان والد منى يراجع معها الدروس على ضوء الفانوس ويشجيعها على التعلم.

قالت منى “تشجيع والدي زاد من طموحي ودفعني لسؤال محفظ القرآن عما إذا كان يقبل تحفيظ المزيد من الفتيات. وكانت سعادتي غامرة حين وافق.”

في صباح اليوم التالي حملت منى ورقة وقلم مع صديقتها، وذهبتا تبحثان عن الفتيات اللواتي يرغبن بالدراسة في المزارع وبجانب أبار المياه و في المنازل.

بعد أسبوعين من العمل المتواصل، عادت الصبيتان إلى مركز تحفيظ القرآن ومعهما قائمة باسم 165 فتاة يرغبن جميعاً بالالتحاق بالمركز. قال المحفظ خالد”عندما جاءت منى بقائمة الأسماء، ذهبت في اليوم التالي إلى مركز محو أمية مديرية باجل، وطلبت منهم السماح لنا بشكل رسمي بالعمل تحت إشراف المركز وإعلانه رسمياً مركزاً تعليمياً لقرية الحبيل”.

وبالفعل تم افتتاح مركز أبو عبدالله الأنصاري التعليمي في العام 2006، ليس فقط لمحو الأمية وإنما أيضاً للتعليم الابتدائي لأطفال القرية. ففي الصباح يدرس 130 طفل في كافة المراحل الابتدائية في خمسة فصول، وفي المساء تدرس 165 إمرأة في دروس محو الأمية. اليوم، تعمل منى كمدرسة في صفوف محو الأمية لمادة الثقافة الإسلامية إلى جانب ثلاث مدرسات أتت بهم منظمة اليونسيف العام الحالي إلى مركز قريتها.

بالطبع، توقفت غالبية المدارس والصفوف التعليمية خلال الضربات الجوية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن (إقرأ أيضاً: عاصفة الحزم تحرم طلاب اليمن من دراستهم). قالت منى “بدأنا بالتعليم من جديد، وكنت المشرفة على حضور البنات، كنت سعيدة للغاية شعرت أن نورا دخل عقولنا.”

مع ذلك، مازال هناك الكثير للقيام به. قالت سلام أدم، معلمة في مركز الأنصاري، “يد واحدة لاتصفق، ستضيع كل هذه الجهود في حال لم يتم إنشاء مدرسة ثانوية. ستعود الفتيات لبيوتهن بعد تخرجهن من هنا، إنهن بحاجة مدارس لمراحل متقدمة لإكمال تعليمهن.”

يسعى مركز محو الأمية في مديرية باجل إلى تأمين فرص مواصلة التعليم وتهيئة الفرص التعليمة للدراسين من خلال معاودة المتسربين للالتحاق بمؤسسات التعليم والتدريب ومواصلة التعليم بمراحله اللاحقة. في عام 2014، وصل عدد المراكز العاملة في جهاز محو أمية مديرية باجل إلى 40 مركزاً بعدد 66 صفاً و3200 طالباً وطالبة.

وشهدت الأعوام العشر الماضية إنشاء 110 مدرسة في محو الأمية والتعليم الأساسي والثانوي في مختلف أنحاء اليمن. لكن المراكز تواجه تحديات كبيرة خاصة في القرى النائية التي لا تضم مقرات ثابتة ولاتمتلك منظومة مواصلات.

بلغ عدد الملتحقين بمراكز محو الأمية أكثر من 151 طالب وطالبة. لكن بالمقارنة مع عدد السكان الذي يقارب الـ 25 مليونا نسمة وفي ظل ارتفاع نسبة الأمية التي تبلغ في أوساط الإناث 62 في المئة مازال عدد الملتحقين بمراكز محو الأمية قليل جداً.

اليوم وبعد عشر سنوات، تحولت منى إلى قدوة بالنسبة لفتيات قريتها. كما التحقت شقيقاتها الأربعة الأصغر منها والكثير من فتيات القرية بمركز تعليم قريتها. أحلام منى لم تنتهي بعد، فعلى الرغم من الظروف المادية الصعبة وبعد قريتها عن مراكز المدن الرئيسية إلا أنها تحلم باستكمال تعليمها العالي. قالت “يوما ما سأصل وبنات قريتي إلى التعليم الجامعي، يجب ذلك.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى