أخبار وتقارير

أكاديمي مصري يسعى للتنقيب عن الذهب

القاهرة— لطالما أحبّ ملوك مصر القدماء الذهب، فحرصوا على أخّذ كلّ ما في وسعهم جمعه من المتعلّقات المذهّبة معهم في قبورهم، اعتقاداً منهم بأنّ ذلك سيساعدهم على المضيّ قدماً نحو الحياة الأخرى.

يهتم أحمد جابر، مستشار العلوم الجديد لرئيس الوزراء المصري، بفرص وجود عصر ذهبي جديد لبلاده – بالمعنى الحرفي للكلمة. فما أن تلقّى رئيس الوزراء عروضاً لتمويل أبحاث من الخزانة العامّة، حتى اختار جابر ليلقي على عاتقه هذه المسئوليّة، إلى جانب عمله كأستاذ مساعد لمادّة الجيولوجيا في جامعة بورسعيد.

يتضمّن عمله الأكاديمي التدريس واستخدام تكنولوجيا التصوير عبر الأقمار الصناعيّة لإستكشاف ما تخفيه أرض مصر تحت رمال الصحراء وصخور الجبال. كما عمل جابر مستشاراً للتنقيب عن الذهب لصالح شركة التعدين الكنديّة ألكسندر نوبيا Alexander Nubia.

على صعيد أخر، يتمتع جابر بأناقة تفوق بكثير أناقة عالم إعتيادي، إذ ظهر في مقابلة صحفيّة في وحدة سلاح بحري، مرتدياً بذلة مقلّمة مصمّمة بشكلٍ ممتاز، مع ساعة كلاسيكيّة وقميص أبيض. كما كان شعره مصفّفا بعناية وإبتسامته تفيض بالترحاب.

قال جابر، المعجب بعلماء الجيولوجيا الأوائل في مصر، “أنجز قدماء المصريّين عملاً عظيماً بإكتشافهم للذهب، لقد كانوا علماء جيولوجيا عظماء.”

يعتقد المؤرّخون بأنّ المصريين كانوا الحضارة الأولى التي تنقّب عن الذهب وتستعمله على نطاق واسع، حيث يقدّر علماء الآثار أنّ ذلك قد بدأ في حدود العام 3000 قبل الميلاد.

يعتقد جابر أنّ كميّات كبيرة من الذهب لا تزال موجودة في جبال البلاد الشرقيّة. كما يعتقد أيضا بأنّ الحديد والنحاس موجودان هناك بكميّات تستحق التنقيب.

https://www.bue.edu.eg/

بدأ جابر بمزاولة منصبه الجديد في كانون الثاني/يناير الماضي. وتتلخّص وظيفته في دراسة العروض وإبداء رأيه من وجهة نظر علميّة أكثر من كونها سياسيّة. قال “إذا لم يكن المقترح ذو صلة بمجالي، يتوجّب عليّ أن أقوم بالبحث بنفسي، والتحدّث إلى العلماء بخصوص الموضوع.” مضيفاً “تعلّمت الكثير في مجالات العلوم المختلفة خلال فترة قصيرة.”

يستمتّع جابر – على الرغم من طبيعته المتواضعة – بمنصبه الجديد، إذ يقول إنّه يحب كونه جزءاً ممّا يسميه بتجديد مصر بعد التوعّك الذي ألمّ بالبلاد.

كما يبدو مؤمناً ببرنامج الرئيس المصري عبد الفتّأح السيسي ورئيس الوزراء إبراهيم محلب. قال “إذا كان في الإمكان استعارة كلمة من الرئيس السيسي، سأقول بأنّ مصر كانت في سبات عميق لفترة طويلة، والآن يتوجّب علينا أن نستيقظ. هذا صحيح تماماً.”

لكنّ المنصب الحكومي لا يزال غير كافٍ في جعله يتخلّى عن التدريس في جامعة بور سعيد، حيث لا يزال يمارس التدريس هناك مرّة في الأسبوع بل إنه اشترط ذلك لقبول الوظيفة الجديدة. قال “أفضّل أن أكون مع الطلاب، وقد أخبرت رئيس الوزراء بأنّه لا يمكنني تركهم.”

بالنسبة للباحثين الذين يتقدّمون بطلبات لمنح، فإنّ الأولوية ستكون للمشاريع التي تركّز على مشاكل مصر الحاليّة بالإضافة لأهمية أن يكون المشروع غير مكلّف ومستدام، بحسب جابر.

تنفق مصر 0.43 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي على مجال الأبحاث، وفقا لأحدث البيانات من البنك الدولي. وعلى الرغم من كون الدول الأوروبيّة تنفق نسبة أكبر لتمويل الأبحاث، إلا أن إنفاق مصر مشابه لما هو عليه الحال في الإمارات العربيّة المتّحدة، ويعتبر واحداً من أكبر معدّلات الإنفاق في المنطقة، كنسبة من الناتج المحلّي الإجمالي.

تمّ تقديم جابر لرئيس الوزراء من قبل فاروق الباز، عالم الجيولوجيا المصري/الأميركي الشهير ذو الشهرة الواسعة، والذي قاد الفريق المسؤول عن إختيار مكان هبوط بعثات أبولو التابعة لوكالة ناسا على سطح القمر. (إقرأ القصّة ذات الصلة: حوار مع فاروق الباز: بحثاً عن الثورة الخضراء في مصر).

يبلغ جابر الثامنة والثلاثين من عمره، وقد حصل على شهادة الدكتوراه قبل ثلاث سنوات. يقرّ جابر بأنّ خبرته في مجال العمل الحكومي محدودة، لكنّه يؤمن بأنّ في إمكانه جلب المنظور العلمي إلى طاولة المباحثات عوضاً عن ذلك. بعد حصولهعلى شهادتي البكالوريوس والماجستير في الجيولوجيا من جامعة قناة السويس، التحق جابر بمركز أبحاث الإستشعار عن بعد التابع لجامعة بوسطن، في برنامج تدريبي لمدّة ستّة أشهر في عام 2007. وهناك عمل مع الباز ومشرفته العلميّة مغالي كوتش.

طلب رئيس الوزراء من الباز المشورة بخصوص أبحاث علميّة يمكن أن تثمر عن نتائج ملموسة في مصر، فأخبره الباز بأنّ المناطق الصحراويّة والجبليّة في صعيد مصر غير مستغلّة. كما أخبر الباز رئيس الوزراء بأنّ جابر هو الشخص الأفضل ليتحدّث إليه بخصوص هذا الموضوع.

ينظر الباز إلى جابر على أنّه ابنه المعجزة . قال الباز “لا يزال يسألني ويطلب منّي المشورة، لكنّني أثق في قدرته على الحكم، فهو كفء، وشامل، ومتّزن.”

ليس جابر ذلك النوع من الرجال الذين يقدّمون آراءاً غير محسوبة، بحسب الباز، بل يفضّل العلوم المدعومة بالأدلّة، وهو ما دفعه لتشريحه لرئيس الوزراء. قال “إنّه متأنٍ ولهذا فإنّه يأخذ وقته. قد يكون ذلك معيقاً في بعض الأحيان، ولكنّه أمر جيّد أيضاً.”

تستخدم كوتش، مثل الباز وجابر، تكنولوجيا التصوير الفضائي لدراسة الأرض. تقول كوتش إنّ جابر كان طالباً ذكيّاً ومتحمساً وذو طموحٍ عالٍ. “كنت مندهشة لسرعة تعلّمه وعظيم شغفه بمجال بحثه.” مضيفة “إنّه شخص لطيف الكلام، وودود جدّا، وذكيّ للغاية، ولديه حسّ دعابة، وسخيّ جدّا جدّا.”

ذهب جابر بعد ذلك إلى جامعة توهوكو في اليابان ليحصل على شهادة الدكتوراه. ثمّ عاد إلى مصر عام 2012، حيث أخبرته قراءته للصور الفضائيّة بأنّه من الممكن أن الكثير من الذهب لا يزال موجوداً في الجبال المحيط بالبحر الأحمر.

ويتّفق الباز مع تلميذه في أنّه لا يزال هناك ذهباً موجوداً في مصر – لكنّه يقول إنّه ليس في الإمكان التنبّؤ بكميّاته بشكلٍ دقيق حتّى يبدأ التنقيب عنه.

ربّما استخدم الفراعنة علماء جيولوجيا موهوبين، لكنّهم لم يمتلكوا تكنولوجيا التصوير الفضائي، وهذا يعني بأنّ مناجم ذهب محتملة قد تكون قد غابت عنهم. قال جابر”لا تنسى ميزة التكنولوجيا المتوفّرة لدينا، إنّ التنقيب اليوم سيكون مختلف تمام عمّا كان عليه في السابق.”

تعتبر جبال الصحراء الشرقيّة جزءاً من سلسلة جبال جيولوجيّة قديمة، والتي لم تتعرّض للإستغلال منذ تشكّلها. كما تضمّ صخور الصحراء الشرقيّة أيضا أعراقاً قديمة من الجرانيت والكوارتز، يشرح جابر، وكل هذا يضيف للظروف المثاليّة لتكوّنات الذهب.

سواء تمّ أو لم يتمّ حفر مناجم جديدة، فإنّ جابر يأمل أن يساعد البحث العلمي في مصر على إنعاش البلاد.
AddThis Sharing ButtonsShare to FacebookShare to TwitterShare to ارسال ايميل

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى