مقالات رأي

حوار مع حنان بدر حول مستقبل الصحافة في مصر

القاهرة – ليس الوقت مناسباً للعمل كمراسل صحفي في مصر. ففي الأسبوع الماضي قالت منظّمة العفو الدوليّة إنّ الحكومة تستخدم المحاكم وأحكام السجن لترهيب الصحفيّين.

وقال فيليب لوثر، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظّمة العفو الدوليّة في تصريحٍ له، “في مصر اليوم، أي شخص يتحدّى الرواية الرسميّة للسلطات، أو ينتقد الحكومة، أو يكشف عن إنتهاكات لحقوق الإنسان فهو معرّض لخطر الإلقاء به في السجن.”

ينفي متحدّثون بإسم الحكومة هذه المزاعم مصرين على كون الإعتقالات مشروعة، وقالوا إنّها تجري وفقاً للإجراءات القانونيّة الواجبة. كما قالوا إنّ مثل هذه الإتّهامات مسيّسة.

في ظلّ هذه الأجواء والثورات التي سبقتها، تحدّثت الفنار للإعلام مع حنان بدر، المحاضرة في قسم الصحافة في جامعة القاهرة والباحثة التي درست مسار تحوّل الصحافة في مصر.

حصلت بدر على شهادتي البكالوريوس والماجستير من ذات القسم الذي تدرّس فيه حاليّا، لكنّها حصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة إرفورت في ألمانيا، حيث درست ونشرت أوراقاً بحثيّة عن كيفيّة تأطير الإرهاب في العالم العربي من قبل الصحافة في مصر وألمانيا. تكتب بدر عن السياسة والإعلام في صحيفة التحرير الإخباريّة ومجلّة قنطرة الإلكترونيّة.

في يومٍ ربيعيٍّ مشمس، وفي إحدى حدائق الزمالك الخضراء المحاطة بالطرق المزدحمة وحركة السير من جميع الجهات، تحدّثت بدر عن الكيفيّة التي تغيّرت بها الأمور فيما يخصّ الصحافة المصريّة منذ الإنتفاضات العربيّة وسقوط جماعة الإخوان المسلمين.

هل يقوم الصحفيّون في مصر بنقل الحقيقة فيما يقولونه أم أنّهم أصبحوا أقلّ مصداقيّة بعد موجاتٍ من الحكومات المتعاقبة في السنوات الأخيرة؟

إنّ وسائل الإعلام في العالم العربي ولاسيّما في مصر أكثر تسيّيساً، وبطريقةٍ ما أكثر إثارة – فحتّى أسلوب الكتابة قد تغيّر. إنّها تكتب بنبرة أخبار ترفيه وقيل وقال لكنّ في سياق سياسي.

لكي تعرف حقيقة الحدث الذي جرى نقله، عليك أن تقرأ مقالاتٍ عنه في بضع صحف لأنّ بعضها قد يقللّ أو يبالغ في أعداد الضحايا، والأحداث التي سبقت ما جرى والطريقة التي يتمّ من خلالها عرض المسألة برمّتها. لهذا يتوجّب قراءة عدّة صحف لتكون قريباً إلى حقيقة ما حصل فعلاً. على القارئ أن يتفحّص المسألة، لكم من الذي يمتلك الوقت الكافي للقيام بذلك؟ ولماذا تضيّع وقتك في تصفّح وقراءة نسخ مختلفة عن ذات القصّة لمدّة ساعة؟ أنا أقوم بذلك لأنّها وظيفتي.

بشكلٍ عام، يبدو تحليلك للصحافة المصريّة كأنّه إدانة؟

ليس كلّ شيءٍ سيّئاً. فوسائل الإعلام ليست مجموعة واحدة متجانسة. هنالك تضارب في المصالح ضمن وسائل الإعلام وهناك الخاسرون المتضررون. كما أنّ الإنترنت يوفّر فضاء لوسائل الإعلام الأصغر، ومجموعات حقوق الإنسان، ومراكز الأبحاث المستقلّة – لكنّ السياسة التي تقف وراء وسائل الإعلام الكبيرة ومن يملكها هو ما يخبرك الكثير. هي بالطبع مملوكة من قبل نخبة رجال الأعمال من زمن مبارك – فهم الأشخاص الذين يحصلون على التراخيص بالدرجة الأولى، ويعرفون جيّداً من يمكنه قول ما يساعد في فهم سياق التقرير الإخباري.

لم ينشأ هذا المناخ من جراء تطوّرات العام الماضي فحسب. إنّها مسألة عمرها عقود من الزمن. لدينا الكثير من المشاكل الإجتماعية والإقتصاديّة وهذه إحداها فقط، لذا يتعيّن علينا أن نقرّ بأنّ الواقع صعبٌ حقّاً – حتّى أنّني لا أعرف من أين يمكن أن نبدأ بالحل.

ما دامت هذه المشكلة ليست بجديدة، كيف تسير الأمور في نظرك؟ هل الوضع يتحسّن أم يزداد سوءاً؟

إذا ما قارنّا الوضع الآن مع طموحاتنا وآمالنا في عام 2011، فإنّ الوضع قاتم للغاية بالطبع. لقد تعلّمت الدولة وتكيّفت إعتماداً على تجربتها من الثورة الأولى. لقد أصبحت أكثر مناعة – إنّها تعرف كيف تشقّ طريقها وسط المعارضة الشعبيّة. وفي الوقت ذاته، فإنّ المواطن لم يعد كما كان من قبل. فقد نجح المصريّون في الإطاحة بأربعة رؤساء على الأقل، وهم يعرفون بأنّ في إمكانهم فعل ذلك. لكن في الوقت نفسه، على المرء ألاّ ينسى بأنّ هنالك حالة تعب، هنالك تعب عام، وهنالك أزمة إقتصاديّة. لقد أدرك الجمهور العريض الآن بأنّ التظاهر لوحده لن يحلّ المشاكل.

قبل عامٍ من الآن، كان الجمهور أكثر صمتاً. ومع ذلك، فما أن نتحدّث عن القمع، عن أعداد المعتقلين وحالات التعذيب على سبيل المثال، فإنّ الأوضاع لم تتغيّر، وهي أسوأ في واقع الأمر. القمع لم يخفت، لكنّ الجمهور يتحدّث بشكلٍ أكبر.

إذن الجمهور المصري أكثر نقداً الآن، لكنّ الحكومة أكثر قمعاً؟ فإذا ما عقدنا مقارنة، هل المستقبل أفضل أم أسوأ؟

لا أعرف. آمل أن تتحسّن الأوضاع، لكنّها ستهبط إلى القاع قبل أن تعاود الصعود من جديد. أنت تواجه تحوّلاً سياسيّاً جديداً. التاريخ مثل بندول الساعة، إذا ما ضغطت بشكلٍ كبير، يتوجّب وجود شخص آخر ليعيده مرّة أخرى. المشكلة هي أنّ بعض الناس، لاسيّما رجال الإسلام السياسي، يرون أنّ داعش هي الحل.

إذا ما كانت الحكومة قمعيّة جدّاً، هل يتوجّب عليكِ أن تكوني حذرة في ما تقولينه داخل الفصل الدراسي؟

لدينا صفوف كبيرة الحجم، ولن تعرف أبداً من يحضرها أو ما هي توجّهاتهم السياسيّة – لذا على المرء أن يكون حذراً دائماً عندما يدرّس، لكنّ ذلك لا يعني بأنّني خائفة على نفسي لأنّني لست ناشطة بأيّ شكلٍ كان.

أنا حريصة على عدم تعريض سلامتي للخطر. كما إنّني لن أقول شيئاً كاذباً بسبب الخوف. لكن يتوجّب عليّ أن أكون حذرة، ولذلك فقد لا أقول أشياء أو أفصح عنها تماماً.

ختاما، هل تعتقدين بأنّ طلاّبك سيمتلكون معرفة جيّدة عن مهنة الصحافة عند تخرّجهم؟

غالباً ما تتعرّض مؤسّستنا للنقد بسبب كونها نظريّة جدّاً وليست عمليّة، على الرغم من أنّ هذا الأمر من الممكن أن يكون ظاهرة عالميّة أيضاً أكثر من كونها مشكلة خاصّة بنا.

عندما يتخرّج الطلاب يقولون إنّ أوّل شيء يسمعونه في مكان العمل هو أنّ عليهم أن ينسوا كل ما درسوه في كليّة الصحافة. نحن ندرّسهم ما في الكتب المنهجيّة من أهميّة الموضوعيّة والإنصاف والتوازن وهلمّ جرى. لكنّ المشكلة تكمن في كون العالم الواقعي لا يعمل بهذه الطريقة في حالة مصر. لهذا يتوجّب على الطلاب من أجل أن يعيشوا ويحصلوا على وظائف أن يتأقلموا. كما إنّه لا يمكننا تجاهل تأثير السنوات الخمس الأولى في تدريب أي صحافي جديد.

* لقد تمّ تحرير هذه المقابلة بهدف الإيجاز والوضوح.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى