أخبار وتقارير

تقسيم الصومال يصيب التعليم بالشلل

تشهد الجامعات الصوماليّة بداية التعافي من آثار عقدين من الحرب الأهليّة، إلاّ أنّ قلّة الإشراف الحكومي، والهجرة المستمرّة للأدمغة، والمخاوف الأمنيّة لا تزال تعرّض التعليم العالي في البلاد للخطر. كما لا يتوقّع محلّلون في مجال التعليم أيّ تغيّر في الأمد المنظور.

قال محمّد محمود، طالب الدراسات العليا في مجال الإدارة العامّة في كليّة ولاية إيفرجرين في ولاية واشنطن، والمؤسّس المشارك لمبادرة التعليم العالميّة في شرق أفريقيا، “تعتبر الصومال مثالاً واضحاً على أمّة فقدت وبشكلٍ مؤثّر كامل إمكاناتها التعليميّة لأنّها تعاني من حربٍ مستمرّة ومتفشيّة أنهكت قدرات الحكم المركزي في البلاد.”

وفي الوقت الذي باشرت فيه الأسر والمنظّمات المحليّة التعاون فيما بينها لتوفير تعليم أوّلي يدعم الأطفال في بلداتهم وقراهم، فإنّ الحكومة لم تجعل بعد من التعليم العالي أولويّة لها، بحسب محمود.

يقول محلّلون إنّ وضع التعليم العالي يعكس المشاكل التي واجهها الصومال منذ عام 1991، عندما أطلق سقوط حكومته العسكريّة العنان لحربٍ أهليّة دمويّة. ليعقب ذلك في عام 2006، تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقاليم – أرض البنط “بونتلاند” التي تتمتّع بحكم ذاتي في شمال شرق البلاد، وأرض الصومال ذات الحكم الذاتي في شمال غرب البلاد، والأراضي التابعة للحكومة الصوماليّة في الجنوب. ويرى اخبراء بأنّ هذا الترتيب قد منع الحكومة المركزيّة من إستعادة قدرتها على الحكم.

علاوة على ذلك، فإنّه ومنذ نهاية الحرب الأهليّة، برزت حركة الشباب، وهي مجموعة إسلاميّة متطرّفة مرتبطة بتنظيم القاعدة، لتتحدّى النظام الجديد. في أوائل نيسان/أبريل، قامت المجموعة بمهاجمة كليّة غاريسّا الجامعة في شرق كينيا، لتقتل حوالي 150 شخصا من الطلبة والأساتذة، وتصيب حوالي 80 آخرين بجروح. وفي الرابع عشر من نيسان/أبريل، هاجمت المجموعة وزارة التعليم في مقديشو، لتقتل العشرات من الأشخاص.

قاد الوضع في البلاد منظّمة “صندوق دعم السلام” Fund for peace، لوضع الصومال في المركز الثاني على مستوى العالم في قائمة “مؤشّر الدول الهشّة” بعد جنوب السودان. حيث يعيش ما يقرب من نصف الشعب الصومالي تحت خطّ الفقر، ويسجّل أقل من 45 في المئة من الأطفال في المدارس الإبتدائيّة، وهو من أدنى معدّلات التسجيل للطلاب في العالم، وفقاً لدراسة أجراها معهد التعليم التابع لكليّة لندن الجامعيّة عام 2015. حيث يضيع التعليم العالي وسط قائمة أولويّات البلاد الطويلة، وفقا لمحلّلين.

قال فرحان حسن، الرئيس التنفيذي لشبكة التراث الصومالي الأكاديميّة التي تتّخذ من المملكة المتّحدة مقرّاً لها، “بسبب الحرب وإستمرار إنعدام الإستقرار السياسي، لاسيّما في وسط جنوب الصومال ، فإنّ وضع التعليم العالي في الصومال يبقى ضعيفا. ليس هناك سياسية وطنيّة، ولا وجود لنظام تعليم عالي رسمي اليوم.”

وبسبب إنعدام إطار وطني للتعليم العالي أو بنى تحتيّة على مدى العقود الماضية، فقد تحرّكت جهات فاعلة أخرى وأخذت على عاتقها وبشكلٍ كبير تعليم الطلاب ممّن إجتازوا الدراسة الثانويّة ويطمحون للحصول على دراسات أعلى مستوى، بحسب حسن. شمل ذلك منظّمات المجتمع المدني، وأفراد من المغتربين، بالإضافة إلى منظّمات مساعدات دوليّة وخاصّة تتبع أفراد.

بهذه الطريقة يتمكّن الطلاب في أرض البنط “بونتلاند” من الدراسة، بحسب مسؤولين محليّين في قطاع التعليم.

قال محمود حامد محمّد، نائب رئيس جامعة بونتلاند، “لم تكن هنالك  إدارة حكوميّة قويّة ودعم لما يقارب الربع قرن. لذا فإنّ مؤسّسات التعليم العالي مدعومة تقريباً من النخبة، والمجتمع المدني، والوكالات الدوليّة إلى حدٍّ ما.”

وفي الوقت ذاته، تحرّكت الجامعات الخاصّة لتملأ الفجوة التي تركتها الجامعات الحكوميّة طوال سنين، ليزيد ذلك من الفوضى.

وفقاً لتقرير نشرته الجمعيّة الملكيّة الأفريقيّة عام 2013، “فقد ازداد عدد مؤسّسات التعليم العالي في الصومال خلال عقدين من الحرب الأهليّة، ويلتحق أكثر من 50.000 طالب وطالبة بالدراسة في ما يقرب من 50 جامعة في عموم البلاد.”

لكنّ المشكلة تكمن في كون هذه المؤسّسات في العادة الملاذ الوحيد للطبقة العليا. إذ يدفع الطلاب  9000 دولار أميركي كرسوم للحصول على شهادة الطب في الجامعة الصوماليّة الدوليّة، بالإضافة إلى مصاريف أخرى، كالكتب الدراسيّة على سبيل المثال. وهذا يعدّ مبلغا مرتفعا بالمقارنة مع معدّل مداخيل الصوماليّين، التي تبلغ 600 دولار أميركي سنويّاً، بحسب البنك الدولي.

لقد حوّل غياب الإشراف الحكومي التعليم العالي في الصومال إلى سلعة تًباع وتُشترى، وليس خدمة لتوسيع مدارك قادة البلاد المستقبليّين، بحسب نقّاد.

قال “في الصومال، بإمكان أي شخص يمتلك المال إنشاء مبنى وتقديم تعليم عالٍ بدون إشراف أو أمن مناسبين. فقد تحوّلت مسؤوليّة الإشراف والتمويل إلى أولياء الأمور، والأفراد، والمنظّمات الخاصّة، والمساعدات الدوليّة الخارجيّة. المشكلة تكمن في غياب “أيّ” آليّة للمساءلة على الإطلاق.”

يقول محلّلون إنّ البلاد لا تمتلك آليّة إعتماد وطنيّة، كما لا تمتلك المؤسّسات المنبثقة حديثاً الإمكانيّات للتقديم على طلب إعتمادٍ دولي. وهذا ما يترك الطلاب في حيرة من أمرهم.

وقال محمود إنّ الصومال يدرك بأنّ الوضع لا يمكن أن يستمرّ على ما هو عليه. ومن أجل فعل شيء، يدرك كلّ الناشطين بأنّه من الحيوي أن يكون هنالك تعاون. على سبيل المثال، تدير الحكومة ومجموعات مجتمعيّة محليّة بالتشارك جامعة ولاية بونتلاند، وجامعة عمود في بونتلاند، وجامعة هرجيسا في أرض الصومال “صوماليلاند”.

في عام 2006، شكّلت تسع جامعات صوماليّة ما يعرف بإسم صومالي رين SomaliRen، أو شبكة البحوث والتعليم الصوماليّة، من أجل تحسين المدارس المحليّة بالإضافة للأبحاث على المستوي الجامعي. ويقول خبراء إنّها قد تكون الخطوة الأفضل في البلاد على سبيل تحسين التعليم العالي، وقد تخدم كنموذج يحتذى به.

قال محمود “من أجل أن تتعافى أمم كالصومال، فإنّ هذه الخطوة تشكّل فرصة عظيمة، فبإمكانها التركيز على منح شهادات في مجالات كالزراعة، والطب البيطري، والطبّ البشري، والهندسة المدنيّة، والقانون، والإدارة العامّة، وكل الإحتياجات التي تتلاءم والجهود التعليميّة التي تعتبر أولويّات في البلدات والقرى.”

لكن هنالك عقبات شديدة. إذ تفتقر المدارس والجامعات الصوماليّة للمساحات الكافية في الصفوف الدراسيّة، والتكنولوجيا – بما في ذلك توفّر الإنترنت – والأساتذة، والمصادر المكتبيّة، والكتب الدراسيّة، والمختبرات، والمرافق البحثيّة الأخرى.

في الوقت الراهن، تعرقل الطريقة التي إنقسمت بها البلاد إلى ثلاث أقاليم من التقدّم، بحسب حسن، لأنّ القادة في الأقاليم الثلاثة لا يرغبون في التنازل عن السلطة لبعضهم البعض. يتأمّل حسن في أن تجلب وكالات دوليّة قادة المناطق الثلاث إلى طاولة الحوار للتوصّل إلى إتّفاق يتجاوز السياسة ويحسّن من واقع التعليم.

كما تحتاج البلاد لإجراء محادثات موسّعة بين أصحاب المصلحة والمنظّمات الدوليّة كاليونسكو من أجل التوصّل إلى خطّة لإصلاح الجامعات الصوماليّة، وإبقاء الطلاب الموهوبين في البلاد، بحسب حسن. قال “على الرغم من عدم وجود مفاتيح سحريّة لهذه القضيّة، فإنّه من المهم معالجة ترتيبات التمويل، وطرح بعض الأسئلة الجوهريّة مثل: ما هي غايات، وأهداف، ومعايير، وطموحات، وأيديولوجيّات التعليم العالي في الصومال؟”

لأنّه وفي غياب نظام تعليمي جديد في الصومال، فإنّ قلّة من الصوماليّين الموهوبين سيبقون في البلاد إذا ما سنحت لهم الفرصة للمغادرة، بحسب خبراء. تسارعت هذه العمليّة منذ تسعينيّات القرن الماضي، عندما كانت الحرب الأهليّة تحتدم، وبدأت المساعدات الدوليّة بالتدفّق إلى البلاد.

كما إنّ هذا الوضع يؤخّر التطوير، ويساهم في إستمرار إنعدام الإستقرار.

قال سعيد شيخ محمّد، رئيس جامعة صوماليلاند “أرض الصومال” للتكنولوجيا، “لقد كان النظام التعليمي في أرض الصومال “صوماليلاند” دون المستوى حتّى قبل سقوط الحكومة العسكريّة التي حكمت البلاد. ومن المؤلم أنّ الحرب الأهليّة الطويلة قد جعلت التعافي الإقتصادي والإجتماعي بطيئا. ويساهم غياب التعليم الجيّد في ديمومة هذه الحلقة المفرغة من البطالة والفقر.”

على الرغم من كلّ هذه التحديّات، لا يزال بعض المراقبين متفائلين.

إذ يشير محموّد، نائب رئيس جامعة بونتلاند، إلى تطوّر في إتّجاه تشكيل وتعزيز لجان للتعليم العالي في بونتلاند “أرض البنط” وصوماليلاند “أرض الصومال”. قال “الصومال في وضعٍ صعب، فقد أصاب الأذى جيلين من الشعب – والنظام التعليمي – على الأقل. لكن إعادة البناء من قلب مدنه وقراه، يجب أن يسمح ويرسّخ أوليّات تعليم عالٍ جديد في المستقبل.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى