أخبار وتقارير

خيارات دراسية محدودة لطالبات عكار

عكار– بشال أسود يغطي شعرها وينسدل فوق كتفيها، تمسك منال بكتبها بيدين باردتين. تخبأ في جيوبها لوزاً مقشوراً وحبوب زبيب مجففة لتتسلى في قضمها داخل الصف، وتمرر بعضها الى صديقتيها، فاطمة وخديجة، اللواتي يضحكن كسراً لروتين حصص الشريعة الإسلامية. لات هتم منال كثيراً لدروسها التي تقرأها بشكل عابر قبل أيام قليلة من موعد الامتحان.

ضجر تتحمله على مضض لتتجنب فقط الجلوس في البيت والقيام بواجبات التنظيف والعناية بإخوتها الصغار. إذ لم يوافق والدها المتدّين على دخولها للجامعة التي تبعد أكثر من ساعتين بالحافلة عن بلدتها الصغيرة، فالتحقت بأحد معاهد العلوم الشرعية المنتشرة بكثرة في منطقتها عكار.

قالت منال – اسم مستعار بناء على طلبها – (19 سنة) “الحياة قاسية، وغير منصفة. لو كنت ذكراً لاختلف الأمر. لا يمكن لفتاة في مجتمعنا الريفي الدراسة بعيداً عن عيون أهلها.”

تضم عكار، إحدى محافظات لبنان الثمانية الواقعة في الشمال، نحو 216 قرية وبلدة يسكنها حوالي 478 ألف نسمة. إلا أن عدم وجود جامعات يجبر الطلاب، وخصوصاً الفتيات، على الالتحاق بالمعاهد الشرعية التي تجد رواجاً كبيراً بين ذوي الطالبات.

قالت منال “لم أختر الحجاب ولا دارسة الدين.. كنت أتمنى أن أصبح طبيبة. لكن غياب الجامعة عن بلدتنا وعاداتنا الاجتماعية وأدا حلمي.”

يوجد في عكار اليوم أكثر من 7 معاهد شرعية تابعة لجمعيات دينية وبعضها تابع مباشرة لدار الإفتاء الرسمية. تتخصص هذه المعاهد بتدريس علوم الشريعة وبعض علوم اللغة ومواد الفلسفة من منظور إسلامي وتمنح شهادات لطالباتها بعد ثلاث سنوات. ورغم أن شهادات بعض هذه المعاهد مُعترف بها في  السعودية، إلا أن وزارة التربية لا تعترف إلا بشهادة المعهد التابع لدار الإفتاء. أما فرص العمل المتاحة بعد التخرج فلا تتعدى التدريس في أحد المعاهد مجدداً، لكن معظمهن يتحولن لربات بيوت.

خلال زيارة خاطفة لأحد المعاهد الشرعية، لم يسمح لنا بالتجول في صفوف الطالبات لأكثر من عشر دقائق. قالت معلمة، رفضت ذكر اسمها، “التعليم الشرعي ليس بديلاً أو إلزامياً. إنه اختياري.” مشيرة إلى أن “الفتيات اللواتي لا يرغبن بالدراسة فلسن مضطرات لفعل ذلك.”

مع ذلك، تعتقد المعلمة أن للدراسة في المعاهد الشرعية أهمية خاصة للفتيات حتى ولو لم يعملن مستقبلاً “تساعدهن الدراسة على تربية أطفالهن لاحقاً وتأسيس جيل مسلم يعرف دينه وعلوم شريعته.”

يوجد في لبنان أكثر من 40 جامعة خاصة، لكن غالبيتها تتمركز في المدن الكبرى. حيث تعتبر جامعة البلمند الواقعة في طرابلس أقرب جامعة خاصة للمحافظة لكن أقساطها الباهظة وطبيعتها الأرثوذكسية لا تستهوي أهالي عكار المسلمين المحافظين. في المقابل، لا تكلف الدراسة في المعاهد الشرعية في عكار أكثر من 600 ألف ليرة لبنانية (400 دولار أميركي) في العام. من جهة أخرى، لا تستهوي التخصصات التي يقدمها معهد عصام فارس الجامعي للتكنولوجيا في قرية بينو والتي تنحصر في التكنولوجيا والزراعة والعلوم البحرية الطالبات.

أما حكومياً، فيقع أقرب فرع للجامعة اللبنانية- الجامعة الحكومية الوحيدة في لبنان- في طرابلس، ويضم كلية وحيدة للعلوم لا تستقطب الكثير من الطلاب، لضيق المبنى وعدم توافر تجهيزات مناسبة له.

قالت ماجدة (20 عاماً) إن تعليم الشريعة يساعدها على معرفة دينها بشكل أفضل وأن خطيبها شجعها على ذلك، لكنها كانت تتمنى لو درست الأدب الفرنسي “لم يقبل أهلي أن أذهب للدراسة بعيداً عنهم  فاضطررت لقبول دراسة الشريعة. أفضل من لا شيء.”

وكحال ترخيص الجامعات في لبنان، لا يحتاج ترخيص المعاهد الشرعية لإجراءات معقدة. إذ يكفي أن يكون المعهد تابعاً لوقف أو جمعية معينة حتى يمنح الترخيص. كما لا يوجد إشراف على الكتب والمناهج من قبل وزارة التعليم.

قالت حسن خلف، خبيرة تربوية وناشطة نسوية، “الحل بيد رجال السياسة في عكار، يتوجب عليهم المطالبة بفتح فروع للجامعة اللبنانية على الأقل لضمان وصول التعليم للجميع.”

في المقابل، يدافع ابراهيم حيدر، أستاذ في الجامعة اللبنانية ورئيس قسم التعليم في جريدة النهار اللبنانية، عن أهمية تمركز الجامعات في المدن الكبرى بوصفها “تشجع على الاندماج بين طلاب المناطق المختلفة وتسمح لهم بالتعرف على بعضهم وعلى ثقافاتهم المختلفة، وتجمعهم رغم اختلافاتهم الطائفية والمذهبية والثقافية والمجتمعية.” موضحاً أن ” فتح جامعات في القرى الصغيرة يزيد من عزلتها.”

مع ذلك، يعتقد حيدر أن على الحكومة إيجاد سياسات اجتماعية واقتصادية داعمة لتشجيع “تغيير ذهنية السكان ومساعدتهم على قبول إرسال الفتيات للدراسة بعيداً عن أماكن سكنهم، مع تأمين نقل عام جيد ومساكن لهن تسمح للأهالي بالاطمئنان عليهن.”

يبدو اقتراح حيدر جديراً بالاهتمام، لكنه بالتأكيد سيستغرق وقتاً للتنفيذ وإحداث التغيير المطلوب. حتى ذلك الوقت، ستبقى طالبات عكار أمام خيارين لا ثالث لهما، الدراسة في المعاهد الشرعية أو البقاء في البيت.

قالت بانة بيضون، كاتبة وشاعرة لبنانية، “الدين سجن من نوع آخر حين لا يكون اختيارياً.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى