مقالات رأي

هل التصنيفات الجامعية مناسبة للعالم العربي؟

بدا جلياً من تصنيفات العام الحالي أن الجامعات السعودية تتقدم، في حين كادت أن تغيب العديد من جامعات الشرق الأوسط والمغرب العربي.

 ولكن يجري وراء هذا المسار نقاش أعمق حول مدى فائدة التصنيفات نفسها، دقة بيانات التعليم العالي العربية، حاجة العديد من الجامعات العربية للتواصل مع المؤسسات البحثية الأخرى والتركيز على البحث العلمي في هذه التصنيفات.

ويعتبر تقدم المؤسسات السعودية في التصنيفات ناجم فقط عن أدائها في العلوم وليس العلوم الاجتماعية أو العلوم الإنسانية التي تتطلب نوعا من التحقيق وحرية التعبير واللتان غالبا ما لا يسمح بهما المجتمع السعودي.

 يفخر الأساتذة في منطقة الشرق الأوسط باستقلالهم زاعمين أن هذا لا يقل أهمية عن التصنيف العالمي. في لبنان، يقول رامز معلوف، وهو أستاذ مشارك في الاتصالات بجامعة البلمند، “يمكنني أن أتحدث بحرية في صفي حول حقيقة كوني ملحد. كما أستطيع تعليم داروين في حصصي”.

 “كذلك، إذا كنت أستاذ هندسة معمارية، يجب أن أكون حرا في انتقاد قصر السلطان. هذه الحرية كانت جزءا فكرة الجامعة منذ نشأتها في بادوا وبولونيا”.

 لكن لم تحصل المؤسسات السعودية على مراتب جيدة للفنون الليبرالية، ولا مؤسسات أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بينما حصلت الجامعات الأميركية في بيروت والقاهرة والشارقة على مراتب ضمن تصنيف QS أفضل 800 جامعة، إلا أنهم لم يحصلوا على معدلات جيدة في تخصصات محددة.

 ومع ذلك، كان هناك استثناء واحد: حصلت الجامعة الأميركية في الشارقة على مركز ضمن أفضل 150 مؤسسة في اللغة الإنكليزية والأدب.  في المحصلة، فإن الجامعة الأميركية في الشارقة، مثل بقية الجامعات الخليجية، حصلت على تصنيف أقل من المؤسسات السعودية في تصنيف QS العالمي، لكنها تقلل من أهمية المقاييس.

 “عندما كنت رئيسا لجامعة في الولايات المتحدة، رفضت المشاركة في التصنيف العالمي”، قال توماس هوتشستيتلر، رئيس الجامعة الأميركية في الشارقة بالوكالة، مضيفا “إنها أقرب إلى مسابقات الجمال”.

 “اذا كان هناك تصنيف يمكن أن يوفر المعلومات للأهل حول أفضل مكان لإرسال أولادهم، فإني سأرغب بالمشاركة”.

 وحلت المؤسسات في أماكن أخرى من العالم العربي في أسفل القائمة أو خارج التصنيفات. في مصر، والتي لديها أقدم تراث في الأبحاث في المنطقة، فقط الجامعة الأميركية في القاهرة، جامعة القاهرة وجامعة الأزهر دخلت التصنيف العالمي QS. وقد حلوا بعد ترتيب المؤسسات السعودية في التصنيفات التي تقدم نفسها بوصفها أداة تساعد الأهالي والطلاب المستقبليين لاتخاذ قرار بشأن جامعة.

وغابوا تماما من تصنيفات شنغهاي جياو تونغ وتايمز للتعليم العالي، والتي غالبا نظر إليها على أنها أكثر من أداة صنع السياسات. حتى في تصنيف QS العالمي، واصلت الجامعات المصرية الثلاث تراجعها عاما بعد عام.

 وعلى الرغم من شهرتها في جميع أنحاء العالم الإسلامي وأخذها بعين الاعتبار التوسع عالميا، جامعة الأزهر، وهي واحدة من أقدم الجامعات العاملة، بدت ضعيفة في التصنيفات العالمي.

 يعترف أساتذة أن الجامعة يجب أن تكون في مراتب أفضل. ولكنهم يرجعون تراجعهم على صعيد الأداء الدولي إلى نقص الموارد، قدم التكنولوجيا وعدم القدرة على النشر باللغة الإنكليزية. ويقولون أن تغيير هذه العوامل يستغرق وقتا طويلا.

 “نحن نعمل ببطء لإنجاز كل ذلك”، قال محمد عثمان، عميد كلية الاقتصاد، “ولكن مع عدم وجود موارد مالية، فإن العملية تصبح بطيئة جدا”. ويشير الباحثون التربويون إلى منطقة المغرب العربي تحتاج أيضا إلى تحسين الأداء البحثي. فالمؤسسات في تونس، الجزائر والمغرب غائبة عن التصنيفات العالمي.

 غير أن الجامعات المغاربية تقول إنها تشدد على تدريب نخبة كوادرها على الأبحاث، بحسب التقاليد الفرانكوفونية. لكنهم يقرون بأنهم يأخذون على محمل الجد تصنيفات الجامعات الخاصة بهم.

 “لقد بدأنا بالعمل في العديد من المبادرات لتحسين تصنيفنا [منذ عام 2010]“، كتب أحمد لكروري نائب رئيس جامعة الأخوين للشؤون الأكاديمية في إفران-المغرب، في بريد إلكتروني. وأضاف “نحن نزيد باستمرار موازنتنا الخاصة بالأبحاث، لقد أسسنا صندوق للابتكار، وزدنا الدعم للمشاركين في المؤتمرات الدولية”.

 يشكك الإداريون في الشرق الأوسط والمغرب العربي بقدرتهم على مطابقة التمويل الذي يلتزم به السعوديون للتعليم العالي – ويحسدون مؤسسات التعليم العالي السعودية بسبب التركيز الدولي عليها.

 “صحيح أن اثنتين أو ثلاث جامعات سعودية غالبا ما تأخذ المراكز الأولى في التصنيفات العالمية للعالم العربي” قال لكروري، مضيفا أن “هذا يرجع إلى مواردها الضخمة، لاسيما في مجال البحث العلمي والانفتاح على الصعيد الدولي”.

 في الواقع، أحد الدروس الأساسية المستخلصة من تحليل وضع الجامعات العربية في التصنيفات العالمي هو أن الباحثين في الجامعات العربية يحتاجون إلى الإمكانيات لحضور الاجتماعات الدولية والتواصل مع الشركاء في مجال الأبحاث خارج مؤسساتهم في حال كانت المؤسسات ترغب في تحسين ترتيبها.

 “أن تكون معزولا هو خطأ. إن المشاركة في السوق العالمية هو الطريق للتقدم”، قال بن وايلدافسكي مدير الدراسات العليا في معهد روكفلور في نيويورك، والذي أشرف مرة واحدة على تصنيف جامعات رائدة في الولايات المتحدة، تقرير “ذي يو إس نيوز اند وورلد” للتصنيفات الجامعية.

 ويرجح عنصر الشهرة للتصنيفات، على سبيل المثال، 30 في المئة من نقاط تايمز للتعليم العالي و40 في المئة من نقاط QS، كما أن الشراكات الدولية تساهم في زيادة شهرة المؤسسة دوليا. ويسعى تصنيف تايمز للتعليم العالي لقياس “التوقعات الدولية” من خلال قياس تفاعل الباحثين مع أقرانهم.

 وتعزز الشراكات البحثية، دولية كانت أم غير دولية، معدلات التصنيف. إذ تحلل شركات التصنيفات الأساسية قاعدة بيانات من الاقتباسات البحثية، ومن هذه التحاليل يظهر مسار مهم.

 “لدى تعاون جامعة في بحث مع جامعة أخرى، حتى في نفس البلد، فإنها تجذب 50 في المئة أكثر من الاقتباسات مما لو كانت تنشر وحدها”، قال بن سوتر رئيس وحدة المعلومات QS، والذي يجمع في تصنيفات.

 “اذا حصل التعاون دوليا، فسيحصلون على زيادة 100 في المئة من الاقتباسات أكثر مما لو قاموا بها لوحدهم . إن مفتاح القدرة التنافسية العالمية تزيد من عدد، إنتاجية وفعالية التعاون البحثي”.

 بصورة عامة، ينتقد الكثيرون في العالم العربي التحيز الثقافي والتنموي للتصنيفات العالمي: في الحقيقة إن المؤسسات الغربية الأكثر ثراء تهيمن على التصنيفات العالمي، وهي تحبذ التعاون الدولي بدل الشراكات البحثية الإقليمية.

 وقد يقول البعض إن المقارنة الإقليمية بين الجامعات يمكن أن تكون مفيدة، إلا أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليست ببساطة مستعدة للتصنيفات في الوقت الحاضر. أظهرت دراسة قامت بها مؤسسة كارنيغي حول الجامعات في المنطقة العام الماضي أن معظم الجامعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليسوا قادرين على توفير بيانات دقيقة عن المواضيع التي تستخدمها شركات التصنيفات في حساباتها.

 “أحد المؤشرات السريعة في دراستنا تظهر وجود فجوات شديدة في البيانات التي يجري جمعها عبر المؤسسات”، قال رجيكا بانداري، من معهد التعليم الدولي للتربية، الذي شارك في دراسة كارنيغي. “كان هناك القليل من البيانات حول النشاط البحثي. كما وجدنا أن بيانات الكلية كانت ضئيلة في جميع المجالات”.

 في المقابل، تؤكد شركات التصنيف العالمي صحة التقرير. وهم يصرون على أن نوعية البيانات ومعدلات الاستجابة تتحسن في المنطقة.

على أية حال، يشكك النقاد في جدوى تصنيفات المؤسسات وصناع القرار.  ويرى البعض أن تصنيفات الشركات قد يكون لها جانب استشاري، تحليل بيانات وأعمال دعائية تجعل من الحكام غير منحازين.

وتجدر الإشارة إلى عدم تحمل تضارب محتمل في المصالح. ويقول كثيرون أن سطحية موضوعية التصنيفات العالمية هي مجرد سطحية.

 “لا ينبغي أن يكون التصنيف أساسا لاتخاذ القرارات. إنه يحتوي على أخطاء: البيانات غير سليمة”، قالت إلين هيزلكورن من معهد دبلن للتكنولوجيا، الذي يقدم المشورة بانتظام للحكومات بشأن فائدة التصنيف العالمي.

 يقول الأكاديميون في المنطقة إن التصنيفات هي فقط أداة لقياس تقدمهم. “لا نعمل من أجل التصنيفات”، قال سعيد الشمراني الذي توجت كليته الأفضل في العالم العربي من قبل QS التعليم.

وأضاف “ليس من الصعب أن تنشر في المدونات العربية أفكارا بحثية تعود إلى ما قبل عامي 10 أو 15 سنة. وتعني التصنيفات بأننا نحاول النشر في مجلات جيدة.. للتنافس مع الآخرين”.

 ساهم محمد عبد الباقي في القاهرة بإعداد هذا التقرير. هذه المقالة هي جزء من مجموعة مقالات.

بإمكانكم أيضاً قراءة ” كيف تقدمت الجامعات السعودية في التصنيف العالمي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى