أخبار وتقارير

تعاليم دينية متشددة تسيطر على جامعات العراق

في الوقت الذي يفرض فيه مسلّحو تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش” حكمهم الديني القاسي على الجامعات في أجزاء كبيرة من شمال غرب العراق، تزداد أيضاً قبضة القوى الدينيّة المحافظة على التعليم العالي في بقيّة أنحاء البلاد.

يتباين عمق التأثير الديني على الجامعات العراقيّة من جامعة لأخرى. لكنّ قوانين ذات صبغة دينيّة تنظّم الملبس، والمناهج، والفعاليات، وسياسات أخرى أكثر صرامة انتشرت عقب غزو الولايات المتّحدة الأميركيّة للعراق عام 2003. ففي أعقاب ذلك، حلّت ملصقات دينيّة في الغالب محل صور الدكتاتور السابق صدّام حسين. وفي السنوات الأخيرة، أصبح المناخ الديني أكثر حدّة.

قالت فرح مراد، التي تخرّجت حديثاً من قسم اللغة الإسبانيّة في جامعة بغداد “خلال العامين الأخيرين، كان هنالك تدخل هائل في إملاء ما يتوجّب على الطلاب إرتداؤه. تمّت تنحية العميد العلماني السابق وقام العميد الجديد بفرض قوانين متشدّدة على الطلاب، مع الكثير من الندوات والإحتفالات الدينيّة.” مضيفة “أعتقد بأنّه من المهم أن تبقى الجامعة بعيدة عن التدخّلات السياسيّة والدينيّة.”

يقف مراقبون عند مداخل الجامعات ليتأكدوا من أنّ أعضاء الكليّة والطاقم التدريسي والطلاب لا يرتدون الجينز، وأن تنانير الطالبات والموظفات لا ترتفع أكثر من 15 سم عن الكاحل، بحسب ما قال طلاب. وتقول بعض الطالبات إنّهنّ قد بدأن بإرتداء ملابس فضفاضة لتجنّب الإستماع لدروس حول المظهر.

ازدادت القيود منذ نحو ثلاث سنوات، عندما تقدّمت كتلة من مشرّعي القوانين في العراق بطلب اعتماد الملابس الإسلاميّة في الجامعات. عوضا عن ذلك، فرضت وزارة التعليم العالي قوانين تنظّم الملبس تتضمّن زيّاُ موحّداً. قال علي الأديب، وزير التعليم العالي في حينها “الهدف هو تقليص الفوارق الطبقيّة بين أبناء الأسر الغنيّة والفقيرة.”

مظاهرة لطلاب الهندسة في جامعة المستنصرية

اختارت القليل من الجامعات الإلتزم بزيّ موحّد. مع ذلك، طالبوا بلوائح تنظّم الملبس والتي تعكس في الغالب وجهات نظر المدراء الدينيّة.

في أيلول/ سبتمبر الماضي، تم الإعلان عن  تغيّيرات في قوانين الملابس  للسنّة الدراسيّة الجديدة، بحيث بدت قوانين التي فرضتها وزارة التعليم العالي وكأنّها تتبنّى نغمة دينيّة أكثر تشدداً. قال نبيل هاشم الأعرجي، رئيس جهاز الإشراف والتقويم العلمي في الوزارة، في تصريحٍ له إنّ القوانين شدّدت على “أهميّة الاحتشام والوقار للطالبات في جميع المراحل”.

مع ذلك، يبدو أنّ قوانين الزي الجديدة تفرض بصورة انتقائية على الجامعات العراقيّة.

قالت عفراء عبد عبّاس، طالبة التربية الرياضيّة في جامعة بابل حيث تجري محاولات لمنع الطالبات من التبرّج وإرتداء البناطيل تحت الأردية الطويلة “الجبب” ويتوقّع من الطلاب الذكور تجنّب قصّات الشعر الرائجة، “يقوم أستاذ مسؤول عن شؤون الطلاب بالإشراف على موضوع الزيّ، إنّه يراقب ملابس الطالبات، وإذا ما رفضن ذلك، قد يقوم بشتمهن وسحب هويّاتهن الجامعيّة.”

يتجاوز التغيّير في المناخ الأكاديمي بكثير موضوع الملابس. حيث يبدي بعض المشرفين المتديّنين إستياءهم من إستقدام فرق الدي جي في الحفلات ويراقبون دردشات الطلاب عبر الإنترنت. في أواخر العام الماضي، قام مسؤولون في جامعة البصرة بإيقاف طالب الهندسة، محمّد عيدان حسين، لمدّة شهر بسبب إنتقاده لقوانين الزيّ الجامعي عبر موقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك.

في المقابل، تعتمد درجة الرقابة الدينيّة على شخصيّات بعض الأكاديميّين.

قال علي، طالب الطب في جامعة ذي قار في الناصريّة طلب عدم كشف اسمه كاملاً، ” منعوا إحدى الطالبات التي لا تغطّي شعرها من الدخول إلى الجامعة، على الرغم من أنّه لا يوجد ما يمنعها من الدخول وفق القانون. لاحقاُ، تمّ السماح لها بالدخول لأنّ والدها أستاذ في الكليّة.”

تشعر عبّاس بأنّها لا تمتلك الكثير لتلجأ إليه في التعامل مع المدراء المتديّنين. قالت “لطالما إشتكينا لأساتذتنا، لكنّهم قالوا بأنّ الأمر ليس بيدهم.”

ينفي طلاب آخرون تعرضهم للكثير من المضايقات. لكنهم رفضوا المدراء المتعصّبين دينيّاً ووصفوهم بأنّهم ريفيّون ضيّقي الأفق.

قالت إعتزاز عبد الستّار، طالبة الهندسة في جامعة بابل، “للأسف، الكثير منهم ليسوا من المدن، بل من مناطق ريفيّة ويرغبون بفرض قيمهم الثقافيّة على الطلبة،” مضيفة “في كليّتنا، لا أحد يفرض مثل هذه القوانين. لا يعبأ الأساتذة المثقّفون ذوو الشخصيّات القويّة بمثل هذه الأمور السطحيّة.”

لكنّ المراسيم الدينيّة مثل أربعينيّة الإمام الحسين – حيث يجلد الأتباع المخلصون أنفسهم لإستذكار استشهاد الإمام الحسين – شائعة جدّاً الآن حتّى في الجامعة المستنصريّة في بغداد، إحدى مؤسّسات البلاد الرئيسيّة.

قالت رفقة رعد، التي تخرّجت قبل سنوات بشهادة في الفلسفة من الجامعة المستنصريّة، “يحرص الطلبة من الطوائف والأديان الأخرى على إلتزام الصمت، لكن كان هنالك شعور بأنّنا لم نعد ننتمي إلى هنا.”

في ذات الوقت، يقول الطلاب إنّهم غير مجبرين على حضور المؤتمرات والمحاضرات الدينيّة والتجمّعات الأكاديميّة الدينيّة الأخرى، لكنّ العديد منهم يقول إنّهم يشعرون بأنّه يتوجّب عليهم الحضور لأنّ المدراء المتديّنين سيلاحظون غيابهم.

قالت رعد “كان هنالك الكثير من المؤتمرات الدينيّة في الجامعة، إحداها ناقشت التشابهات بين فكر يسّوع المسيح والإمام الحسين وغيرها.”

لم يخترق الدين المناهج الدراسيّة بعد، وفقاً للطلاب والأساتذة، فيما عدا مادّة الأحياء.

قالت مها الداوودي، طالبة أحياء في جامعة بغداد، “يتمّ تجاهل موضوع التطوّر أحيانا، وهو شيء أساسي بالنسبة لنا. شرح أحد الأساتذة النظريّة مرّة، قائلا بأنّ للإنسان وقرد الشمبانزي سلف مشترك. لكنّ العديد من الطلاب اعترضوا، ذاكرين آدم وآيات قرآنيّة، ونظريّة الخلق. فأغلق الأستاذ الموضوع بعد ذلك.”

إلى جانب الكليّات المخصّصة للطلاب من جنس واحد، فإنّ الفصل بين الجنسين ليس بالأمر الشائع، على الرغم من أنّه يحصل، لاسيّما في الدروس العمليّة في كليّة التربية الرياضيّة. ففي جامعة بابل، تتلقّى طالبات كليّة التربية الرياضيّة دروساً في السباحة، لكنّهن لا يتمكّن من النزول إلى الماء في الواقع.

قالت عباس “دروس السباحة للطالبات نظريّة فقط الآن، نحن لا نمتلك بركة سباحة في الكليّة. ولا يوجد مسبح مخصّص للنساء في محافظة بابل. يذهب الطلاب الذكور إلى مسبح مفتوح في بابل. قبل 2003، اعتاد الطلاب من كلا الجنسين الذهاب معاً لأحد المسابح في بغداد.”

إحدى التفسيرات لما يحصل تظهر بأنّ المدراء المتديّنين لا يتصرّفون من تلقاء أنفسهم. حيث يساعد ذوو الطلاب عادة في فرض تفسيرات متشدّدة للإسلام على الحياة الأكاديميّة. كما إنّ لجوء الطلاب للمدراء لا يساعدهم في الغالب.

قال علي، طالب كلية الطب، “أرادت مجموعة من الطلاب الإحتفال بتخرّجهم في داخل نادي الجامعة. فقاموا بإحضار فرقة موسيقيّة، لكنّ طلاب متديّنون قاموا بقطع التيّار الكهربائي لمنعهم من عزف الموسيقى. تجادل الطلاب فيما بينهم، وذهبوا إلى العميد. لكنّ العميد قال إنّه غير مسموح بالموسيقى بعد أن هدّده الطلاب المتديّنون بالإتصال بأحد أعضاء مجلس المحافظة من حزب الفضيلة الإسلامي.”

قالت النائبة البرلمانيّة العراقيّة شروق العبايجي، العضو في التحالف المدني الديمقراطي، الكتلة العلمانيّة التي تمتلك ثلاث مقاعد في البرلمان، إنّ إرتفاع المدّ الديني في الجامعات العراقيّة يعكس كيف تمكّنت شخصيّات دينيّة محافظة من ضمان السلطة السياسيّة. “لا توجد تبريرات لقوانين الزيّ، إنّها مؤشّر على طريقة التفكير المركزيّة فقط، هنالك الكثير من الندوات الدينيّة في الجامعات. إنّها ظاهرة غير صحيّة.”

وأضافت العبايجي أنّ تصاعد المدّ الديني خلق جوّاً من الإختلافات بين المسؤولين ممّن يمتلكون رؤى متباينة عن الإسلام والتي تقود التعليم العالي العراقي في إتّجاه سيّء. “هنالك صراعات لاسيّما وسط تصاعد الإستقطاب الطائفي، الأوضاع تتّجه نحو الأسوأ للأسف.”

قالت مراد، خرّيجة اللغة الإسبانيّة، إنّها خرجت مع طلاب آخرين في مسيرات عندما كانت في الكليّة ليظهروا بأنّ العديد من الطلاب لا يرغبون بمناخ ديني في جامعة بغداد. “إذا بقيت الهيمنة الدينيّة على هذه الشاكلة، فإنّه لا يسعنا إلاّ أن نتشاءم. لكن ومع التظاهرات المستمرّة من قبل الطلاب والأساتذة، قد تتحسّن الأمور مستقبلاً.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى