أخبار وتقارير

تزايد عدد الجامعات العربية الباحثة عن الاعتماد الدولي

على بعد نحو 40 ميلاً تقريباً من المركز التاريخي الحيوي لمدينة فاس، وفي سلسلة الجبال المغربيّة تقع جامعة حكوميّة تبحث عن اعتماد أميركي.

ومع حصول مدرسة إدارة الأعمال، ومركز اللغة، وبرنامج علوم الحاسب الآلي في الجامعة على الاعتماد من قبل وكالات أجنبيّة، فإنّ جامعة الأخوين، التي تدرّس باللغة الإنجليزيّة، تسلك طريق الحصول على سمة اعتماد دولي لكامل المؤسّسة.

قال شريف بلفقيه، المدير التنفيذي لمكتب الإتصالات والتنمية في جامعة الأخوين، “لماذا نقوم بذلك؟ لأنّه جزء من عمليّة ضمان جودتنا. إنّها فرصة لتطوير، وتغيّير، وتبنّي، وجعل برامجنا في المستوى المطلوب.”

من أجل الإرتقاء بجودة التعليم، وتعزيز قيمة الدرجات العلميّة الممنوحة، وإضفاء المزيد من الهيبة، فإنّ أعداداً متزايدة من الجامعات والبرامج الدراسيّة في عموم العالم العربي تسعى للحصول على اعتماد من وكالات أجنبيّة في أوروبا والولايات المتّحدة الأميركيّة بالدرجة الأولى. (انظر قائمتنا الخاصة بالجامعات والمؤسسات التعليمية المعتمدة دولياً)

بدوره، قال جورج نجّار، المستشار الخاص للرئيس التنفيذي لجمعيّة تطوير كليّات إدارة الأعمال AACSB International – مؤسّسة اعتماد مقرّها الولايات المتّحدة الأميركيّة، “ربّما كان هنالك وقت فيما مضى، عندما كان الاعتماد خياراً، مجرّد ريشة في قبّعة إحدى الجامعات أو كليّات إدارة الأعمال. لا أعتقد أنّ الأمر كذلك الآن. إنّه الآن أمر إجباري وحاجة ملحّة.”

بلغت العديد من المؤسّسات الأكاديميّة في الشرق الأوسط سنّ الرشد، بحسب نجّار، والذي يشغل منصب العميد أيضاً في الجامعة الأميركيّة اللبنانيّة في بيروت. كما أنّ واقع العولمة والتنافس زادا من الضرورة القصوى لأيّ كليّة أن تبني قدرتها ليتمّ اعتمادها إذا ما رغبت أن تكون في موقف حسن وسط مجتمع مؤسّسات التعليم العالي ذو الجودة، قال نجّار.

لا يعتبر الاعتماد الدولي بالتأكيد الخيار الوحيد المتاح عندما يتعلّق الأمر بقياس جودة التعليم العالي. حيث تمتلك بعض الأقطار العربيّة وسائلها الخاصّة في ترخيص الجامعات ومراقبة مستويات التدريس والمناهج فيها. وتعتبر الشبكة العربيّة لضمان الجودة في التعليم العالي من المنظّمات الرائدة في هذا المجال.

حاولت منظّمة دوليّة واحدة على الأقل الإستفادة من التوق الشديد للحصول على اعتراف دولي من خلال عرض معنى مختصر لعنوان “الاعتماد” لا يشبه إلاّ قليلاً العمليّة الحقيقيّة التي تستغرق سنوات للحصول على الإعتماد. حيث قامت منظّمة الإعتماد الدوليّة، والتي لا تمتلك عنوانا فعليّا على موقعها الألكتروني، بأخذ الأموال من المؤسّسات العربيّة مقابل نسخة شديدة السطحيّة من الأعتماد. (إقرأ: مراقبة وهميّة لجودة جامعات إلكترونيّة.) يتوجّب على المدراء، وأولياء الأمور، والطلاب توخّي الحيطة والحذر من مثل هذه المنظّمات، بحسب خبراء.

لكنّ النسخة الأكثر شمولاً من الإعتماد الدولي لا تزال محط البحث لدرجة أنّ بعض المؤسّسات قد بنيت حول هذه الفكرة.

“من الأمور الغريبة، أنّ إثنتين من أكثر الجامعات المرموقة ذات الطراز الأميركي في منطقة الخليج قد صمّمتا مسبقاَ وفكرة الاعتماد في البال،” كتب الأستاذان نيما نوري وبيا-كرستينا أندرسون في مقال نشراه في المجلّة الدولية للسياسة والثقافة والمجتمع في شباط/ فبراير عام 2013. إذ تأسّست كلّ من الجامعة الأميركيّة في الشارقة وجامعة زايد مع مبانٍ وموقع يسهّل حصولهما على الاعتماد، وفقاً للمقال. وقد تمّ الآن اعتماد كلا المؤسّستين من قبل مجلس الولايات الوسطى للتعليم العالي الذي يتّخذ من الولايات المتّحدة الأميركيّة مقرّاً له.

من وكالات الإعتماد الأخرى جهاز تحسين الجودة الأوروبي ومقرّه بروكسل، والذي يقوم باعتماد كليات إدارة الأعمال. فيما يعتبر مجلس الإعتماد الأكاديمي للهندسة والتكنولوجيا – ومقرّه الولايات المتّحدة الأميركيّة – ABET نموذجا لوكالات الإعتماد التي تعترف ببرامج أكاديميّة منفردة – وقد إعتمد المجلس لوحده أكثر من 260 برنامجا في المنطقة.

ويقع حوالي الثلثين من البرامج الأكاديميّة المعتمدة من قبل مجلس الإعتماد الأكاديمي للهندسة والتكنولوجيا خارج الولايات المتّحدة ي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحسب مايكل ميليغان، الرئيس التنفيذي للمنظّمة. وتشكّل البرامج المعتمدة من قبل المجلس في المملكة العربيّة السعوديّة، وتركيا والإمارات العربيّة المتّحدة النسبة الأكبر، على حد قوله. قال ميليغان، “في العديد من الحالات، ترغب تلك البرامج في الحصول على إعتماد بطريقة تجعلها مساوية في الجودة للبرامج الموجودة في الولايات المتّحدة وأماكن أخرى.”

على المستوى المؤسّساتي، فإنّ معظم الجامعات – إن لم يكن جميعها – والتي تسعى للحصول على الإعتماد من قبل مجلس الولايات الوسطى للتعليم العالي تفعل ذلك من أجل المزيد من الإعتبار، بحسب ريتشارد بوكراس، مدير الإتصالات والعلاقات العامّة لدى المنظّمة.

قال بوكراس في رسالة إلكترونيّة، “إنّهم يعلمون بأنّ معايير الإعتماد من قبل المجلس صارمة ويشعرون بأنّهم إذا ما تمكّنوا من تحقيقها فإنّ ذلك سيعطي إنطباعا جيّدا عن مؤسّساتهم. وهذا سيمكّنهم بدوره من كسب المزيد من الطلبة مع دليل بأنّ برامجهم الدراسيّة دقيقة جدّا وفعّالة.”

يستغرق الحصول على الإعتماد سنوات عديدة، ويتضمّن تقيّيماً ذاتيّاً بالإضافة لزيارات ميدانيّة وتقيّيما من قبل وكالات الإعتماد. يتوجّب على المؤسّسات أن تبرز عملها وفق إستراتيجيّات واضحة وأهدافا تدريسيّة، وبأنّها مستقرّة ماديّاً، وقادرة على إدامة تراكيبها التنظيميّة بما يضمن تحقيق أهدافها، بالإضافة إلى متطلّبات أخرى.

تعد مدرسة إدارة الأعمال في الجامعة الأميركيّة في القاهرة، من المعالم البارزة في المنطقة. حيث حصلت مؤخّراً على ما يعرف باعتماد “التاج الثلاثي” من قبل وكالات اعتماد في أوروبا، والولايات المتّحدة الأميركيّة، والمملكة المتّحدة، وهي حالة نادرة.

وبالنظر إلى موضوع الإعتماد، قال كريم صغير، عميد مدرسة إدارة الأعمال، “أكثر الجوانب إيجابيّة في ذلك، هو أنّك ستجعل الجميع يصطف معا لتحقيق هدف واحد، وهو ليس بالأمر اليسير.”

وتعتقد جمعيّة تطوير كليّات إدارة الأعمال الدوليّة AACSB، إحدى مؤسّسات إعتماد كليّات إدارة الأعمال، بأنّ هناك تزايداً في الإهتمام بالحصول على الإعتماد في لبنان، والمملكة العربيّة السعوديّة، والإمارات العربيّة المتّحدة. قال نجّار، المستشار الخاص للمدير التنفيذي للمنظمة “يمكن أن تواصل العد لتشمل العراق، وقطر، ومصر، وتونس، والمغرب، ونيجيريا، وكينيا. هذه هي كلّ الدول التي أعرف بأنّ فيها كليّات إدارة أعمال في طابور الإنتظار أو في طريقها للتحضير لدخول طابور إنتظار الإعتماد من قبل جمعيّة كليّات إدارة الأعمال الدوليّة.”

تواجه بعض المؤسّسات رفض طلبات إعتمادها. قال مارك ستودارد، مدير عمليّات رابطة برامج ماجستير إدارة الأعمال والتي تتّخذ من لندن مقرّاً لها، “في الواقع هنالك القليل فقط من المؤسّسات التي تقابل معاييرنا عندما يتعلّق الأمر ببرامج الماجستير في إدارة الأعمال ، بالنسبة إلينا، فإنّ شهادة الماجستير في إدارة الأعمال، هي درجة تستحق بعد الخبرة بشكل أساس. في قسم الشرق الأوسط، يحصل عدد لا بأس به من الطلاب على شهادة الماجستير من دون خبرة عمل مسبقة، وهذا سيستثني تلك الكليّات أوتوماتيكيّا من الحصول على الإعتماد من قبلنا.”

في حالات أخرى، يكمن التحدّي في السياقات التي تعمل الجامعات وفقاً لها.

وبينما تجتاح الفوضى المنطقة بأسرها، تصارع كليّات إدارة الأعمال من أجل أن تظهر لوكالات الإعتماد بأنّ الخبرات التعليميّة التي توفّرها دوليّة – ومثل ما تتوقّع تلك الوكالات. قال صغير العميد في الجامعة الأميركيّة في القاهرة “عندما نقول دوليّة فإنّني أعني بأنّك تمتلك طلاب من دول العالم المختلفة، وكليّة دوليّة، ومحتوى عالمي.” موضحاً”إنّ التحدّي الأكبر في المنطقة، آخذين في الإعتبار التطوّرات السياسيّة والإقتصاديّة خلال السنين القليلة المنصرمة، يكمن في صعوبة جذب طلاب دوليّين.”

وبينما لا تشكّل هذه مشكلة بالنسبة للجامعة الأميركيّة، قد تواجه بعض المؤسّسات الأخرى صعوبة في تلبية معايير البحث، يضيف صغير. حيث يتطلّب البحث تفرّغ كوادر الهيئة التدريسيّة ومنحاً خارجيّة. قال “المشكلة هي أنّ معظم كليّات إدارة الأعمال في المنطقة العربيّة هي مؤسّسات تعليم فحسب.”

وقال ستيف بارسكال، مدير الإعتماد لدى مجلس إعتماد برامج وكليّات إدارة الأعمال الأميركي، إنّه قد يكون من الصعب بالنسبة للبعض توفير معايير الإعتماد ذات التباين الثقافي الواسع. “من الشائع أن توفّر الكليّات والجامعات من خلال تعليم الطلاب ما نعتبره تعليماً عامّاً، كمواضيع في الرياضيّات، والتاريخ، واللغة الإنجليزيّة. لكنّك تجد في العديد من الأقطار العربيّة، والعديد من دول الشرق الأوسط، من يفترض بأنّ التعليم قد تمّ في مرحلة الدراسة الثانويّة، وبالتالي لا يستمرّون في توفير المزيد من ذلك في المرحلة الجامعيّة اللاحقة.” فضلا عن ذلك، فإنّ بعض المؤسّسات الدينيّة التي تعمل في مباني مملوكة للكنائس أو الجوامع قد تتعارض مع متطلّبات الإعتماد التي تشترط إمتلاك الجامعات لمبانيها الخاصّة بها.

من الممكن أن يتمّ الإبطاء في الإعتماد أو إيقافه تماماً – من قبل وكالات الإعتماد نفسها، ورغبتها في إجراء زيارات ميدانيّة.

في عام 2009، أوقف مجلس الولايات الوسطى للتعليم العالي مشروع الطيّار الدولي الخاص به International Pilot Project – والذي أدّى في السابق لمنح اعتماد للعديد من المؤسّسات في المنطقة – بسبب الضغوطات التي فرضها المشروع على كادر المجلس بالدرجة الأولى، بحسب بوكراس.

من وجهة نظر الجامعات العربيّة، فإنّ موظّفي وكالات الإعتماد قد يشعرون بتململ شديد فيما يخصّ السفر إلى المنطقة العربيّة، من دون الإلتفات إلى الفوارق الأمنيّة بين تلك الأقطار. فبعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر عام2001 في الولايات المتّحدة الأميركيّة، أوقفت مجموعة مقرّها الولايات المتّحدة اعتمادها لجامعة الأخوين. قال بلفقيه “لا أعرف ما الذي يفكّرون فيه، لكنّهم قالوا ببساطة بأنّه لا يمكننا الإستمرار. إنّها مسؤوليّة تقع على عاتقنا. لا يمكننا أن نجازف بإرسال الناس إلى هناك.”

وعليه وبسبب غياب هيئة اعتماد وطنيّة – وبسبب الرغبة في في الحصول على اعتراف خارجي – فقد عاودت الجامعة سعيها للحصول على إعتماد دولي.

قال بلفقيه “عندما تسعى للحصول على إعتماد دولي، فإنّك تثبت نفسك مع بقيّة دول العالم ممّا يمنحك إعترافاً دوليّاً.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى