أخبار وتقارير

البحرين تحظر التعليم المفتوح

يقدم التعليم المفتوح فرصاً جديدة لتعلم البالغين، الذين لديهم التزمات عائلية ومهنية ويبحثون عن سبل استكمال تعليمهم الجامعي في فترات مسائية وخلال العطل. لكن أسلوب التعليم الثوري هذا، والمتبع في أجزاء كثيرة في العالم، محظور في البحرين.

فمنذ عام 2010، أصدرت وزارة التربية والتعليم في البحرين قراراً أوقفت بموجبه معادلة وتقويم الشهادة الجامعية التي تمنحها مؤسسات التعليم الأجنبية عن طريق نظام التعليم المفتوح ونظام الدراسة بالانتساب ونظام التعليم عن بعد. لتصبح  الخيارات الوحيدة المتاحة للطلاب البحرينيين تتمثل بالالتحاق بواحدة من أكثر من 20 مؤسسة تعليم عالي في البلاد وفق نظام التعليم التقليدي، والذي يتطلب حضور الطالب بشكل أساسي للجامعة. وعلى الرغم من تقديم بعض المؤسسات التعليمية لفترات دراسية مسائية، إلا أن تكلفتها قد تصل لأكثر من 4000 دولار أميركي لكل فصل دراسي وهي تكلفة مرتفعة كثيراً مقارنة بالدراسة في مؤسسات أجنبية.

يشعر سعيد رضا، بحريني يبلغ من العمر 28 عاماً، بالمرارة لعدم تمكنه من استكمال تعليمه العالي في الوقت الذي أصبح فيه الكثير من رفاقه مهندسين ومعلمين. ينحدر رضا من أسرة متوسطة الدخل، مما دفعه لترك الدراسة مبكراً. حالياً يعمل رضا في شركة خاصة في المنامة، وهو متزوج ويعول عائلة من خمسة أفراد. قال “حاولت التسجيل في جامعة القاهرة للتعليم المفتوح، لكن الوزارة في البحرين قالت إن شهادتي لن يتم الاعتراف بها مما يعني أنني سأنفق أموالاً بدون جدوى.”

البحرين ليست البلد العربي الوحيد الذي يرفض الاعتراف بالتعليم المستمر أو الإلكتروني. إذ يقول طلاب مصريون إن شهاداتهم تخولهم لاستكمال دراستهم العليا في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، لكن أرباب العمل في مصر يفضلون أصحاب الشهادات الجامعية التقليدية.

على صعيد آخر، تعتمد الجامعة العربية المفتوحة في البحرين – فرع من الجامعة العربية المفتوحة الأم – نظام الإنتساب فقط وتعترف بها الحكومة، لكنها لا توفر سوى تخصصين للدراسة وباللغة الإنكليزية مع ارتفاع رسومها.

قبل صدور القرار الوزاري الأخير، لجأ العديد من البحرينيين ممن فاتهم قطار الجامعة للدراسة في الجامعات المصرية التي توفر نظام التعليم عن بعد مثل جامعتي القاهرة وعين شمس بأسعار مناسبة. حيث تسمح الجامعتان للطلاب بالتسجيل وإجراء الامتحان في مقر الجامعة بالقاهرة أو في أحد الفروع التي تتواجد في بعض الدول العربية مثل السعودية وقطر للتسهيل على الطلاب الذين لا يستطيعون السفر كل فصل دراسي إلى مصر لإجراء الاختبارات.

مازال القرار الوزاري الصادر عام 2010 سارياً حتى اليوم، بحسب تأكيدات إدارة العلاقات العامة في وزارة التربية والتعليم في مدينة عيسى. وأوضحت أن اللجنة الوطنية التابعة للوزارة ترفض الموافقة على شهادات التي تمنحها النظم التعليمية “غير النظامية” بسبب ” سوء مخرجات تلك المؤسسات “.

في عام 2013 ظهرت أزمة جديدة بسبب رفض الوزارة اعتماد شهادات عدد من الطلاب، الذين تخرجوا من جامعات مصرية، رغم أن القرار أشار إلى السماح للطلاب الذين التحقوا بالجامعات قبل تاريخ صدوره بإستمرار الدراسة ومنحهم حق الاعتراف بشهاداتهم. كما تمت مناقشة القضية عدة مرات في البرلمان والمحكمة أيضاً.

من جهة أخرى، تتهم الوزارة مراكز بعض الجامعات في الخارج بكونها تشهد عمليات غش جماعي، وأن الجامعات التي تعتمد نظام التعليم المفتوح تفتح أبوابها للطلاب من أجل ربح الأموال فقط وتمنحهم الشهادات دون دراسة جدية وعن طريق السماح لهم بالغش خلال فترات الامتحانات.

في بعض الزيارات إلى مراكز الاختبار، لم يلحظ مراسل الفنار للإعلام وجود أي حالات غش جماعي. ففي مركز مدرسة ابن خلدون الدولية في عرقة في الرياض، أكد مسؤولون أن امتحاناتهم تعقد كل فصل دراسي تحت إشراف محمد الطوخي، نائب الرئيس، وأحمد جلال، مدير مركز التعليم المفتوح، واثنين من أساتذة آخرين .

في قاعات الامتحان، جلس نحو 80 طالب وطالبة من دول عربية مختلفة في قاعتين مختلفة، وفقاً للتقاليد السائدة في المملكة. كما تواجدت مشرفات لمراقبة امتحان الطالبات.

بدى واضحاً وجود رقابة صارمة من قبل المراقبين. وعند اكتشاف حالة غش فإن الامتحان يتم إلغاؤه فوراً، بحسب ما قال أحد المشرفين. كما لايتم السماح للطلاب باستخدام الهواتف القنالة أو الذهاب للحمامات خلال الامتحانات.

وكشف مراجعة درجات الطلاب في العام الماضي عن رسوب العديد من الطلاب مما يعزز رواية المركز حول عدم السماح بعمليات غش جماعية أو وجود تساهل في تصحيح الأوراق. لكنها قد تؤكد رواية الوزارة حول نقص الإشراف العلمي المطلوب. حيث أكد عدد من الطلاب أنهم يحصلون على الكتب التي ترسلها لهم الجامعة بعد التسجيل ودفع الرسوم وبعض الملخصات التي تساعدهم لكنهم لا يجدون دروساً كافية للمراجعة على الإنترنت على غرار جامعات أخرى.

بدورهم، قال وكلاء المركز إن الطلاب لديهم بطاقات جامعية تخولهم حضور المراجعات التي تجرى في الجامعة الأم بالقاهرة وزيارة المكتبة كحال طلاب التعليم النظامي، كما أن نسبة الرسوب قد تعود لإنشغال الطلاب بأعمالهم وعدم وجود وقت كافي للمراجعة، لكنهم يحاولون “تحسين الآداء الدراسي كل عام”.

على صعيد أخر، تبلغ رسوم الإلتحاق للفصل الدراسي الواحد في مركز الجامعة بالرياض للطلاب المصريين 4000 ريال سعودي (1000 دولار أمريكي). بينما تصل الأسعار للطلاب العرب والاجانب إلى 7000 ريال (1860 دولار).  وتساعد الجامعة الطلاب القادمين من مدن ودول أخرى لتأجير شقق قريبة من مقر انعقاد الامتحانات، فيما تنخفض الأسعار كثيراً عند آداء الامتحانات في مصر.

على سبيل المقارنة، تبلغ رسوم الجامعات الخاصة البحرينية 2000 دينار ( 300 دولار أمريكي)  لكل فصل دراسي. وهي أغلى بأكثر من 3 مرات من نظيراتها المصرية. كما أن رسوم الجامعات الخاصة هي أكثر من خمس متوسط الدخل السنوي في البحرين، البالغ  9.000 دينار ( 24153 دولار أميركي) في عام 2013، وفقاً لتقرير حديث صادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات.

قال أحمد، طالب في عين شمس فضل عدم ذكر اسم عائلته، إنه يدرس نفس الكتب التي تدرس لطلاب الجامعات البحرينية. لكن يتوجب عليه الاعتماد على نفسه لدراسة ومراجعة الدروس دون حضور المحاضرات اليومية.

لا تعترف السعودية على غرار بقية دول الخليج بنظام التعليم المفتوح لكن الشركات الخاصة هناك تقبل الطلاب الحاصلين حصلوا على شهادات هذا النظام. أما في البحرين، فإن خريجي برامج التعليم عن بعد لا يجدون وظائف عادة في القطاعين العام والخاص.

في مركز رئيسي للتوظيف في منطقة الجفير بالعاصمة البحرينية المنامة، حضر رجل يرتدي بدلة سوداء طالباً تسجيل اسمه ضمن قائمة الباحثين عن عمل. بعد مراجعة سريعة للأوراق التي يحملها، قال الموظف للرجل الذي كان فيما يبدوا متأهباً لسماع خبر سيء، إنه سيتم تسجيله كخريج مدرسة ثانوية رغم حصوله على درجة جامعية نظرا لصدور الشهادة من جامعة أوروبية وفق نظام الانتساب. بعد مشادة كلامية قصيرة، وافق الرجل وغادر المبنى.

لحل مشكلة غياب الثقة بجودة تعليم برامج التعليم عن بعد، يقترح الخبراء على وزارات التعليم إقامة مراكز الاختبار للتحقق مما يتعلمه هؤلاء الطلاب أو حتى إعداد برامج خاصة بها. في غضون ذلك، يبقى العديد من الآباء والأمهات والموظفين البالغين بعيدين عن الفرص التعليمية التي يمكن أن تساعدهم على تحسين حياتهم الشخصية والمهنية.
AddThis Sharing ButtonsShare to FacebookShare to TwitterShare to ارسال ايميل

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى