أخبار وتقارير

الجزائر تحارب تجارة الدروس الخصوصية

تلمسان، الجزائر- منذ أكثر من عقد مضى، كانت الدروس الخصوصية تقدم فقط للطلاب المتأخرين دراسيًا. ولكن الحال اختلف الآن؛ حيث يتلقى تقريبًا كل طالب جزائري يسعى إلى الالتحاق بالجامعة دروساً خصوصية.

إذ أصبحت هذه العملية مربحة بالنسبة للمدرسين واستغلالية بالنسبة للطلاب، ومنتشرة في مختلف دول العالم العربي. ولكن في الجزائر يحاول مسؤولو التعليم وقف هذه التجارة.

حيث أعلنت وزير التربية والتعليم نورية بن غبريث عن رغبتها في إقامة نقاط تفتيش في المدارس لتتحقق من كونها لا تدعم أية فصول دراسية خارج نطاق اليوم الدراسي. كما تخطط للبدء في حملة توعية ضد هذه الممارسات.

وقالت بن غبريث في تصريح لها في أواخر كانون الثاني/يناير “يعتبر التفتيش الدوري ضروريًا لوقف انتشار هذه الظاهرة غير الأخلاقية في مدارسنا.”

وأضافت “لا ينبغي أن يشعر أولياء الأمور بالخوف والقلق مع اقتراب وقت الامتحانات.” مشيرة إلى الوقت الذي يزيد فيه الضغط للتسجيل للحصول على هذه الدروس الخصوصية.

لاقى تصريح الوزيرة قبولاً لدى الأهالي، الذين يعتقدون أنه “حان الوقت.”

 قالت فاطمة زهراء، 50 عامًا، إحدى الأمهات “يستفيد المدرسون اليوم كثيرًا من هذا الوضع. فهم لا يهتمون بتقديم الدروس لمساعدة الطلاب الضعاف على فهم دروسهم، وتحسين درجاتهم، ولكنهم يفعلون ذلك بغرض جمع المال.”

بدأ أولياء الأمور والطلاب في السعي وراء الدروس الخصوصية بأعداد كبيرة خلال العقد المظلم والذي بدأ خلال التسعينيات، وهي فترة الحرب الأهلية في الجزائر.حيث زادت وقتها شعبية الدروس الخصوصية بين الأثرياء ممن كانوا يخشون إرسال أولادهم إلى المدارس.

وعندما انتهى الصراع في عام 2002، استمرت هذه الظاهرة وانتشرت بين طبقتي المجتمع متوسطة ومنخفضة الدخل. وفي نفس الوقت، فشلت الجزائر في إصلاح مدارسها. حيث عانت المناهج من القدم والركود، وعانى المدرسون من ضعف رواتبهم.

ونتيجة لذلك، اعتبر الكثير من المدرسين الدروس الخصوصية وسيلة لكسب المزيد من المال وضرورة لاغنى عنها.

قالت بوعيد سميرة، مدرسة ثانوي في مدرسة داود محمد دجابلي الثانوية “لا تكاد رواتبنا تفي باحتياجاتنا الأساسية. والحكومة لا تدفع لنا ما يكفينا.” وأضافت “لو كانت رواتبنا عادلة، ما كانت لهذه الظاهرة أن توجد من الأساس.”

ولكن الطلاب وأولياء الأمور يقولون إن النظام أصبح استغلاليًا، مع تحول الدروس الخصوصية إلى فصول إلزامية.

قالت فادية بن سعد، طالبة في الصف الثالث الثانوي في مدرسة مدجاوي حابري “يتعمد المدرس إهمال التدريس في الفصل حتى نأتي له للمساعدة. وإذا عرف أننا ذهبنا إلى مدرس آخر ليساعدنا، لن يعطينا الدرجة التي نستحقها في مادته.”

يعتبر التعليم العام مجانيًا في الجزائر. ولكن تكلفة المساعدات الإضافية للطلاب زادت كثيرًا خلال العقد الماضي.

قالت فاطمة أريوط، إحدى الأمهات “عندما كانت ابنتي الكبرى في الثانوية العامة في عام 2006، كانت تكلفة الدروس الخصوصية في الشهر حوالي 500 دينار (ما يعادل 5,70 دولارًا أمريكيًا). أما بالنسبة لابنتي الصغرى والتي تخرجت في العام الماضي، كان هذا المبلغ يكفى لحصة واحدة مدتها ساعتين.”

في هذا الأيام، يحتاج أولياء الأمور إلى وضع تكلفة هذه الدروس ضمن حساباتهم عند تقدير إجمالي تكلفة تعليم أطفالهم.

قالت نورهان نسرين، طالبة في آخر عام في المرحلة الثانوية “يجب أن أحضر الدروس الخصوصية. فلدينا أستاذ في الرياضيات يطلب منا حضور الدروس في منزله، حيث يحضر مئات الطلاب دروسه في موقف السيارات في منزله.”

ويقول الطلاب إنه إذا حالفهم الحظ، يقدم لهم المدرس الحصص في إحدى الفصول الفارغة. وإلا سيكون عليهم أن يجلسوا في البدروم أو موقف السيارات والذي عادة ما يكون باردًا وغير مجهز. ومع وجود أكثر من 50 طالبًا في بعض الحصص، يجب أن يحضر الطلاب قبل الموعد بساعة ليجدوا مقعدًا جيدًا يجلسون عليه.

ولكن المشكلة تكمن في الظاهرة التي يقر مسؤولو التعليم بصعوبة وقفها والسيطرة عليها.

قالت بن غبريث “يمكننا وقف هذه الممارسات بفاعلية عندما تظهر في مدارسنا. ولهذا السبب، ينبغي توعية الآباء والطلاب حول هذه القضية ومطالبة المدرسين باحترام مهنتهم.”

يتبرأ الكثير من المدرسين بالفعل من هذه الممارسات. قال محمد بوتشا، مدرس بمدرسة رمتشي الثانوية “يتلخص دور المدرسين في تعليم الطلاب، وهو واجب وطني. ولكن القيم الأخلاقية لا تُحترم اليوم. فالجميع لا يفكر إلا في كيفية جمع المال في أسرع وقت ممكن.”

وقالت فاطمة زهراء، والتي تعمل أيضاً كمعلمة ثانوي، بمرارة عن هذه الظاهرة والتي وصفتها بأنها تعوق العملية التعليمية “هناك بعض المدرسين يعِدون الطلاب بأنهم إذا حضروا دروسهم، سيحصلون على مذكرات أفضل حول أسئلة الامتحانات. ويضعون أسئلة الامتحانات على أساس ما درسوه في هذه الحصص. ويعتقد بعض الطلاب بالفعل أنهم يتحسنون بمجرد حصولهم على درجات أفضل في الامتحانات. من المفترض أن يعلم المدرس الطلاب، ولكن في هذا الزمان، أصبح المدرسون كرجال الأعمال يفكرون فقط في جني المال.”

في النهاية، يأمل أولياء الأمور أن يتمكن مسؤول التعليم من إحراز تقدم فيما يخص وقف هذه الظاهرة، والتي وصفها المهندس مصطفى صلاح، أحد الآباء بأنها ظاهرة غريبة واستغلالية؛ “إنها مشكلة ذات جذور عميقة ومن ثم ينبغي التعامل معها سريعًا.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى