أخبار وتقارير

السعودية: لا وظائف كافية لحملة شهادة الدكتوراه

جدّة – تمتلك نورا يوسف ما قد يعتبره البعض هنا وظيفة ممتازة، فهي تعمل في مكتب محلّي لشركة طاقة عالميّة نصف العام وتجري أبحاثاً في الجامعة الأميركيّة في النصف الآخر من العام.

ويساعد هذا الترتيب يوسف، الحاصلة على شهادة الدكتوراه، على تجنّب “العيش في الفقاعة الأكاديميّة” كما تقول، وفي ذات الوقت فهي تحقّق رغبتها في المساهمة في تطوير بلادها.

مع ذلك، قالت يوسف “لكنّني حالة نادرة”.

فخارج النطاق الأكاديمي، يمتلك أولئك الحاصلون على شهادة الدكتوراه فرصاً ضئيلة للعمل في السوق السعودي ويواجهون العديد من التحديّات من أجل العثور على وظائف.

يشهد إقتصاد المملكة العربيّة السعوديّة إزدهاراً. ويتوق العديد من السعوديّين لإمتلاك إقتصاد معرفي ينتج تكنولوجيا جديدة، وأدوية، ومنتجات أخرى تتولّد عن أبحاث. ولكن وكما هو حال العديد من دول الخليج، فإنّ الإقتصاد لا يزال معتمداً على النفط بدرجة كبيرة، حيث شكّل نسبة 92 في المئة من العائدات السعوديّة عام 2012، وفقاً لمؤسّسة النقد العربي السعودي. ويحدّ ذلك من حجم الوظائف التي تتطلّب شهادات دكتوراه بحسب يوسف.

قالت “يتطلّب إقتصادنا في الغالب كوادر ذات مهارات متدنيّة.” تتعاقد الأقطار التي تركّز بشكل أكبر على الإبتكارات مع الخبراء، والباحثين، والمتخصّصين بالتكنولوجيا الحديثة. في المملكة العربيّة السعوديّة، نحن مجرّد مستهلكين في أغلب الأوقات.”

وقالت منيرة جمجوم، والتي تحمل شهادة الدكتوراه أيضاً، بأنّ جزءاً من المشكلة يكمن في أنّ البحث في المملكة العربيّة السعوديّة – بما في ذلك الجامعات الوطنيّة – يبقى ضعيفاً. “نحن نمتلك أبحاثاً قليلة جدّاً في قطاعنا الخاص. حتّى الشركات المتعدّدة الجنسيّات العاملة في المنطقة لا تتطلّب في الغالب باحثين يحملون شهادات دكتوراه في أيّ مكان عدا مقرّاتها الأصليّة، والتي تقع في الغالب خارج المملكة العربيّة السعوديّة.”

أمّا في القطاع العام، فإنّ وجود الأشخاص ممّن يحملون أعلى الشهادات الممكنة محدود أيضاً. حيث يشكّل حاملو شهادة الدكتوراه ما نسبته 2.3 في المئة فقط من العاملين في الوظائف الحكوميّة، وفقاً لإحصائيّات وزارة الشؤون الإجتماعيّة.

إلاّ إنّ محدوديّة فرص العمل لم تثني أعداداً متنامية من الطلاب السعوديّين عن متابعة دراساتهم العليا – وهي زيادة تغذّيها برامج المنح الدراسيّة التي ترعاها الحكومة للدراسة في الخارج. تظهر إحصاءات وزارة التعليم العالي للعام الدراسي 2012-2013، تخرّج أكثر من 900 طالب دكتوراه سعودي في الخارج وفقاً لبرنامج المنح الحكوميّة،  في مقابل 400 طالب في العام السابق، و71 طالب فقط في العام الدراسي 2010-2011.

حصل أشرف فقيه حديثاً على شهادة الدكتوراه من كندا في علوم الحاسب الآلي من خلال منحة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن السعوديّة، وهي إحدى أرفع المؤسّسات في البلاد، ويعمل كمدرس فيها الآن. قال الفقيه إنّ برامج المنح تنتج أعداداً من حملة شهادة الدكتوراه أكثر ممّا يتطلّب الأمر. ويلقي باللوم فيما يخصّ الفجوة على غياب التنسيق بين وزارة التعليم العالي، والجامعات، وسوق العمل. قال “لكنّني لا ألوم الوزارة وحدها،” لأنّ أساسيّات الإقتصاد السعودي بالكاد تغيّرت خلال العقود الماضية، بحسب فقيه.

لكنّ الفقيه، على أيّة حال، سعيد بالعمل في المجال الأكاديمي، قال “لقد كان هدفي دائما أن أدرّس.” كما يلقي الفقيه باللوم على الطلاب الذين يدرسون الدكتوراه ولايمتلكون خططاً مسبقة لخطوتهم اللاحقة.

أمّا بالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن عمل خارج الجامعات، فلم يبق أمامهم سوى قطاع واحد ليلتفتوا إليه ألا وهو الشركات الإستشاريّة. قالت يوسف”إنّه القطاع الوحيد الذي يشهد إزدهاراً في السعوديّة، والذي يمكنك فيه أن تجني المال من معرفتك.” فالشركات الإستشاريّة، كما قالت، تبحث عن باحثين ذوو خبرات عالية ليعملوا في مجالات خبرتهم وخارجها، قالت “لأنّهم يبحثون عن مهاراتك في حلّ المشكلات، وقدراتك البحثيّة، ومهاراتك التفكيريّة، وهذا يتطلّب منك أن تكون مرناً.”

وقالت جمجوم، التي بدأت مشوارها الوظيفي في شركة إستشاريّة تعليميّة، بإنّه “يتوجّب على الخرّيجين أن يأخذوا زمام الأمر بأيديهم. علينا ألاّ نلقي باللوم دائماً على وزارة العمل أو وزارة التعليم العالي.” وأضافت “إنّ العثور على وظيفة يتوقّف عليك حقّا. إذا ما كنت ذكيّا، وموهوبا، وبإمكانك التسويق لنفسك، فإنّك ستعثر على وظيفة.”

وقالت سارة زيني، خبيرة التعليم، والتي ساهمت في تأسيس شركة إستشاريّة مع جمجوم، بإنّ “يتبع الطلاب غالباً نمطاً مجازفاً لا يشجّع الشركات الخاصّة على توظيف حاملي شهادة الدكتوراه. فهم يحصلون على شهادة البكالوريوس، والماجستير، ومن ثمّ الدكتوراه من دون الحصول على خبرة في الحياة والعمل. ولا يعود الكثير منهم سوى بسنوات من المعرفة النظريّة. فعلى الرغم من أنّ العديد من الجامعات تشدّد بإزدياد على الخبرة العمليّة والتدريب، إلاّ أن العديد منها لا  يفعل ذلك.”

لايمتلك الطلاب ممّن يحصلون على شهادة الدكتوراه من المنح في الخارج، والذين يُطلب منهم العمل كأكاديميّين حال عودتهم إلى الوطن بشكل خاص ، الوقت الكافي لاكتساب خبرات عملية. قالت زيني  “إنّها نفس الدماء تجري في نفس المكان من دون بناء خبرة حقيقيّة.” كما لاحظت أيضاً بأنّ العديد من الوظائف المعتمدة على الأبحاث تتركّز في العاصمة الرياض، مما يعني فرصاً أقل في بقيّة أنحاء المملكة.

تعتقد زيني بأنّ الحلول لهذه الفجوة يجب أن تبدأ من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى معاً، فعلى الشركات أن تغيّر ثقافتها من خلال السماح بمشاركة المزيد من الباحثين المتعلّمين جيّداً. فيما يتوجّب على طلاب الدكتوراه البحث عن خبرة عمليّة أثناء الدراسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى