أخبار وتقارير

الجامعات الخاصّة تزدهر بسبب ضعف الحكوميّة

تم نشر هذه القصة ضمن سلسلة من ثلاثة القصص حول تكلفة الدراسة في الجامعات الخاصة في 13 بلد عربي.  

 تصل تكلفة سنة دراسيّة واحدة في جامعة خاصّة في لبنان إلى 14.000 دولار أميركي. بينما يمكن للرقم أن يرتفع إلى 25.000 دولار أميركي في المملكة العربيّة السعوديّة.

أمّا في قطر، فقد تكون التكلفة أكثر من ذلك بثلاثة أضعاف.

لكنّ التكلفة لم توقف أعداداً متزايدة من الطلاب من التوجّه إلى الجامعات الخاصّة، حيث يمكنهم العثور على معايير قبول مرنة وصفوفاً دراسيّة أصغر وإختصاصات دراسيّة لا تتوفّر لهم في التعليم الحكومي.(إقرأ أيضاً: هل تستحق الجامعات الخاصة كل هذه التكلفة؟)

تفشل الجامعات الحكوميّة أحياناً في توفير تنوّع في التخصّصات وتتعثّر تحت ثقل عدد الطلاّب المتزايد، بينما يلعب التعليم الخاص دوراً محوريّاً – وإن كان لا يخلو من العيوب في بعض الأحيان – في توفير فرص تعليم أكثر.

شهد التعليم الخاصّ في العالم العربي توسّعاً كبيراً خلال العقود العديدة الماضية، وفقاً لجون واتربيري، أحد الرؤساء السابقين للجامعة الأميركيّة في بيروت، وهي مؤسّسة تعليميّة غير ربحيّة. وقال واتربيري، الذي درس الجامعات الحكوميّة الرئيسيّة في المنطقة، بأنّ دولاَ ذات ميزانيّة محدودة كمصر ولبنان، “تمر أنظمة التعليم الحكومي فيها بأزمة، فهي تعاني من قلّة التخصيصات الماليّة وتربكها أعداد الطلاب الكبيرة.” مضيفاُ أنها وبصورة عامّة، فإنّها توفّر تعليماً ذا جودةٍ منخفضة.

وتقود الجودة المتراجعة للتعليم، الحكومات للتخلّي في صمت عن دورها التعليمي والترحّيب بالقطاع الخاص. قال واتربيري “إنّ توسّع التعليم الخاص يمثّل حقّاً تخلي السلطات الحكوميّة في إحباطٍ ويأس قائلة، دع شخصاً آخر يحاول القيام بذلك.”

الآن، تنتشر مجموعة من الجامعات الخاصّة في المنطقة، وتترواح بين مؤسّسات غير ربحيّة توفّر تعليماً ذا نمطٍ غربيّ إلى مؤسّسات ربحيّة غير جديرة بالثقة وجامعات ذات صلات دينيّة. وبينما يواصل معظم الطلاب تدفّقهم على نظام التعليم الحكومي، فإنّ أعداد الجامعات الخاصّة في العديد من الدول عبر أرجاء العالم العربي تفوق أعداد الجامعات الحكوميّة.

إلاّ أنّ تونس، على أيّة حال، تبقى من بين المعاقل الحصينة. حيث يبقى التعليم الخاص محدوداً، بحسب واتربيري. كما لا تمتلك الجزائر جامعات خاصّة على الإطلاق بسبب قيود تشريعيّة. ولا تزال المملكة المغربيّة تمتلك خمسة جامعات خاصّة فقط مقارنة بثلاثة عشر مؤسّسة حكوميّة ذات معدل تسجيل طلابي عالٍ.

كليّة اليرموك الجامعة ببغداد

لكنّ النمو السريع في بعض الدول الأخرى قاد في بعض الأحيان إلى ردود فعل تنظيميّة عنيفة، فقد أدركت الحكومات بأنّها بحاجة لأن تحتفظ بعين رقابة ساهرة على المؤسّسات الخاصّة. حيث دعت جودة التعليم المشكوك فيها في بعضٍ من مؤسّسات التعليم الخاص الخمس والخمسين في اليمن مجلس الإعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم لدى الحكومة للبدء في مراجعة تلك المؤسّسات عام 2012 في محاول للنهوض بمعايير الجودة. قال أحمد علوان، عضو مجلس ضمان جودة التعليم، الذي يراقب الجامعات الحكوميّة والخاصّة في اليمن،”معظم الجامعات الخاصّة لا تمتلك كادراً أكاديميّاً محترفاً وتعتمد على أساتذة الجامعات الحكوميّة.هذا بالإضافة إلى كون الكثير منها يستخدم نفس مناهج الجامعات الحكوميّة، وبالتالي فهم يقدّمون نفس البرامج وبإشراف نفس الأساتذة لكن بأجورٍ أعلى.”

في العراق، وعلى الرغم من الخلفيّة السياسيّة الفوضويّة، قفز عدد مؤسّسات التعليم العالي الخاص من 26 في عام 2010 إلى 45 مؤسّسة هذا العام. قال فرحان عمران، مدير التعليم الخاص في وزارة التعليم العراقيّة، “إنّ هذا الإرتفاع يعكس الدور الذي تلعبه هذه الجامعات في مواكبة أعداد الطلبة المتزايدة.”

وكما هو الحال في أماكن أخرى في العالم العربي، فإنّ الجامعات الخاصّة تمنح الطلاب العراقيّين ممّن أحرزوا معدّلات أقل في إمتحان الدراسة الثانوية فرصة للإلتحاق بتخصصات ستكون مسدودة أمامهم في الجامعات الحكومية. إذ يحتاج الطالب لدراسة الهندسة في جامعة خاصّة في العراق إحراز معدّل 82 في المئة، وهو أقل بكثير من الـ 94 في المئة التي تتطلّبها مؤسّسة حكوميّة، وفقاً لقاسم محمود، الأستاذ في كليّة اليرموك الجامعة ببغداد.

كما فسحت الجامعات الخاصّة المجال أمام الأشخاص ممّن يدرسون ويعملون في ذات الوقت، حيث الجداول أكثر مرونة، بحسب محمود. قال “بصورة عامّة، الجامعات الخاصّة العراقيّة تشهد رواجاً.”

وبينما يواصل العراق مواجهة العنف مع تصاعد المدّ المتطرّف، فإنّ الجامعات الخاصّة تلعب دوراً آخر. حيث تجعل التعليم متاحاً بالنسبة لأولئك الباحثين عن صفوف دراسيّة قريبة من محال سكناهم. قال  حازم محمّد، الأستاذ في كليّة المنصور الجامعة، وهي مؤسّسة خاصّة، “كما أنّ الجامعات الخاصّة أصغر في العادة وتمتلك أمناً جيّداً – على العكس من الجامعات الحكوميّة.”

https://www.bue.edu.eg/

قال أيمن سلام، الطالب في كليّة دجلة الجامعة في العراق، بإنّ الدراسة في جامعة خاصّة محليّة كان بديلاً جيّداً عن الجامعات الحكوميّة، وبديلاً عن الخيار الأكثر تكلفة، ألا وهو الدراسة في الخارج. قال “نحن نتمتّع بدرجة أقل من البيروقراطيّة في الجامعات الخاصّة لأنّ أعداد الطلاب أقل.”

ويعتبر عدد الطلاب الذين يغصّ بهم قطاع التعليم العام قضيّة كبيرة في مصر، حيث يرتفع الطلب على التعليم العالي وسط عدد سكّانها البالغ تقريبا 90 مليون نسمة. فمؤسّسات الدولة في هذا البلد مزدحمة، مع عدد غير قليل من التسجيل يفوق الـ 100.000 طالب وطالبة.

وكما هو الحال في العراق، فإنّ الجامعات الخاصّة في مصر توفّر فصولاً دراسيّة أصغر وتسمح للطلاب ذوي المعدّلات الأدنى بدراسة تخصصات لا يمكنهم دراستها في الجامعات الحكوميّة بسبب التنافس الشديد على مقاعد دراسة.

بالطبع، أنتج ذلك فوائد اقتصاديّة واضحة. إذ تمنع بعض الطلاب من التخلّي تماماً عن الدراسة في الوطن والذهاب للدراسة في الخارج. قال علي شمس الدين، رئيس جامعة بنها الحكوميّة في مصر، “بذلك يبقون في البلد وتبقى الأموال في الداخل.”.

في الكويت، هنالك تسع جامعات خاصّة مقابل جامعة حكوميّة واحدة. وتقوم الجامعات الخاصّة بتدريس ما يقارب النصف من مجموع الطلاب الجامعيّين، وفقاً لوزارة التعليم في الكويت.

إلتحقت ضحى هاجري في الجامعة الأميركيّة الخاصّة في الكويت لأنّ الرجال والنساء يسمح لهم بالإختلاط فيها، ولأنّ لغة التدريس فيها الإنجليزيّة، وهو ما تفضّله لكونها قد تلقّت تعليمها سابقاً في مدارس دوليّة. قالت “في العادة، يفضّل الطلاب الجامعات الخاصّة لأنّها تتوفّر على أنشطة أكثر، وعددا أكبر من الأساتذة الأجانب الأكفاء.”

جامعة المستقبل في اليمن

في اليمن، يتمكّن الطلاب في الجامعات الخاصّة من دراسة تخصّصات كالتصميم الداخلي والتي – وكما هو الحال في دول أخرى في المنطقة – لا يمكنهم العثور عليها في الجامعات الحكوميّة. أمّا بالنسبة للأساتذة، فإنّ المؤسّسات الخاصّة توفّر في الغالب مزايا ماليّة. قال علي الشرفي، أستاذ اللغة الإنجليزيّة في إحدى الجامعات الخاصّة في صنعاء،”شخصيّا، إنتقلت للعمل في جامعة خاصّة للحصول على دخل أفضل.”

وتعتبر الجامعات الخاصّة البديل المفضّل بالنسبة لبعض الأسر العربيّة والتي لا ترغب في إرسال بناتها للدراسة في الخارج بدون مرافقة من أحد الأقرباء الذكور. قالت هدى اليوسف، الطالبة في المرحلة الثانية في جامعة الزرقاء في الأردن،”التحقتُ بجامعة خاصّة لأنّني أردت دراسة الصيدلة، وهي دراسة ليست رخيصة، لكنّني لا أمتلك خياراً آخر. فأنا لا أستطيع السفر لوحدي للدراسة في الخارج.”

وعلى الرغم من المزايا، يقول الأكاديميّون بإنّ الجامعات الخاصّة يمكن أن تبتلى بمقاييس جودة متفاوتة. ويشكو الطلاب من كونها غالية ومكلّفة غالباً.

ورغم توفّر المنح الدراسيّة، تبقى مسألة التكلفة مقلقة بالنسبة للبعض ممّن يرى إخفاقات أخرى في نظام التعليم الخاص. إذ تبدو الجودة الأكاديميّة في الجامعات الكويتيّة الخاصّة معدومة في الغالب، وفقاً لشفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة الكويت والرئيس الأوّل للجامعة الأميركيّة في الكويت. قال “إنّها جامعات ربحيّة، وهذا ما يعيق تطوّرها الأكاديمي.”

ويعتقد الغبرا أن الربح يذهب إلى جيوب المستثمر في الوقت الذي يتوجّب فيه أن يوظّف في تحسين المناهج الدراسيّة، وتطوير البنى التحتيّة، وإستقطاب أساتذة أكثر كفاءة، ودعم البحث العلمي.

قال ” يبحث الطلاب عن الشهادة أكثر من بحثهم عن الجودة، فهم يحتاجون إلى شهاداتهم من أجل الحصول على وظيفة فيما بعد.” مضيفاً “إنّ هذه النزعة تصيب دولاً نامية أخرى أيضاً. فعندما ينحصر تركيز الطالب فقط حول الحصول على الشهادة الجامعيّة وليس على التعليم الذي يتضمّنه الحصول على تلك الشهادة، يصبح الإنتحال وأشكال الغشّ الأخرى شائعة وبالتالي تتضاءل جودة التعليم.”

في الأردن، يجب أن يكون دور الجامعات الخاصّة موازياً – وداعماً – لدور النظام العام، وفقاً لفاخر دعاس، منسّق الحملة الوطنيّة للدفاع عن حقوق الطلبة، وهي حركة طلاّبيّة تأسّست عام 2007. أوّلا وقبل كلّ شيء، التعليم مسؤوليّة الدولة، قال دعاس، وليس سلعة ليتمّ إخضاعها لقوانين العرض والطلب. “لسوء الحظّ في منطقتنا، الجامعات الخاصّة تعني الربح. فهي لا تلعب أي دور حقيقي في دعم البحث العلمي وتطوير المجتمعات.”

مع ذلك، لا تسعى جميع الجامعات الخاصّة لتربّح المستثمرين.

ففي الإمارات العربيّة المتّحدة، حيث لضمان جودة التعليم مكانه، تلعب الجامعات الخاصة دوراً في بناء اقتصاد البلد المعرفي، بحسب دانيال كراتوتشفيل، مدير مكتب التخطيط والأداء في جامعة ولونغونغ في دبي.

ووفقاً لكراتوتشفيل، بدأت مؤسّسات التعليم الجامعي “بعد الثانوي” الخاصّة  في النمو هناك في مطلع تسعينيّات القرن الماضي. الآن، تقوم هذه الجامعات بتعليم المغتربين في البلد، حيث يأتي الطلاب من الخارج وحتّى من الإماراتيّين أنفسهم، ممّن تتاح لهم فرصة الدراسة في الجامعات الإتّحاديّة مجّاناً. قال “التعليم الخاص إيجابي في حالة الإمارات العربيّة المتّحدة بسبب رصانة أطرها التنظيميّة.”

بغضّ النظر عن الجودة أو التكلفة، فإنّ عدد الجامعات الخاصّة – وعدد الطلاب لملتحقين بها – يستمر في النمو في عموم المنطقة. قال واتربيري “إنّه تحوّل كبير يمكن أن نشهده وهو يقبل بسرعة فائقة.”

ليس وحده الطلب المتزايد على تعليمٍ لائق في الدول التي يشهد قطاعها الحكومي إزدحاما فحسب، لكنّ “الناس مستعدّون لأن يستجدوا، ويقترضوا، ويسرقوا من أجل أن يدفعوا لتعليم أولادهم،” وفقاً لواتربيري، الذي قال “هنالك سوقُ كبيرة. هنالك طلب كبير. وهذا الأمر مغرٍ جدّا بالنسبة للقطاع الخاص.”

* ساهم في إعداد التقرير: عائشة الجيّار من الكويت، فيصل دارم من اليمن، ومحمّد الربيعي من بغداد.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى