أخبار وتقارير

هل يكون التعليم العالي جزءاً من الاستجابة الإنسانية لاحتياجات اللاجئين؟

في غرفة بيضاء مسبقة الصنع في الصحراء شرق عمان، يتابع محمود بهدوء واهتمام واضح شرح أستاذه لدورة ضغط البخار التي تشكل جزءاً أساسياً من تكنولوجيا التبريد.

قال محمود “لو أن أحدهم قال لي قبل أربع سنوات أنني سأدرس صيانة المكيفات في صحراء تصل درجة الحرارة فيها إلى حوالي 48 درجة مئوية، [118 درجة فهرنهايت] كنت سأعتبره بالتأكيد مجنوناً. لكن هذا بالضبط ما يحدث لي الآن.”

كان محمود، 24 عاماً، في سنته الثالثة في كلية الفلسفة بجامعة دمشق عندما اندلعت الانتفاضة السورية. لكنه الآن لاجئ في مخيم الزعتري، الذي يعد أكبر مخيمات اللاجئين السوريين على الأراضي الأردنية. تشكل قصة محمود نموذجاً للنقاش الدائر مؤخراً حول أفضل سبل توفير التعليم العالي للشباب السوري في سن الجامعة والذين يتوقون لاستكمال تعليمهم.

تتسم المنح الدراسية في الخارج بارتفاع تكاليفها ومحدودية وصولها لعدد قليل من اللاجئين. فيما يبدو التعليم المهني في بعض الأحيان حلاً سريعاً يساعد الكثيرين على إيجاد فرص عمل يحتاجونها، في حال تم تنفيذه بالشكل الصحيح، إلا أنه لا يناسب تطلعات الكثير من الشباب القادرين والراغبين بالوصول إلى معارف أكبر. ثمة خيار ثالث يتمثل في محاولة العمل مع جامعات المنطقة لقبول المزيد من الطلاب السوريين، لكن صعوبات عديدة تكتنف هذا الخيار.

تسبب تقرير أمني كتبه بعض أصدقاء محمود ضده باعتقاله لنحو ثلاثة أشهر. وكحال آلاف غيره، لجأ محمود للأردن لكن دون أي وثائق رسمية تثبت مؤهلاته الأكاديمية. وبينما كان يفكر بإعادة التقديم لامتحان الثانوية العامة في المخيم، سمع ببرنامج الشباب التابع للمجلس النرويجي للاجئين (NRC). قال محمود “هذه فرصة لتعلم شيء جديد عوضاً عن بدء الدراسة من الصفر مجدداً.”

يعد محمود واحداً من مئات السوريين الذين انضموا إلى برنامج الشباب الذي يقدمه المجلس للاجئين منذ منتصف العام الماضي في مخيم الزعتري. توسع البرنامج لاحقاً ليشمل مخيم الأزرق ومخيم مريجب الفهود الإماراتي.

يتوجه البرنامج للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16-32 من خلال دورات تدريبية على مدى ثلاثة أشهر في تخصصات متنوعة كالخياطة والحلاقة والتوصيلات الكهربائية واللحام وتركيب وصيانة المكيفات. كما يقدم البرنامج صفوفاً في اللغة العربية والرياضيات وبعض مهارات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى دورات الكمبيوتر.

قالت إيما بونار مديرة برنامج الشباب في المجلس النرويجي للاجئين “نسعى إلى تزويدهم بمهارات يمكن أن يعول عليها لاحقا، حيث نهدف إلى مساعدتهم لزيادة اندماجهم مع أقرانهم والمجتمع الأوسع المحيط بهم وتشجيعهم للقيام بشئ ذي معنى.”

وعلى الرغم من أن البرنامج لايقدم شهادات معتمدة إلا أن أكثر من 1000 طالب وطالبة استفادوا من البرنامج منذ انطلاقته وحتى الآن في مخيم الزعتري بحسب ما قالت بونار. أما فرص العمل فمحدودة بسبب تواجد الطلاب داخل المخيم، لكن بونار تعتقد أن التعليم الذي يتلقونه أفضل من جلوسهم دون القيام بأي شي.

تدرك بونار عيوب البرنامج. قالت “إنها ليست الاستجابة التي يحتاجون إليها فعلياً. يحتاج العديد منهم لاستكمال دراستهم العليا.” مشيرة إلى أن البرنامج صمم سابقا لمواجهة الأزمات في دول أخرى كإفريقيا، حيث يحتاج الطلاب هناك إلى تعلم القراءة والكتابة في الغالب.

قالت “لسوء الحظ، لم يكن التعليم العالي في أي وقت مضى جزءاً من الاستجابة الإنسانية للأزمات. لذلك قمنا بتصميم وبناء نظام استجابة وفقاً لما عرفناه من قبل.”

لكن الحالة السورية تبدو مختلفة تماماً خاصة مع وجود العديد من الشباب المتعلمين بشكل جيد في المخيمات. قالت بونار”نعتبر مواكبة هؤلاء الشباب المتعطشين للمعرفة تحدي كبير بالنسبة لنا، فهم يحتاجون لبرامج أكثر تطوراً.”

يسعى المجلس النرويجي للاجيئن أيضاً مع بعض المانحين لتقديم بعض المنح الدراسية الخارجية. لكن بونار تعتقد أنها ليست فرص كافية، قالت “إنها مكلفة جداً. علينا التفكير بطرق أكثر ابتكاراً وأقل تكلفة ولا تضطرهم للابتعاد عن ذويهم لدول أجنبية بعيدة.”

على مدى العامين الماضيين، قدمت مجموعة من الجامعات الدولية العديد من المنح الدراسية عبر التحالف السوري لدعم التعليم العالي خلال الأزمات وبالشراكة مع معهد التعليم الدولي IIE والمنصة العالمية للطلبة السوريين والعديد من المبادرات التي يقودها الاتحاد الاوروبي لتوفير فرص مماثلة. لكن المنح الدراسية الدولية تبدو اليوم  أكثر محدودية. (إقراً جهود مساعدة جيل سوريا “المفقود” مازالت مخيبة للآمال).

قالت مارتينا سيدلكوفا، مديرة البرنامج السوري في مؤسسة SPARK والتي تتخذ من هولندا مقراً لها وتهتم بمشاريع التعليم العالي في البلدان التي تتعرض لأزمات شديدة، “إن المنح الدراسية أشبه بنقطة في بحر.”

ووفقا لسيدلكوفا، فإن المؤسسات المعنية في هذا المجال بحاجة إلى تطوير برامج جديدة تكون ذات استدامة. قالت “يجب علينا سد الفجوة بين الاستجابة الإنسانية والتنمية عند التخطيط لمشروع للسوريين.” مشيرة إلى آلاف السوريين خارج المخيمات الذين يصعب وصولهم لهذه البرامج.

بدأت SPARK بمشروع تجريبي باسم “جامعة الصيف السورية في المنفى”، والتي تستهدف تقديم فصول دراسية للطلاب السوريين الذين لم يتمكنوا من استكمال دراستهم العليا بسبب الظروف الحالية. تتضمن الدروس المقدمة معارف ومهارات لمساعدتهم  للتعامل مع حالة الطوارئ التي يواجهونها الآن والمرحلة الانتقالية القادمة. قالت سيدلكوفا “تركز دوراتنا على مهارات يمكن تطبيقها وتلبي احتياجات المشاركين الطارئة وتؤهلهم للمرحلة الانتقالية.”

تقدم هذه الفصول الدراسية بالشراكة بين أساتذة سوريين وأتراك وأجانب، مما يسمح ببناء شبكات تواصل دولية لتبادل الخبرات إلى جانب تعليم الطلاب.

وكحال كل الخطوات الأولى فهناك بعض العثرات. إذ يواجه البرنامج تحديات عديدة. تقول سيدلكوفا “نعمل من على بعد والصراع مازال مستمراً.”

لكنها تؤمن بأن تضافر الجهود يحدث فرقاً.

تعمل SPARK على وضع خطة جديدة لدعم الحكومات الإقليمية لتوفير منح دراسية  للطلاب السوريين في جامعاتهم عوضاً عن إرسالهم للدراسة في دول بعيدة. قالت سيدلكوفا “تبدو التكلفة أقل بشكل واضح، كما أن الخطة تسمح بتشارك أكبر بين السوريين والمجتمعات المضيفة المحلية.”

وإدراكاً لأهمية دعم المجتمعات المضيفة، يخطط المعهد الدولي للتعليم لإطلاق برنامج رائد باسم “من المخيم إلى الحرم الجامعي” في الأردن. يهدف البرنامج الجديد إلى توفير منح لطلاب الجامعات السوريين في مخيم الزعتري لاستكمال تعليمهم في الجامعات القريبة. كما سيقوم المشروع أيضا بتقديم منح دراسية للطلاب الأردنيين المحرومين.

قال جيمس كينغ، الباحث الأول ومدير مشروع في صندوق إنقاذ العلماء التابع للمعهد الدولي للتعليم، “نحن نعمل بشكل وثيق مع الجامعات المحلية ووزارة التعليم العالي الأردنية لإنجاز هذا المشروع.”

مؤخراً، أنهى كينغ العمل على تقرير عن حالة واحتياجات الطلاب والأكاديميين السوريين في تركيا. حيث أوصى التقرير أيضا الحكومات بتوفير منح دراسية للسوريين للدراسة في الجامعات الإقليمية.

من جهة أخرى، تستحق فكرة التعليم العالي الإلكتروني الدراسة أيضاً. حيث يقدم المجلس اليسوعي للتعليم العالي في عمان دورات لمدة ستة أشهر عبر الإنترنت في مجالات السياحة، والطب، والعمل الأهلي والقانون معتمدة من قبل جامعة ريجيس في الولايات المتحدة. يستقبل البرنامج الطلاب من العراق وسوريا والسودان والصومال وفلسطين والأردن. إلا أن استخدام اللغة الإنكليزية في التدريس وقلة الإمكانات لاتسمح باستقبال عدد كبير من الطلاب.

قالت بونار “لو تمكنا من العمل معاً كقطاع فسنحقق الكثير.” فيما يحاول محمود فهم آلية عمل المكيفات ويحلم بالعودة لمقعده القديم في كلية الفلسفة بدمشق.

* فيما يلي قائمة أولية بالمؤسسات الدولية التي تساعد الشباب السوري للحصول على التعليم:

المنصة العالمية للطلبة السوريين والتي أطلقها الرئيس السابق للبرتغال، خورخي سامبيو، بمساعدة من مجموعة واسعة من الشركاء لتقديم هبات ومنح دراسية للطلاب.

 مبادرة لا لضياع جيل، اليونيسف والتي تضم العديد من الشركاء الذين يعملون مع الأطفال السوريين للتخفيف من حدة الصدمة ومنحهم المهارات المدنية والتعليم الذي يحتاجونه ليكونوا قادرين على إعادة بناء بلدهم.

 الشبكة المشتركة بين الوكالات للتعليم في حالات الطوارئ تعمل لدعم أولئك الذين يحاولون تقديم التعليم للطلاب المحاصرين في الأزمات أو الصراعات.

مكتب اليونسكو في عمان والذي قام بتخصيص 4.3 مليون يورو لتحسين التعليم وتنمية المهارات للشباب السوري والأردني الذي تأثرا بأزمة اللاجئين.

اليونيسف ومبادرة أطفال سوريا وهو مصدر للمعلومات عن الجهود المبذولة لمساعدة الأطفال السوريين.

معهد التعليم الدولي يدير برامج متعددة تهدف إلى مساعدة الطلاب السوريين بما في ذلك صندوق إنقاذ العلماء والتحالف السوري لدعم التعليم العالي خلال الأزمات.

جسور لمنظمة غير الحكومية من المغتربين السوريين تدعم التنمية في البلاد عبر مساعدة الشباب السوري لتطوير إمكانياتهم.

معهد إلينوي للتكنولوجيا (IIT) يقدم منح دراسية للطلاب السوريين على أساس الجدارة تصل إلى 25 ألف دولار.

ﻣﺅﺳﺳﺔ ﻛﺎﺑﻼﻥ ﺍﻟﺩﻭﻟﻳﺔ لإﻋﺩﺍﺩ ﻟﻼﺧﺗﺑﺎﺭﺍﺕ والتي تهدف إلى مساعدة الشباب السوري الراغبين في الالتحاق بجامعات أجنبية للتحضير وإجراء الاختبارات الضرورية أحياناً للقبول.

جامعة كاليفورنيا في ديفيز ومبادرتها الخاصة لحقوق الإنسان النشيطة في إعداد التقارير التي توثق محنة الشباب السوري واقتراح الحلول.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى