أخبار وتقارير

الخيال العلمي العربي مزدهر ولكن بدون تقدير كافٍ

يعتقد بعض المؤرخين أن أول كاتب للخيال العلمي كان طبيبًا بغداديًا من القرن الثالث عشر، أثر على جورج لوكاس وفرانك هربرت. ولكن ما هو الخيال العلمي العربي تحديدًا؟ ولماذا لا يجذب هذا النوع من الكتابة نفس عدد القراء واهتمام النقاد كباقي أنواع الكتابة العربية الأخرى؟

حاولت مجموعة من الكتاب والصحفيين والفنانين الإجابة على هذه الأسئلة في لندن الشهر الماضي. حيث نظمت مجموعة سندباد للخيال العلمي، والتي ترفع شعار”إعادة تصور الخيال العلمي العربي”، جلسة نقاشية في لندن في إطار مهرجان نور للفنون، مهرجان ثقافي يقام سنوياً ويركز على الفنون والثقافة المعاصرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

تقول ياسمين خان، راعية مبادرة سندباد، إن الخيال العلمي العربي يعود لقرون عديدة. حيث تشمل النماذج الأولى منه كتاب ابن النفيس “السيرة الكاملية في السيرة النبوية” في 1270 وقصص “ألف ليلة وليلة”، والتي تشمل قصة البحار سندباد.  علاوة على ذلك، يشير مقال نُشر في البي بي سي في عام 2013  إلى أن أول كاتب للخيال العلمي هو زكريا القزويني من القرن الثالث عشر في بغداد. ويقول المقال إن العديد من كتابات الخيال العلمي الغربية ذائعة الصيت، مثل “حرب النجوم” للوكاس و”الكثبان” لهربرت قد تأثرت بالإسلام والعالم العربي.

وبحلول القرن العشرين، سيطرت ترجمات الخيال العلمي الغربي على هذا النوع من الكتابة. وتحولت مصر إلى مركز للكتابات الخيال العلمي الأصلية والترفيهية في الخمسينيات مع روايات الكاتب مصطفى محمود وسلاسل الخيال العلمي الإذاعية ليوسف عز الدين عيسى.

ويعود السبب في قلة انتشار هذا النوع من الكتابة – على الأقل مقارنة بالحجم الهائل لصناعة الخيال العلمي الغربي– إلى مجموعة من العوامل منها نقص التطور العلمي في العالم العربي والرقابة وقلة الجمهور، وذلك وفقًا لآراء المتحدثين الأساسيين في الجلسة النقاشية.

فبعد رفض الناشرين نشر الرواية التي شارك ياسر بهجت، ناشر ومهندس كمبيوتر سعودي، في تأليفها بعنوان حوجن، قام بنشرها على نفقته الخاصة لتصبح أكثر الروايات مبيعًا في المملكة العربية السعودية على مدار العام والنصف الماضيين ولتحصد إعجاب مجموعة كبيرة  من الشباب السعودي.

دفع نجاح الرواية بهجت للتوسع في أفلام الخيال العلمي ومسلسلات التلفزيون. كما شارك في تأسيس مجموعة “يتخيلون”، والتي تضم المعجبين بالخيال العلمي العربي ممن يهدفون إلى تعزيز الخيال العلمي والتطور العلمي العربي. حيث يؤمن بهجت بالعلاقة المتبادلة بين الاثنين. وقال بهجت، معترفًا بأنه لا يوجد طريقة لإثبات هذا الاعتقاد، “كلما زاد التعرض للخيال العلمي، ازداد التطور العلمي.”

يأمل بهجت أن تساعد أعماله وأعمال غيره من الكتاب في إعادة تعريف الخيال العلمي ليصبح أكثر من مجرد ترجمة للخيال العلمي الغربي. “لقد انتشرت أنماط الرأي القائلة بأن الغرب يسيطر على الخيال العلمي، ونحن نحاول تغيير ذلك. فيجب أن نفكر فيما سنفعله نحن العرب بشكل مختلف لتغيير هذا الاعتقاد.”

 تسببت قلة الوعي بالخيال العلمي العربي في رفض معظم قراء حوجن لتصنيفها كخيال علمي. حيث لعب جني دور الشخصية الأساسية في القصة. (هناك جدل حول تعريف “الجن” كأرواح حية حسب بعض التعريفات الإسلامية أو كجني يملك إمكانات خارقة حسب التعريفات الغربية). إذ اعتاد القراء أكثر على أنماط السفن الفضائية والشخصيات الغريبة، والتي لم يظهر أي منها في رواية بهجت.

بدوره، قال إحسان مسعود، صحفي في مجال العلوم وأحد المتحدثين في الفعالية إن العلم أصبح جزءًا كبيرًا من عمله وحياته الشخصية فلم يعد يشبه الخيال بالنسبة له. وأشار إلى أن التقدم العلمي اليوم جعله يسخر إلى حد ما من الخيال العلمي. قال “الكثير من الخيال العلمي يشبه إلى حد كبير الواقع. فلدينا مثلاً طعام غير مألوف، وذكاء صناعي، وحروب نووية، واحتباس حراري. وبالتالي أصبح من الصعب الاندهاش مما يقدمه الخيال العلمي للقراء.”

كما أخذت المناقشات أيضًا منحنى ديني. حيث قال إحسان ” يبدو مثيراً كيف يتم تغليف المادة التي تكتب في العالمين العربي والإسلامي حول الدين والعقيدة بغلاف خيالي.”

ويرى بهجت أن الخيال العلمي يمكن أن يكون علاجًا لانتشار التطرف والعنف في المنطقة. قال “ظل هذا الجزء من العالم طويلاً يحاول إقناع الناس بأن يضعوا عقولهم جانبًا ويقبلون النصوص كما هي.  أما بالنسبة للخيال العلمي فهو يجبر القراء على استخدام عقولهم، وبما أنه يفرض عليهم التفكير، فلن يكون هناك مجال للتطرف.”

وقرأ حسن عبد الرزاق، الكاتب المسرحى العراقي وأحد المتحدثين في الفعالية مقتطفات من رواية الخيال العلمي بعنوان “جغرافيا الروح” لعمه الكاتب محمود البياتي، والتي جمعت بين المرح وإثارة المشاعر والسريالية.

وتدور روايته بعنوان “كوسزيب” حول دمج الأعضاء التناسلية للذكور والإناث في نهاية العالم في بغداد والتي سيطرت عليها المخلوقات الغريبة. وقد تحدث الكاتب الحاصل على جوائز حول التشابه المزعج بين الخيال العلمي وواقع بغداد اليوم.

وأضاف بهجت أن أكثر رواية أثرت فيه هي 1984؛ حيث عرف منها الكثير عن العراق تحت حكم صدام حسين. وهذا ما يمكن للخيال العلمي أن يقدمه عندما يخلق عالمين متوازيين.

وقال عبد الرزاق بشيء من المرارة إن العراق اليوم يمكن أن يكون مصدرًا للإلهام لكتاب الخيال العلمي. “ما يحدث في العراق يعد شيئًا فظيعًا، ولكن بالنسبة لأي كاتب يبحث عن كنز من الأحداث المخيفة، فهذا هو الوقت المناسب ليتأمل وضع العراق وينقل منه. فما يحدث هناك كارثة بكل المقاييس.”

وعرضت الفنانة وصانعة الأفلام الفلسطينية لاريسا سنسور فيلمين قصيرين عن فلسطين. حمل الفيلمان طابعًا سياسيًا يستند إلى الخيال العلمي. اقتبس أول فيلم قصير بعنوان “هجرة إلى الفضاء” الموسيقى الشهيرة لفيلم ستانلي كوبريك “أوديسا الفضاء”، مع اختلاف طفيف من خلال تكرار الإيقاع العربي باستخدام العود وصوت لاريسا المفخم. في الفيلم الثاني بعنوان “الوطن العقار”، خلقت سنسور عالمًا مختلاً حيث عاش السكان الفلسطينيون بأسرهم في بناء شاهق دقيق ومعقم.

وبسبب الطبيعة السياسية الواضحة في أعمالها، منعت الرقابة في سويسرا أعمالها من العرض. حيث طُلب منها الانسحاب من أحد المهرجانات لأن أعمالها “كانت مؤيدة جدًا للفلسطينيين”.

كما عانى بهجت أيضًا من الرقابة في المملكة العربية السعودية، بعد انتشار إشاعات أن كتابه حوجن يعلم السحر الأسود للشباب في سن المراهقة. قال “في غضون 48 ساعة، كان الكتاب قد تم حظر بيعه في كل المكتبات في المملكة العربية السعودية. ومن ثم، طلبت من وزارة الإعلام أن تحظره بشكل رسمي، لأنه بموجب القانون سيتعين عليهم شراء كافة النسخ المطبوعة ومن ثم يدفعون لي سعر 20,000 نسخة.”

وتؤكد قضية بهجت كيف يمكن أن يفرض القراء المحافظون الرقابة بصورة أشد من الدولة نفسها. فالقضية هنا تتعلق بمدى استعداد القراء لقبول الخيال العلمي.”

وبينما يمكن أن يوسع الخيال العلمي من حدود الرقابة في العالم العربي، أصر عبد الرزاق أنه سيكون هناك دومًا قضايا حساسة لن يقبلها القراء المحافظون؛ حيث قال “بغض النظر عن الطريق الذي تسلكه روايتك، فستتخطى حتمًا بعض الخطوط الحمراء.”

تسعى مبادرة سندباد للخيال العلمي إلى تشجيع اكتشاف الخيال العلمي العربي والتحاور مع كتابه، وذلك في إطار مهرجان نور على مدار العامين الماضيين. 

تتاح رواية حوجن من خلال كندل وأمازون. ولمزيد من المعلومات حول المجموعة، يرجى زيارة موقعها الإلكتروني هنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى