أخبار وتقارير

تحليل واقع التعليم العربي من خلال اختبارات تقييم الطلاب الـ PISA

عمان- يريد محمد أن يبني فناء طوله 5 أمتار وعرضه 3 أمتار، فإذا كان بناء كل متر مربع يحتاج 81 طوبة. كم طوبة يحتاجها محمد لبناء الفناء؟

منذ بداية الألفية، يُسأل الطلاب حول العالم أسئلة كهذه في إطار البرنامج الدولي لتقييم الطلاب، والمعروف باختبار الــــــــ PISA ، والذي يجرى كل ثلاثة أعوام.

يسعى هذا الاختبار إلى قياس أداء الطلاب في الرياضيات والعلوم والقراءة. ويهدف إلى مقارنة نتائج الطلاب في الدول المختلفة المشاركة. وقد أجري آخر اختبار في عام 2012 وشارك فيه أكثر من نصف مليون طالب من 65 دولة وإقليم. ينتقد البعض الاختبار ويشككون في أهميته ودقة نتائجه، ولكن المؤيدين له يرون أنه يساعد صناع السياسات في تنفيذ سياسات تعليمية تستند إلى بيانات محددة.

ويعتبر الجدل الدائر حول اختبارات الــــــــ PISA  جزءًا من جدل عالمي أكبر حول قيمة الاختبارات التعليمية. حيث تميل بعض الدول إلى زيادة الاختبارات اعتقادًا منها بأن مثل هذه الاختبارات تعد وسيلة لمحاسبة المعلمين.  ويختلف البعض الآخر مع هذا الرأي، حيث يرون أن “التدريس بغرض النجاح في الاختبارات” يقضي على الابتكار داخل الفصول الدراسية.

ولكن فيما يخص اختبارات الــــــــPISA ، يقول المتحمسون لهذه الاختبارات إنها أكثر من مجرد أداة لمحاسبة المعلمين. إذ يمكن استغلال نتائج هذه الاختبارات كوسيلة لرفع مستويات التعليم. قالت إيزوبيل كولمان، زميلة أولى في مجلس العلاقات الأجنبية “كل الاختبارات لها سلبياتها، ولكنني أعتقد أن المقارنة بالمعايير الدولية تعد أمرًا إيجابيًا. ويعتبر اختبار الــــــــPISA  هو الاختبار الوحيد الذي يوفر ذلك.”

ولكنها أيضًا توصي صناع السياسات بالبحث في تفاصيل هذه البيانات وعدم الاكتفاء بالتركيز على النتائج الأولية. (في هذا التقرير، أجرت الفنار للإعلام تحليلها الخاص بشأن بيانات الـــــــPISA  للبحث عن نماذج لتغيرات ذات دلالات إحصائية قد تفيد صناع السياسات.)

ويقول معظم الأخصائيين التعليميين إنه لا ينبغي استخدام نتائج الـــــPISA   بشكل منفرد. حيث قال صفوان المصري، نائب الرئيس التنفيذي للمراكز العالمية في جامعة كولومبيا ومدير المركز العالمي فرع الشرق الأوسط “تقيس اختبارات الـــــPISA  النتائج من خلال مقاييس ملموسة، والتي تلقي الضوء فقط على جزء من القصة. ومن ثم ينبغي أن يهتم السياسيون أكثر بمدى استعداد الطلاب ليكونوا “أدوات للتغيير” والاشتراك في عملية التحول الديمقراطي”.

PISA1

تشارك المزيد والمزيد من الدول العربية في اختبارات الـــــPISA . فلقد كانت تونس من أوائل الدول العربية التي شاركت في هذا التقييم في عام 2003. واشتركت الإمارات العربية المتحدة وقطر في التقييم اعتبارًا من عام 2012. وسيشارك الطلاب اللبنانيون في هذا التقييم لأول مرة في عام 2015. ومن المزمع أن تشارك الجزائر أيضًا في المستقبل. وتختلف كل هذه الدول بالطبع فيما يخص حجم الإنفاق على التعليم والثقافة واللغة.

يمكن التنبؤ أن أداء الدول العربية سيكون أضعف مقارنة بالدول الغنية، مثل اليابان وفنلندا. قال أندرياس ستشليتشر، رئيس الإحصائيين في التقييم الدولي للطلاب “تعتبر النتائج الموجودة لدينا مزعجة للغاية. ولذا ينبغي أن تكون بمثابة صافرة إنذار وخارطة طريق لصناع السياسات في المنطقة. فمعظم هذه الدول تهتم ببناء جامعات متألقة، ولكن يبدو أنها لا تهتم كثيرًا بكيفية تخريج طلاب المدارس ليلتحقوا بهذه الجامعات.”

وتوجد بعض المؤشرات التي تدل على تحسن الأوضاع، وقد استخدمتها تونس، كأول دولة عربية شاركت في الاختبارات لتحقيق تقدم حقيقي. حيث جاءت تونس في المرتبة الأخيرة في القراءة في عام 2003. ولكن في عام 2012، تقدمت على تسع دول أخرى.

ويحدث ذلك في أحيان كثيرة، كما قال ستشليتشر “فلقد كانت بعض الدول صاحبة أقل النتائج في التقييمات الأولية الأسرع في تحقيق التقدم.”

ويقول صناع السياسات في تونس إنهم استفادوا من التقييمات. فلم تنفذ الدولة تغييرات جذرية بسبب هذه النتائج، كما قال أحد المسئولين، لكنها أجرت بعض التعديلات الإيجابية. بدوره، قال مهيرسي تشاديا، مدير التقييم في وزارة التعليم التونسية “لقد أضفنا ساعة أسبوعيًا للرياضيات واستحدثنا دروسًا للفيزياء بالنسبة لطلاب المرحلة الابتدائية”.

كما إن المسوحات المصاحبة للتقييم تميزه عن باقي الاختبارات المعيارية.؛ حيث يُسأل الطلاب عن خلفياتهم وحياتهم الأسرية، وماذا يعمل والديهم؟ وما هو عدد الكتب الموجودة في منازلهم؟  وما إذا كانوا سعداء في مدارسهم. كما يملأ المعلمون أيضًا استبيانًا آخر، يوضح موقع المدرسة في الريف أو الحضر، ومصدر تمويلها من الحكومة أو القطاع الخاص.

تسمح هذه الاستبيانات للتقييم بمقارنة أداء الطلاب بالعوامل الاجتماعية الاقتصادية. قال ستشليتشر “يعتبر الاستبيان في غاية الأهمية؛ حيث يراجع تأثير الطلاب وأولياء أمورهم والمدرسين على الأداء الدراسي؛ حيث يعتبر هذا المثلث في غاية الحساسية بالنسبة للعملية التعليمية.”

وتذاع بيانات الاستبيان على الإنترنت وتتاح للجميع، مما يعني أن أي شخص لديه اتصال بالإنترنت يمكنه الاطلاع عليها، ويتعرف على سبيل المثال، على مقارنة بين أداء الطلاب من أبناء الطبقات العاملة في الريف، ونظرائهم من أبناء النخبة في الحضر، وغيرهم من الطلاب في مختلف أنحاء العالم.

بالنسبة للدول العربية الأربعة التي شاركت في التقييم في عام 2012، تلقي البيانات الضوء على بعض المجالات التي يمكن للاستثمار فيها أن يؤتي ثماره.

PISA2

ويقول الطلاب إنهم سعداء في المدرسة، ولكنهم لاينتظمون بها  كثيرًا. فالطلاب من الدول العربية (فيما عدا قطر) كانوا على الأغلب أسعد في مدارسهم من الطلاب في الدول الغربية. وقد يكون ذلك جيد، ولكن مع الأسف يتزامن ذلك مع زيادة معدلات الطلاب المتسربين من الفصول الدراسية.

وتعتبر هذه مشكلة مزمنة في الأردن؛ حيث قال 84 من الطلاب من الطلاب إنهم سعداء في مدارسهم، ولكن اعترف حوالي 57 في المئة منهم أنه فاتهم على الأقل يومًا دراسيًا كاملاً أو بعض الحصص مرة أو أكثر خلال الأسبوعين الماضيين. ويعتبر هذا المعدل أكثر من ضعف معدل أية دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

قالت كولمان “هناك الكثير من العوامل المتسببة في ذلك. ولا يتعلق الأمر على الأغلب بعمالة الأطفال، وخاصة في قطر والتي تعتبر من أغنى الدول على مستوى العالم. ولكن على الأرجح السبب يتعلق بغياب المدرسين؛ حيث يشبهونهم بالأشباح فهم يتقاضون رواتب زهيدة للغاية، ومن ثم لا يتواجدون. وتتزايد هذه المشكلة في المناطق الريفية”. بدوره، قال تشاديا “تعاني تونس من هذه المشكلة. فالمدرسون مضربون عن العمل معظم الوقت، وبالتالي هناك علاقة أكيدة بين غياب المدرسين وتسرب الأطفال من المدارس.”

كما يلعب استقلال المدارس دورًا في نتائج هذه الاختبارات. فإذا تمتع المدرسون ومديرو المدارس بالمزيد من السيطرة على المناهج، فسيساعدهم ذلك على تحقيق المزيد من النجاح مع الطلاب، كما تقول النظرية. ففي الأردن، أقل من 7في المئة من الطلاب يلتحقون بالمدارس التي يتحمل فيها المدرسون والمديرون مسئولية اختيار المحتوى الدراسي والكتب الدراسية. بينما يلتحق حوالي 65 في المئة من الطلاب في الغرب بالمدارس التي تسمح للمعلمين باختيار الكتب الدراسية وحوالي  40في المئة بالمدارس التي يختار فيها المعلمون محتوى الدورات الدراسية.

ولكن استقلال المدارس يعتبر أمرًا مثيرًا للجدل في الدول العربية.

ويرى المصري من المركز العالمي التابع لجامعة كولومبيا أن المدارس العربية لا ينبغي أن تنفصل عن الحكومة. حيث يخشى أن يسبب هذا الاستقلال نتائج عكسية، قال “إذا أسيء استغلال هذا الحق، فقد يؤدي إلى ظهور برامج أخرى خاصة تتنافى وجودة التعليم التي نسعى لضمانها.”

ولا يتفق الجميع مع هذا الرأي، بما فيهم بعض السياسيين في الأردن، حيث قالت هيفاء نجار، نائبة في البرلمان الأردني “أنا أؤمن بشدة بضرورة تمكين المدارس ومديريها”. ولا ترى نجار ضرورة للإسراع في تطبيق هذا الاستقلال ولكنها لا تخشى إطلاقًا من سيطرة أية برامج أو مخططات إسلامية على المدارس، مضيفة “أنا لست قلقة من ذلك على الإطلاق، فالأردن دولة معتدلة.”

وقد يميل وزراء التعليم العرب إلى التحدث عن الميزانيات باعتبارها عاملاً مؤثرًا في الأداء التعليمي، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الأردنية أعلنت زيادة المصروفات التعليمية بنسبة 27 في المئة عن العام الماضي. وتشير البيانات الواردة من البنك الدولي إلى أن الانفاق على التعليم يعتبر مقبولاً في المنطقة. فقد أنفقت تونس 24.4في المئة من إجمالي الناتج المحلي للفرد على التعليم الثانوي في عام 2008، بينما كان المتوسط العالمي في نفس الوقت 14.8في المئة.

وقال تشيليتشر “تعتبر زيادة عدد الدول المشاركة في التقييم الدولي للطلاب علامة إيجابية ومشجعة؛ حيث يعني ذلك أنها لا تخشى من ضعف أدائها مقارنة بالمستوى العالمي وإنما تهتم أكثر بتحسين جودة التعليم. ففي الماضي،  كانت بعض الدول تسأل عن إمكانية إجراء التقييم دون نشر النتائج. ولكن في النهاية من الصعب حقًا أن ينجو صناع السياسات من اللوم، فإذا جاءت النتائج إيجابية، سيُثنى على المسئول السابق، وإذا كانت النتائج سلبية، سيقع المسئول الحالي في المشاكل.”

* أجرى الاستشاري طارق عويدات من بيروت هذا التحليل للبيانات لصالح الفنار للإعلام.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى