مقالات رأي

حوار مع المدير الأكاديمي الجديد للجامعة الأميركية: تعزيز الفنون الليبرالية

القاهرة- هناك عامل واحد أساسي دفع محمود الجمل إلى العودة إلى بلاده التي تركها منذ 30 عامًا، ألا وهو جامعته الأم.

عُين الجمل، خريج الجامعة الأميركية في القاهرة دفعة 1983، في منصب الرئيس الأكاديمي الجديد للجامعة الأميركية في القاهرة؛ حيث سيتولى مهام منصبه هذا الشهر مع بداية الفصول الدراسية.

يقول الجمل، والذي جاء إلى الجامعة الأميركية في القاهرة في تموز/ يوليو بعد 16 عامًا من العمل في جامعة رايس في تكساس “لم أكن لأترك طلابي وأبحاثي لأتولى هذا المنصب في أية جامعة أخرى. فأنا أريد أن أجد سبيلاً لأرد الدين وأقدم للطلاب نفس التجربة التي حصلت عليها كطالب في الجامعة الأميركية في القاهرة.”

كان الجمل، وهو عالم كبير في مجال الاقتصاد الإسلامي، أستاذًا سابقًا في الاقتصاد والإحصاء في جامعة رايس؛ حيث تولى رئاسة قسم الاقتصاد الإسلامي والتمويل والإدارة. ومع تعدد اهتماماته البحثية من التمويل والاقتصاد القياسي وعلم اتخاذ القرار إلى اقتصاديات الشرق الأوسط وقانون المعاملات الإسلامية، يسعى الجمل إلى تعزيز رسالة الجامعة الأميركية التعليمية والبحثية والفكرية من خلال منصبه الجديد.

من مكتبه الجديد شرق القاهرة، تحدث الجمل مع الفنار للإعلام:

– ما هى النقاط الأساسية التي ستركز عليها على المديين القصير والطويل من خلال منصبك الجديد؟

عندما أتيت في تموز/يوليو، كان تركيزي على المدى القصير هو تثبيت الرسالة البحثية للجامعة؛ فقد كنت أظن أن الفنون الليبرالية ورسالة الجامعة الأساسية تجاه الطلاب تستند بالفعل إلى أساس راسخ. ولكنني اكتشفت أن الأمور ليست راسخة كما كنت أظن.

لن تغيب الرسالة البحثية عن ناظري، لأنني أعتقد أن تدريس الفنون الليبرالية يحتاج هذه الأيام إلى أعضاء هيئة تدريس مهتمين بالأبحاث، ومن ثم قادرين على دفع المعرفة إلى آفاق أبعد، وإلا فلن يشعر الطلاب أن ما يدرسونه يواكب العصر الحالي. ومن ثم، ستكون رسالتي قصيرة المدى هي تعزيز تعليم الفنون الليبرالية والتي عانت قليلاً على مدار السنوات الماضية.

وفي نفس الوقت، أريد أن أفكر في طريقة لإعادة ترتيب المؤسسة الفكرية للجامعة والتي تتمثل في الأبحاث والاهتمامات الفكرية لأعضاء هيئة التدريس، بالإضافة إلى الرسالة التعليمية والتي تتشكل من خلال اهتمامات الطلاب.

– لماذا لا تعتبر الرسالة الأساسية للجامعة راسخة كما ينبغي أن تكون؟

لا يتعلق هذا الأمر بالجامعة الأميركية في القاهرة وحدها. فلقد درست في أربع جامعات مختلفة في الولايات المتحدة الأميركية، وكلها تعاني من نفس هذه المشكلة؛ حيث يفكر أغلب الطلاب في نوع الوظيفة التي سيحصلون عليها بعد انتهاء دراستهم بدلاً من محاولة اكتشاف مهاراتهم وتحديد ما يحبون فعله والعمل على إيجاد نقطة تلاقي بينهما. وبالتالي، لدينا الكثير من الطلاب المهتمين بالمجالات ما قبل الاحترافية، مثل إدارة الأعمال والهندسة.

فلن يكون لدينا تعليم حقيقي للفنون الليبرالية إذا كان جميع الطلاب داخل فصل الفلسفة يدرسون إما إدارة أعمال أو هندسة. يجب أن نجمع طلابًا داخل المؤسسة الثقافية ممن يهتمون بكل المجالات التعليمية في المؤسسة.

– ما هي خططك لتأسيس أعضاء هيئة التدريس للجامعة وجذب المواهب الجديدة؟ 

تعاني أية جامعة تنتهج نظامًا للتعيين من بطء معدل التغيير بين أعضاء هيئة تدريسها. وأعتقد أنه علينا أن نفكر في بعث النشاط من جديد في أعضاء هيئة التدريس الحاليين، وذلك من خلال تمكين الأساتذة المنتجين بالفعل ليستمروا في الإنتاج ورفع عبء الأعمال الإدارية عن كاهلهم، كما يجب أن نجد طريقًا لمكافأة التميز والإنتاج الفكري – سواء من خلال منحة دراسية أو بحث أو عمل فكري عام.

ستتلخص إستراتيجيتي الأولى في محاولة خلق ثقافة جديدة حيث يقبل الجميع بالمشاركة في الجامعة بمختلف الطرق، ولكننا نظل في النهاية متساويين لأننا نحتاج إلى بعضنا البعض.

– عندما يتعلق الأمر بالأبحاث، ما هي الموضوعات الهامة، من وجهة نظرك، لإجراء الأبحاث في الجامعة الأميركية في القاهرة في العقد القادم؟

في النهاية، أهم المجالات البحثية هي المجالات التي يمكننا من خلالها تقديم أعظم قيمة لبلادنا ومنطقتنا والإنسانية بأسرها. ولكن إذا ما كنا سنستثمر في الموارد الجامعية – علمًا بأن مواردنا محدودة للغاية – فهناك القليل من المجالات التي أعتقد أنها بالفعل هامة لمصر. من المجلات الأساسية للأبحاث هي العلاقة الكاملة بين الطاقة والبيئة والغذاء، فنحن دولة تستورد الكثير من الغذاء وتعاني من نقص شديد في الطاقة. ولدينا أعضاء هيئة تدريس في مختلف الأقسام والمراكز يعملون على الكثير من هذه الأشياء.

أعتقد أن التعليم بصفة عامة هو مجال بحثي نحتاج فيه إلى تأكيد تواجدنا. ولدينا ميزة فريدة في مصر لتقديم هذه الخدمة؛ حيث يمكننا أن نكون بمثابة الحافز على التغيير.

وهناك مجال ثالث أنا شخصيًا أهتم به كثيرًا، وأعتقد أيضًا أنه شديد الأهمية لمصر ببساطة بسبب ديموغرافيتها، ألا وهو مشكلة الفقر. ولا يعني هذا بالضرورة الأبحاث الخاصة بالحد من الفقر فحسب. فيجب أن نفكر في الحد من الفقر كحاجة ملحة، ولكن علينا أيضًا أن نفكر في الارتقاء بمستوى معيشة الناس من أصحاب البرامج متناهية الصغر والمشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى مشروعات ريادية أكبر حجمًا.

– فيما يخص أعضاء هيئة التدريس، هناك تنافس مستمر لجذب المواهب والحفاظ عليها. فهل يمكن للجامعة الأميركية في القاهرة أن تنجح في هذا التنافس؟

اعتمد السوق على مجموعة الكوادر الخاصة بالأساتذة المصريين في مختلف المجالات ممن يرغبون في البقاء في مصر أو المنطقة، ومن ثم خسرنا ميزتنا التنافسية لأن الكثير من الجامعات الغربية افتتحت فروعًا لها في جميع أنحاء منطقة الخليج، بالإضافة إلى بعض الجامعات الخاصة في مصر والتي تحاول التنافس على نفس هذه الكوادر.

ولكنني أعتقد أن الجامعة الأميركية لا تزال تحتل الصدارة بالنسبة للمؤسسات في مصر، ومن ثم فنحن لا نقلق من خسارة أفضل أساتذتنا بسبب أية جامعة أخرى في مصر، ولكننا قلقون من خسارتهم بسبب الجامعات في الغرب أو الجامعات الغربية التي تفتتح فروعًا لها في الخليج.

– لا  يسعني إلا أن أتساءل ما مدى الصعوبة في تعيين الأساتذة الجدد أو الحفاظ على الأساتذة الحاليين بسبب التغييرات السياسية في الأعوام الثلاثة الماضية؟

هناك العديد من العوامل، منها عوامل سياسية وأخرى أمنية. فبينما يعد الكثير من أعضاء هيئة التدريس راضين عن التطورات السياسية الأخيرة ولكنهم غير راضين عن الصعوبة في التحرك مثلاً من النقطة أ إلى النقطة ب. وهناك أيضًا الظروف الاقتصادية التي تشهدها مصر والتي تدهورت بسبب التوترات السياسية والأمنية، ومن ثم ساهمت العوامل الثلاثة مجتمعة في ضياع الميزة التنافسية.

– عندما نتحدث عن الأمن، هل تشغلك أمورًا بعينها؟ وهل تشكل أسبابًا في جذب أعضاء هيئة التدريس أو الحفاظ عليهم؟ وهل تتعلق هذه الأمور بتداعيات إجراء الأبحاث التي تراها الحكومة مهددة لأمنها أو غيرها من القضايا التي تتعلق بالحريات الأكاديمية؟

هناك قضيتان منفصلتان هنا: تتعلق الأولى بالالتزام بقوانين الدولة وبالطبع لن نقوم بأي إجراء أو نشجع طلابنا أو باحثينا على عمل أي شيء ضد القانون مهما كان هذا القانون. فالأمر خارج عن سيطرتنا، ومن ثم يجب أن نلتزم بهذه القوانين، وفي الكثير من الحالات يكون علينا أيضًا أن نلتزم بشروط الهيئات المانحة في حالة حصولنا على تمويل من مصادر خارجية، بالإضافة إلى المعايير الأميركية المتعلقة بالسلوك الأكاديمي، وبالتالي فإننا نواجه الكثير من العوائق فيما يخص ما نقوم به من أعمال. وهناك أيضًا قضية الأمن والتي ينبغي أن نلتفت إليها. وأنا آمل أن يكون هذا الأمر الأخير أقل تهديدًا إذا ما طبقنا القانون والنظام على نطاق أوسع.

– ماذا تعني بذلك؟

في الماضي كانت هناك حالات لباحثين يجرون أبحاثًا قانونية ولكنهم مهددون بسبب الانفلات الأمني في الشوارع. ويدخل ذلك في نطاق الأمور التي يصعب السيطرة عليها، لأنه علينا – من الناحية التربوية – أن نشجع الطلاب على الخروج وإجراء الأبحاث والاشتراك في أنشطة التعليم المجتمعي.

– هل هناك تحديات أخرى تواجه الجامعة الأميركية في القاهرة أو قد تواجهها في المستقبل تريد أن تشير إليها؟ وكيف ستتعامل الجامعة مع هذه التحديات؟

تعتبر معظم هذه التحديات خارجية. لقد عانينا لجذب أعضاء هيئة التدريس من الأجانب في بعض الحالات ولكننا واجهنا صعوبات أكبر في جذب الطلاب الأجانب. وأنا أعتقد أن هذا يشكل عائقًا إقليميًا ينبغي أن نتخطاه. وتلعب الظروف الاقتصادية دورًا في ذلك؛ فعلينا أن ننافس الرواتب العالمية لجذب الأساتذة الأجانب، وفي نفس الوقت يخضع ما يدفعه الطلاب من مصروفات لمعدل نمو الاقتصاد المصري. وهذا عامل آخر خارجي لا يتعلق بالجامعة نفسها، ولكنه يعوق من قدراتنا على جذب أفضل الأساتذة.

كما يشكل نقص المنح الدراسية أيضًا مشكلة. فباعتبارنا جامعة خاصة نحتاج إلى تمويل أكبر للمنح الدراسية حتى نتمكن من تنويع الكيان الطلابي من الناحية الاجتماعية الاقتصادية. ولكن لا يزال لدينا كيان طلابي متميز. وسنظل دائمًا أصغر حجمًا من أن نحدث تأثيرًا مباشرًا . فمن أجل القيام بدورنا كحافز على التغيير، نحتاج إلى التفاعل مع قطاع أكبر من السكان حتى ننجح بالفعل في أداء رسالتنا التعليمية، مما يعد تحديًا في حد ذاته.

*  تم تحرير  الحوار بغرض الإيجاز والتوضيح.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى