مقالات رأي

حل جديد لمعضلة التعليم المجاني!

يحتل النقاش حول ضرورة بقاء التعليم العالي مجاني حيزاً كبيراً في مناطق كثير في العالم، إذاً مصر ليست وحدها. إلا أن الغريب هو أن صانعي السياسات في مصر ومنذ انقلاب 1952، الذي جعل التعليم الجامعي متاحاً مجاناً للجميع، يفكرون في إلغاء هذا التقليد. وبينما لا تتم مناقشة هذه القضية علناً في البرلمان، تقدم نماذج بديلة للطلاب فرصاً أفضل ومدفوعة للتعليم في الجامعات الحكومية المصرية بشكل بطئ وخجول على مدى السنوات العشر الماضية.

على سبيل المثال في عام 2012، أُعيد تقديم نظام “الانتساب الموجه” الذي يتيح للطلاب الذين لم يحصلوا على درجات كافية بالانتساب لكليات يختارونها مقابل دفع رسوم سنوية أعلى تمكنهم من التقدم للامتحانات لكن من دون حضور الدروس.

في المقابل، بدأ طلاب التعليم “المجاني” بالشكوى ببطء من جودة التعليم الذي يحصلون عليه والرسوم التي يتوجب عليهم دفعها. تضمن التقرير الصادر عن المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا في عام 2009 مجموعة من الحقائق التي يعرفها الناس والمتمثلة بكون التعليم مجاني نظرياً، إذ لا يمكن عملياً توصيف التعليم العالي في مصر بأنه مجاني بوجود رسوم للكتب وانتشار الدروس الخصوصية.

ورغم وجود الكثيرين ممن يكتبون بكثافة عن أن التعليم المجاني لم يعد مجاني وكيف يحتاج نظام التعليم للتغيير إلا أنهم مازالوا يدعمون التعليم العالي المجاني.

 لماذا يبدو دعم التعليم العالي المجاني شديد الانتشار؟ الجواب غالباً ما يكون لكونه يتيح للجميع فرصة الوصول للتعليم الجامعي. كما يعتقد كثيرون أنه علامة لتقدم المجتمعات ويسمح بتطور المجتمع. في مصر، عدد قليل جداً يرفضونه.

 يحدد منتقدو التعليم العالي المجاني ثلاث مشكلات أساسية:

– الاختيار: لا يسمح النظام الحالي للطلاب بدخول الكلية والجامعة التي يرغبونها. بدلاً من ذلك يقرر مكتب التنسيق في جميع أنحاء البلاد نيابة عن الطلاب بحسب درجاتهم ومكان إقامتهم. عاماً بعد أخر، ترتفع معدلات القبول لتخصصات محددة مغلقة الباب في وجه المزيد من الشباب. فالحصول على 97 في المئة في امتحان الثانوية العامة قد لايخول الطالب لدخول كلية الطب على سبيل المثال. وإذا حدث ذلك، فإنه سيكون في إحدى الجامعات الحكومية في محافظة فقيرة. قد تحدد نصف درجة في المئة مستقبل الطالب المهني.

– الجودة: تتراجع جودة التعليم العالي في مصر خاصة مع ارتفاع عدد السكان ومعدلات الالتحاق بالجامعات وغياب الإشراف على التعليم. فعلى سبيل المثال،  احتاجت شركة مصنعة للكمبيوتر 1000 فني للعمل في مصنعها الجديد في مصر. تقدم للعمل أكثر من 10 ألاف شخص، فقط 6 منهم كانوا مؤهلين. وقالت الشركة إن 60 ألف من المتقدمين كانوا خريجي هندسة ميكانيكية.

– البطالة: لم يستطع سوق العمل المصري استيعاب الأعداد الهائلة لخريجي الجامعات. وحيث أن خريجي الجامعات الحكومية غير مؤهلين لتلبية متطلبات سوق العمل، تُفضل العديد من الشركات توظيف خريجي الجامعات الخاصة. الاستنتاج الحتمي هو أن هناك الملايين من حامل شهادات الدبلوم ولايجدون فرصة عمل.

 بالطبع، لايكتمل النقاش حول التعليم من دون الحديث عن التعليم الابتدائي والثانوي الذي يؤهل الطلاب للتعليم الجامعي. يكتنف نظام التعليم المصري العديد من العيوب، بدءاً من التعليم الثانوي الذي يركز فقط على نتائج امتحانات الثانوية العامة. يقدم هذا النظام طلاب يتعلمون الحفظ دون التفكير. ولكن ما أن يدخل الطالب سوق العمل حتى تتغير قواعد اللعبة إذ لاحاجة لموظف يحفظ المعلومات. تتمكن نسبة صغيرة فقط من هؤلاء الطلاب من تطوير مهارات التفكير الناقد.

 تبدو مقترحات خصخصة التعليم الجامعي، لهذه الأسباب، منطقية على الورق لكنها لا تقدم حلولاً حقيقية. فبينما تبدو الجامعات أفضل تمويلياً وأكثر وظيفية، إلا أن مثل هذه الاستراتيجية لا تتضمن تحسين نوعية المعلمين، وتطوير كهارات الطلاب لتلبية متطلبات سوق العمل الدولي. هذا مهم خصوصا لللشركات الكبرى متعددة الجنسيات مثل جوجل التي تؤكد أن الدرجات لاقيمة لها في معايير التوظيف.

ماهو الحل هذه المشكلة؟ أحد الحلول الممكنة يكمن في المساقات الجماعية المعروفة باسم MOOCs . هناك ثلاثة لاعبين أقوياء وملايين الطلاب وآلاف الدورات التدريبية المجانية والمتاحة لأي شخص في العالم. كل ما يحتاجه الطالب، من الناحية النظرية، هو جهاز كمبيوتر واتصال بالإنترنت. ستكون هذه الفرصة مألوفة للشباب المصري، الذين اعتاد البحث عن الحقيقة على الانترنت.

وهذا هو اقتراحي: باستثناء الدراسات التي تتطلب حضور الطالب فعلياً (الطب والصيدلة والهندسة وغيرها من التخصصات)، لماذا لا يتم استخدام نموذج MOOCs في مصر؟ صحيح أن معدل انتشار الإنترنت لايتجاوز 40 في المئة في الوقت الحالي، ولكن لماذا لا يتم منح الطلاب أجهزة كمبيوتر محمولة وإمكانية الوصول إلى شبكة الإنترنت؟ على الرغم من أن مثل هذا البرنامج سيكلف الدولة، إلا أنه يبقى أقل تكلفة من تمويل الجامعات الضخمة ورواتب المعلمين كما أنه سيغيير نموذج الشهادة الجامعية لتستند على إتباع الدورات والشهادات. سيكون الطلاب قادرين على تصميم المناهج الدراسية الخاصة بهم وتشكيل مستقبلهم المهني.

بالطبع لا يخلو نظام  MOOCs من المشكلات. فقد وجدت إحدى الدراسات أن 4 في المئة فقط من الطلاب الذين يلتحقون بهذه الدورات الإلكترونية ينتهون منها. لكن  وجدت دراسات أخرى أن نسبة كبيرة من الطلاب تشارك في  محتوى الدورة التدريبية.

يتوجب توسيع البنية التحتية للإنترنت لتوسيع استخدام  MOOCS في مصر وهو بالطبع أمر مكلف. لكن سيكون استثماراً مجدياً، لأنها لن يعود بالنفع على الطلاب فقط، ولكن على القطاع الخاص أيضاً. من شأنه أيضا المساهمة في إعداد الطلاب المصريين لسوق العمل العالمي الذي يتوجه نحو التوظيف الافتراضي. إنه حل جذري، وأفضل من كل الحلول الأخرى التي يتم استعراضها في مصر اليوم وربما يكون الجواب الحقيقي لهذه المشكلة المعقدة.

محمود سالم ، كاتب ورائد أعمال. يمكنك متابعته على تويترsandmonkey@

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى