أخبار وتقارير

العراق: نمو المدارس الخاصة وتراجع الحكومية

بعد عقود من سيطرة الدولة على قطاع التعليم الثانوي، سمح العراق بإنشاء مئات المدارس الخاصة التي يأمل الاهالي أن تساعدهم على إيصال أولادهم وبناتهم لأفضل جامعات البلاد.  لكن موجة افتتاح الكثير من المدارس الخاصة تعتبر أيضا علامة على تدهور التعليم الحكومي العراقي وسط العقوبات القاسية، وغزو العراق عام 2003، ومؤخراً، الصراع الطائفي الذي أطاح بسيطرة حكومة بغداد على جزء كبير من شمال البلاد.

في السنوات الأخيرة، غادرت العائلات العراقية الميسورة المدارس الحكومية بسبب الاكتظاظ، والصفوف الدراسية المتداعية وسوء الوضع الأمني ​​وازدياد الفساد بين المعلمين والمسؤولين الحكوميين لتستقبلهم المدارس الخاصة بأذرع مفتوحة.

مؤخراً، أقرت لجنة برلمانية أن البلاد بحاجة لبناء أكثر من 6.000 مدرسة لاستبدال المرافق المهجورة أو المهدمة ومواكبة النمو السكاني. لم تحقق الحكومة تقدماً يذكر لإنجاز هذا الهدف.

في عام 2012، السنة الأخيرة التي تتوافر بيانات عنها،  منحت وزارة التعليم العراقي 1.200 رخصة لمدارس خاصة جديدة في جميع أنحاء البلاد. يوجد الآن حوالي 600 مدرسة خاصة في بغداد.

يقول محمد الحكم، الذي يدرس الاقتصاد في جامعة بغداد وشقيق طالب في مدرسة المنصور في بغداد “المدارس العامة سيئة، وغير نظيفة، لا يوجد نظام تكييف الهواء. هناك مروحة أو اثنتان وربما لا تعملان. المدارس الخاصة نظيفة، وأقل ازدحاماً، مع المولدات الخاصة ومكيفات الهواء. وهذا أمر مهم لأن البلد يعاني من نقص الكهرباء.”

وأضاف الحكم أن والديه يدفعان ما يقارب 1200 دولار أمريكي في السنة لإرسال شقيقه إلى المدرسة. بينما يبلغ دخل الفرد في العراق حوالي 7200 دولار أمريكي في السنة. يقول ” هذا ليس بالمبلغ القليل في العراق ولكن الأمر يستحق ذلك.”

يقول بعض الآباء إن الأسعار المرتفعة نسبياً تدفع المدارس الخاصة للتنافس على الطلاب، وتجبرهم على زيادة جودتها.

تقول ميساء الهلالي، مدرسة في روضة أطفال في بغداد وتعمل في مدرسة حكومية لكنها ترسل أبنائها إلى مدرسة خاصة ” إن معظم المدارس الخاصة جيدة. إذا لم تكن كذلك فلن يلتحق بها أحد وستغلق أبوابها. إنهم يهتمون بسمعتهم لجذب المزيد من الطلاب في المستقبل.”

حتى المسؤولين في المدارس العامة يعترفون بأن المدارس الخاصة تنتج طلاب متفوقين.

يقول مفتش مدرسة في بغداد طلب عدم الكشف عن هويته “هناك العديد من المدارس الخاصة التي يحصل طلابها على درجات ممتازة ويتنافسون مع طلاب أرقى المدارس الحكومية في الامتحانات النهائية المركزية العراقية. التحق العديد منهم بأفضل الجامعات في العراق.”

??????????????????

لكن الهلالي اعترفت أيضا أن المدارس الخاصة، ورغم أنها مزروعة وسط طبقة النخبة، إلا أنها لا تلبي احتياجات الغالبية العظمى من العراقيين. تقول “إن مستوى الطلاب في المدارس الخاصة أفضل بكثير. معظمهم من الطبقة المتوسطة العليا ويمكننا القول من الطبقة المثقفة.”

أما الطلاب الذين لا يمكنهم الالتحاق بالمدارس الخاصة فإن الوضع يبدو مزرياً. ذلك أن نقص المدارس في العراق يضع ضغوطاً مكثفة على المدارس الثانوية الحكومية لاستيعاب ارتفاع عدد الطلاب مع صغر مساحة الفصول الدراسية. في الديوانية، عاصمة محافظة القادسية في وسط العراق، هناك 850 مجموعة طلابية تستخدم 550 مبنى، مما يضطر الطلاب لحضور الفصول الدراسية على ثلاث فترات.

كما تسهم عدم كفاءة الحكومة والفساد في زيادة الضغوط.

في أيار/مايو، أغلق مسؤولون في شرق العراق في محافظة ديالى 179 مدارسة حكومية بهدف إعادة بنائها. لكن المشروع يعاني من التأخير. يتوجب على الأهالي الآن نقل أطفالهم إلى مدارس بعيدة. يتردد كثيرون في إرسال الفتيات أو الأطفال الصغار عبر تلك المسافات الطويلة خوفا على أمنهم.

في جميع أنحاء العراق، عندما يخطط المسؤولون لبناء مدارس فإنهم غالباً ما يستخدمون مواد غير مطابقة للمواصفات، بما في ذلك الطين، بينما يسيطر البيروقراطيون الفاسدون على بقية التمويل كما يقول بعض الآباء والأمهات.

يصل الفساد أيضا إلى الفصول الدراسية. إذ يشكو كثير من الأهالي من ضغط غالبية المعلمين في المدارس الحكومية على الطلاب لدفع أموال إضافية لقاء دروس خصوصية وهو تقليد شائع لدى الكثير من الدول العربية. حينها، لا تعود تكلفة المدارس الخاصة  أغلى بكثير من نظيراتها الحكومية لكنها تقدم جواً تعليمياً أفضل.

يستعيد الأهالي العراقيون فترة الثمانينات، حين اعترفت اليونسكو بنظام التعليم العراقي باعتباره واحداً من أكثر الانظمة تطوراً في العالم العربي. وهم يريدون لأبنائهم أن يحصلوا على فرص مماثلة.

لكن العقوبات الاقتصادية التي فرضت في عام 1990 شلت التعليم العراقي. إذ لم يبق إلا عدد قليل من المدارس الثانوية العامة الجيدة، مثل مدرسة المتميزات للطالبات المتفوقات والمتميزون للطلاب المتفوقين. وتطلب كلتا  المدرستين اجتياز اختبارات الذكاء للقبول. (تقع مدارس المتفوقون في بغداد والبصرة والموصل قبل أن يتم الاستيلاء عليها من قبل متشددي داعش). كما توجد مجموعة من مدارس الخاصة التي تهتم بالنخبة، بما في ذلك كلية بغداد للبنين التي أنشئت في عام 1931 من قبل اليسوعيون الأمريكيين.

بعد ذلك، ومع انهيار نظام صدام حسين في عام 2003، انهار نظام التعليم تماماً. في نهاية المطاف، تم اجتذاذ المدراء البعثيين وأُسست مدارس خاصة جديدة لملء الفراغ غالباً بالمعلمين والموظفين الذين فقدوا وظائفهم خلال سنوات الأزمة بعد الاحتلال الأمريكي.

اليوم، يسعى الأهالي لتأمين تعلم جيد لأطفالهم إلا أن نوعية المدارس التقليدية والمناهج الدراسية في المدارس الخاصة والعامة متشابهة تقريباً. تميل المدارس الخاصة إلى استخدام نفس الدروس التي كانت تدرس في ذروة نظام تعليم في العراق قبل فرض العقوبات واندلاع المعارك بعدها.

تقدم كلية بغداد فقط وعدد قليل من المدارس الدولية ،مثل مدرسة Ishik التركية التي افتتحت مؤخراً في بغداد، دورات مختلفة عما تقدمه المدارس الحكومية. غير ذلك، فإن الطلاب يتلقون نفس الدروس العربية، سواء أنفق ذويهم أم لا على تعليمهم.

يقول بهاء المهدي، 20عاماً طالب في جامعة بغداد وسبق وأن درس في مدرسة خاصة “لسوء الحظ، يدرس الطلاب العراقيون مناهج عمرها 25 عاماً.لا يوجد فرق سواء كانت مدرسة خاصة أم حكومية.”

الفارق أن طلاب المدارس الخاصة يدرسون في فصول متطورة في حين أن طلاب المدارس الحكومية يكافحون من أجل العثور على مقعد.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى