أخبار وتقارير

فوضى تسود برامج المنح الدراسية الليبية

في أواخر عام 2011، بعد تخرجه من مدرسته الثانوية في بنغازي، كان علي الريس يعمل لدى منظمة غير حكومية تساعد اللاجئين الليبيين المتضررين من الحرب الأهلية التي أطاحت بالدكتاتور السابق معمر القذافي.

حاليًا، يدرس علي البالغ من العمر 21 عامًا في قسم الهندسة الكهربائية في جامعة ولاية ميتشجين، حيث يواجه تحديًا آخر ألا وهو محاولة توفير أساسيات الحياة.

يعد الريس واحدًا من أكثر من 20000 ليبي درس في الخارج في منح جامعية حكومية، لكن الحكومة لا تنتظم في دفع المصروفات للطلاب في حينها. وقال علي وآخرون إنه وعلى الرغم من أهمية المنح الدراسية في مساعدة حوالي 5700 ليبي في التسجيل سنويًا في الجامعات وبرامج الشهادات المتخصصة في بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الدول، إلا أنهم يعانون من تأخر سداد مستحقاتهم وغيرها من المشكلات الإدارية، والتي تشمل ما يصفه البعض بالنظام غير المنصف لتوزيع المنح.

قال علي “تتفاقم المشكلات المتراكمة والتي تبدأ في ليبيا بسبب عدم الاستقرار السياسي هناك وتنتهي بعدم حصولنا على مصروفاتنا، حيث تتأخر مستحقاتنا لمدة ثلاثة أشهر، ثم نحصل عليها دفعة واحدة ويكون علينا أن ندخرها من شهر لآخر.”

بدورهم، قال المسئولون الليبيون والذين قدروا عدد الطلاب الدارسين في الخارج بحوالي 20000 طالب إنهم يبذلون كل ما في وسعهم في ظل ظروف غاية في الصعوبة. مؤكدين أن هذه البرامج مطلوبة سياسيًا. وقال محمد السلابي، مسؤول برنامج المنح الطلابية في وزارة التعليم “نحن نواجه ضغطًا من القطاعات العامة الأخرى لإصدار قرار آخر لإرسال 55000 طالب للدراسة في الخارج.”

على مدار عقود، وفي محاولة لتعزيز مستواها المهني، قدمت ليبيا الغنية بالنفط منحًا جامعية لطلاب موهوبين ليلتحقوا بكليات أجنبية. وفي السنوات الأخيرة، تم التوسع في المنح الدراسية لتمنح طلاب المدارس الثانوية الموهوبين مثل الريس فرصة الحصول على درجة البكالوريوس من الخارج. ومنذ نهاية الحرب الأهلية، سعت الحكومة الليبية أيضًا لتوفير الفرصة للمحاربين المتمردين السابقين للدراسة في الخارج، في حالة قبولهم في أية مؤسسة تعليمية أجنبية.

خلال الحرب الأهلية، جمدت الأمم المتحدة الأصول الليبية وأوقفت مدفوعات وزارة التعليم العالي للرواتب الشهرية والتأمين الصحي والمصروفات الدراسية للطلاب الليبيين الدارسين في الخارج. ومع انخفاض حدة العنف، استأنفت الحكومة الليبية الدفع مرة أخرى.

ولكن منذ نهاية عام 2013، ومع بداية القتال بين المسلحين الإسلاميين وضباط الجيش الليبي وغيرهم للسيطرة على الدولة التي تعاني من عدم الاستقرار، عادت الحكومة إلى عدم الانتظام في الدفع مرة أخرى.

في 9 حزيران/ يونيو 2014، صدر بيان صحفي عن المكتب الكندي للتعليم الدولي، مؤسسة غير هادفة للربح تدير المنح الدراسية لحوالي 3000 طالب ليبي في الولايات المتحدة الأمريكية وجاء فيه “بسبب القيود المالية الناتجة عن الأحداث الأخيرة في ليبيا، لا يمكن للمكتب أن يضمن التمويل لأي من الطلاب الجدد، ومن ثم ننصح الطلاب المرشحين للحصول على منح للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا بتأجيل خططهم للسفر.”

وجاء في بيان صحفي آخر صدر في نفس اليوم أنه قد يتم وقف التأمين الصحي للطلاب اعتبارًا من 1 تموز/يوليو، كما لم يكن من المنتظر أيضًا أن يتم تحويل الأموال الخاصة بتذاكر الطيران للطلاب للعودة إلى ليبيا، وباقي المزايا أيضًا غير مضمونة.

بعد ذلك بعدة أسابيع، أعلن المكتب أن طرابلس أرسلت مستحقات شهر حزيران/يونيو ولكنها على الأغلب لن ترسل مستحقات شهر تموز/يوليو في حينها.

بدورها، قالت جينيفر همفريز، نائب رئيس المكتب لشئون الاتصالات “في الواقع هناك في بعض الأحيان بطء في التمويل. ويبدو أن ذلك يرجع إلى وجود عملية اعتماد معقدة وشاقة. فالحكومة الليبية تمر بفترة انتقالية.”

أما بالنسبة للريس، وهو الطالب الوحيد الذي صرح أنه قد يضطر إلى طلب المال من والديه عند الضرورة، فعدم انتظام التمويل يزعجه كثيرًا ويجبره على العيش في ظروف أقل مما يريد. ولكن الأمر أكثر خطورة بالنسبة للطلاب الأخرين، وبصفة خاصة طلاب الدراسات العليا وأسرهم في الولايات المتحدة الأمريكية والذين يحصلون على راتب 2700 دولار أمريكي شهريًا. 

قالت كريستي إيلر، مساعد مدير مكتب البرامج الدولية في جامعة ولاية كولورادو “يعتمد الطلاب على رواتبهم الشهرية لدفع الإيجار وسداد الفواتير وإطعام أسرهم، فإذا لم تأتي المسحتقات، يخلق ذلك جوًا من التوتر والريبة.”

https://www.bue.edu.eg/

في حين يتعامل الطلاب مع تذبذبات التمويل، تشكو المؤسسات المضيفة من أن بعض الطلاب الليبيين المسجلين في برامجهم يسببون لهم المتاعب. ولكن بصفة عامة ترحب الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وغيرها بالطلاب الليبيين لأنهم يدفعون المصروفات كاملة ولا يستنفذون المساعدات المالية من الجامعات. وقال الإداريون في هذه الجامعات إن الطلاب الليبيين مؤهلون جيدًا، وأن برامج المنح الجامعية الليبية تدفع أيضًا مصروفات دورات اللغة الإنجليزية لمدة عام كامل قبل أن يتم تسجيل الطلاب في الجامعات. 

ولكن يبدو أن بعض الطلاب الليبيين قد حصلوا على المنح الدراسية قبل التأكد من إجادتهم للغة الإنجليزية والمهارات الأخرى، كما قال تفيك سيكرسي، المدير التجاري لبرايم للتعليم، وهو برنامج في جامعة يورك في المملكة المتحدة لتدريب العمال في مجالات النفط والغاز والنقل الجوي. ويدرس حوالي 2400 طالب ليبي في المملكة المتحدة وهو ما يعتبر أعلى عدد للطلاب الليبيين خارج ليبيا.

وقال سيكرسي “هناك الكثير من المشكلات. فببساطة لا توجد عملية اختيار منضبطة للطلاب. فهم يأتون من أي مكان ولا يتم اختيارهم حسب مهاراتهم أو مستوى إجادتهم للغة الإنجليزية، ولكن يتم اختيارهم حسب معارفهم أو المكان الذي أتوا منه. فالحكومة تقدم المنح الدراسية لأي طالب في أي مجال دراسي.”

كما أشار أن الحكومة الليبية تكرس القليل من مواردها – إن وجدت – لمتابعة تقدم هؤلاء الطلاب.

وأضاف سيكرسي “كيف تتابع مستوى أداء الطلاب؟ ستعرف فقط عند انتهاء الدورة ولكن الوقت سيكون متأخرًا حينها. فبعضهم مستواه متميز ولكن البعض الأخر غير مهتم بالدراسة.”

في ليبيا، قد يصبح الوضع أكثر فوضى حيث يسعى المتمردون السابقون للحصول على فرص للدراسة في الخارج من خلال هيئة شئون المحاربين. فقد تم تأسيس الهيئة في نهاية الحرب الأهلية لدمج الثوار في الحياة المدنية، وذلك بقيادة مصطفى السجزلي، وهو خريج حامعة ولاية يوتا وكلية لندن للاقتصاد، وكان قائدًا للميليشيات المقاتلة ضد قذافي.

تعمل الهيئة بالتعاون مع الوزارة الليبية للتعليم العالي لتسجيل المقاتلين السابقين في برامج أكاديمية أجنبية. فقد وفر القرار الصادر في أذار/مارس 2014 الفرصة لعدد 5000 مقاتل سابق للدراسة في الخارج من خلال الهيئة، كما قال المسئولون الليبيون، وكان ذلك في إطار وعد من رئيس الوزراء السابق بإرسال حوالي 18000 مقاتل سابق للدراسة في الخارج. ولكن هؤلاء المسئولين أقروا بأن ما تقوم به الهيئة من إرسال الطلاب للدراسة في الخارج لا يقتصر على الأغراض التعليمية.

بدوره، قال فتحي الخاري، نائب وزير في وزارة التعليم العالي في منتدى عقد في لندن في حزيران/يونيو حول الجامعات الليبية “كان إرسال المقاتلين للدراسة في الخارج سياسية انتهجتها الحكومة الليبية لحث المقاتلين على ترك أسلحتهم والسفر إلى الخارج.”

واعترف الخاري وغيره من المسئولين الليبيين أن برامج المنح الدراسية تواجه صعوبات، ولكنهم رفضوا الادعاءات التي تزعم عدم استحقاق الحاصلين على المنح الدراسية، ودافعوا عن التوسع في البرامج من خلال هيئة شئون المحاربين، حيث قالوا أن ليبيا تحتاج بشدة إلى تطوير رأس مالها الفكري.

ويتفق طالب الدكتوراه في قسم الهندسة في جامعة نوتينجهام سالم غوزي في الرأي مع هؤلاء المسئولين. ونفيًا لما يقال عن عدم اهتمام الطلاب الليبيين بالدراسة، قال سالم إنه يشعر بالعرفان لحصوله على منحة حكومية سمحت له بإجراء أبحاث لم يكن ليجرى مثلها في بلاده.

وقال غوزي “تختلف الدراسة في المملكة المتحدة لأنها تعتمد على التدريبات العملية.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى