نصائح ومصادر

دراسة حديثة: ازدياد تأثير العلماء العرب في مجال البحث العلمي

بدأت الجامعات العربية في إحراز بعض التقدم في إحدى مقاييس التطور العلمي، وهي المؤشرات التي تقيم مدى تأثير الأوراق البحثية على ساحة البحث الأكاديمي.

وبهدف الإسراع من وتيرة التقدم في هذه المؤشرات، تقدم بعض الجامعات العربية حوافز مالية للمختبرات التي تُدرج أبحاثها ضمن هذه المؤشرات.

بالطبع، لم يكن السعي للحصول على المزيد من التقدير العالمي للأبحاث التي تجريها الجامعات العربية بالأمر السهل. حيث واجهت الجامعات عائق وجود القاسم الأعظم من المجلات المفهرسة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.

يحتفل مؤشر شبكة العلوم (SCI)، باعتباره واحدًا من أكثر المؤشرات استخدامًا في قياس التأثير الذي تحققه الأبحاث، حاليًا بعيده السنوي الخمسين. فإذا نشر أحد العلماء ورقته البحثية في مجلة تُدرج ضمن المجلات المفهرسة داخل هذا المؤشر، فسيكون لديه فرصة أكبر ليستشهد بعمله الكثير من باحثي المستقبل. في عالم العلوم، أصبح عدد المرات التي يتم فيها الاستشهاد بأحد الأبحاث هو مقياس نجاحه، حيث يعتبر الاقتباس من إحدى الأبحاث أو استخدامها كمرجع اعترافًا بأهمية هذا العمل كأساس يستند إليه باقي العلماء في أبحاثهم.

وحتى الآن، حال هذا النظام إلى حد كبير دون وصول البحث العلمي في البلدان العربية إلى المستوى الدولي. إذ لا تنتمي معظم المجلات المدرجة في مؤشر شبكة العلوم إلى دول العالم العربي.

يقول دافيد بندلبري، محلل في تومسون رويترز “نحن لا نسعى إلى التمييز ضد العلم في العالم العربي.  ولكن التركيز على المجلات المعروفة دوليًا يتسبب في إهمال إفريقيا والشرق الأوسط.” مع ذلك، يقول بندلبري إن البيانات تشير إلى أن المزيد والمزيد من الأوراق البحثية -سواءً بشكل مطلق أو نسبي-  الصادرة عن المؤسسات العربية تُنشر في المجلات المفهرسة، مما يعني أن الفجوة باتت تضيق بالفعل.

تغيرت مؤشرات الاستشهاد الأكاديمي كثيرًا منذ عام 1964، وذلك عندما نشر مخترع شبكة العلوم الرائدة إيوجين جارفيلد خمسة مجلدات مطبوعة عن الأوراق المفهرسة. واعتمد في أبحاثه على الباحثين الأكاديميين، فقد جمع بيانات حول من يستشهد بمن. يقول بندلبري “اعتاد جارفيلد أن يطلق على العلماء اسم جيش المفهرسين، فقد أنجزوا العمل بأكمله.”

https://www.bue.edu.eg/

اكتسب القياس المبدئي لمدى تأثير ورقة بحثية مستوى جديد من الأهمية في الثمانينيات. يشرح بندلبري ذلك “قررت المؤسسات في أوروبا استخدام هذا المؤشر كقياس لمستوى أداء الجامعات.” كما خطت الوكالات الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية خطوة أكبر وبدأت في استخدامه كوسيلة لتحديد من يستحق التمويل. فإذا حصل العالم على نسبة اقتباس أعلى، زادت فرصته في الحصول على المنح.

كما تساهم هذه المؤشرات أيضًا في تقييم مستوى الجامعات، وهو الأمر الذي استحوذ على انتباه المنطقة العربية. (يمكن الاطلاع على مقال بعنوان “كيف تقدمت الجامعات السعودية في قائمة التصنيف العالمي؟”).

في أجزاء أخرى من العالم، بما فيها الصين، أصبح مسئولو الجامعات والحكومات أكثر هوسًا بمؤشرات الاقتباس الأكاديمي، حيث يدفعون حوافز مالية للباحثين عند وصولهم لعامل تأثير عالي. وتدفع بعض الجامعات الصينية حوافز تزيد عن 30 ألف دولار أمريكي للباحثين الذين ينجحوا في نشر أبحاثهم في مجلات رفيعة الشأن مثل مجلة ساينس  Science أو ناتشر Nature.

تطور اختراع جارفيلد إلى قاعدة بيانات رقمية شبيهه بمحرك البحث جوجل بالنسبة للعلماء، فهي بلا منازع تشكل أداة مفيدة للعلماء. ولكن العلماء في الأيام الأولى لم يتحمسوا لما رأوه كنظام قياس مبسط للغاية. يقول بندلبري “ولكن الأمر تحول بعدها من رفض إلى حماس شديد من المجتمع الأكاديمي؛ حيث يستخدم الباحثون هذه الأداة لإثبات مكانتهم مما يعني بدوره سهولة الحصول على التمويل لأبحاثهم.”

الشكل رقم 1:اضغط لتكبير الصورة الهوة بين الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية
(البيانات من شبكة علوم تومسون رويترز، كما تم تحليلها في Incites)

خلال العام الماضي تم إدراج أكثر من 375,000 ورقة بحثية من الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدولة صاحبة أعلى معدلات الاقتباس، في المؤشر. أما في العالم العربي، تأتي المملكة العربية السعودية على رأس قائمة الدول العربية حيث أدرجت 9181 ورقة بحثية في هذا المؤشر، تليها مصر بإجمالي 7824 ورقة بحثية وتأتي سوريا في نهاية القائمة بعدد 314 بحثًا. ويعتبر متوسط الأبحاث في الدول العربية المشار إليها في الشكل أعلاه 4736 بحثًا. ويتضح الفارق الهائل بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم العربي حيث تشكل الأبحاث الأمريكية المدرجة في المؤشر 80 ضعف متوسط الأبحاث في الدول العربية.

توضح الكثافة السكانية إلى حد كبير سبب هذا الفارق، حيث تزيد الكثافة السكانية في الولايات المتحدة الأمريكية عن كل البلدان العربية في القائمة، وبالتأكيد يزيد عدد الجامعات فيها كثيرًا عن الدول العربية، مما يفسر زيادة عدد الأوراق العلمية المفهرسة. كما تجدر الإشارة أيضًا إلى امتلاك الجامعات الغربية لموارد أكثر بالإضافة إلى قدرتها على الوصول لأدوات بحثية متطورة. يقول بندلبري ” لا ترقى الدول العربية لمستوى التقدم الذي أحرزته الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة في مجال البحث العلمي.”

 كما يمكن أن يلعب عامل اللغة دورًا في هذا الشأن، سواءً أكانت اللغة العربية أو الفرنسية في كثير من المناطق في شمال إفريقيا. فالأبحاث التي تركز على الاحتياجات المحلية غالبًا ما تُنشر باللغة المحلية. وبينما تضم مؤشرات الاقتباس الأكاديمي بعض المجلات باللغات غير الإنجليزية، ولكن تزيد فرص الاستشهاد بورقة بحثية كثيرًا إذا نُشرت باللغة الإنجليزية، وذلك لكونها اللغة المستخدمة فعليًا في مجال العلوم.

ويقل تمثيل المؤسسات العربية في مؤشرات الاستشهاد الأكاديمي بشكل ملحوظ في مجالي الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، كما يقول وائل بن جلون، رئيس جامعة محمد الخامس – أكدال في المغرب. ويتميز الكثير من الإنتاج البحثي في هذه المجالات بجودة عالية، ولكنه موجه للقارئ المحلي، ومن ثم يُنشر باللغتين العربية و/أو الفرنسية، وهما أقل انتشارًا على الساحة الدولية.

في عام 2007، كانت ماليزيا تواجه موقفًا مماثلاً. فكانت معظم الأبحاث تنشر في المجلات المحلية والوطنية، وبالتالي لم تحصل على أي تقدير دولي. وكان هذا الموقف سببًا في تغيير السياسات، يقول  بندلبري “قدمت الحكومة الماليزية حوافز مالية للأكاديميين الذين ينشرون أبحاثهم في المجلات المفهرسة بدلاً من الماليزية.”

في البداية اهتمت الحكومة الماليزية في الأساس بالكم. فكانت تسعى إلى نشر أكبر قدر ممكن من الأبحاث في المجالات المفهرسة ونجحت في ذلك، على حد قول بندلبري “قد ساعدها ذلك على الاحتكاك بالمجتمع العالمي، مما أدى إلى التعاون بينهم.” بعد ذلك بخمسة أعوام، وبعد ما استفاد المجتمع العلمي في ماليزيا من التعاون مع العلماء في غيرها من الدول، وتحول تركيز الحكومة من الاهتمام بالكم إلى الكيف، كما يقول بندلبري.

“ويبدو أن هذا هو التحول الذي ينبغي أن تمر به البلدان النامية، وبالاطلاع على البيانات الحالية أعتقد أن الكثير من البلدان العربية قد بدأت بالفعل في هذه العملية. فلقد زاد إنتاج كافة الدول بشكل ملحوظ من الأوراق البحثية المنشورة في المجلات الدولية منذ عام 2005.”

الشكل رقم 2: اضغط لتكبير الصورة مؤشرات الدول العربية تتجه للصعود
(البيانات من شبكة علوم تومسون رويترز، كما تم تحليلها في Incites)

في السنوات العشرة الماضية، زاد في مصر عدد الأوراق البحثية التي تُنشر في المجلات المفهرسة بنسبة 166 في المئة مقارنة بالسعودية التي زادت الأبحاث المنشورة فيها بنسبة 522 في المئة.  ويقل عدد الأوراق البحثية المنشورة في المغرب مقارنة بمصر والسعودية، ولكنها أيضًا شهدت زيادة واعدة – حتى وإن كانت متواضعة إذا ما قورنت بالدول الأخرى- وتقدر بنسبة 60 في المئة.

يدير بن جلون برنامجًا في جامعته يشبه البرنامج الذي طبقته الحكومة الماليزية، حيث يقدم جائزة وقدرها 600 دولار أمريكي للمختبرات التي تنشر أبحاثها في المجلات المفهرسة. لكن المال لا يذهب للأفراد، بل يُنفق في إرسال الطلاب لحضور مؤتمرات دولية. يقول بن جلون “نحن نؤمن بأن هذا هو السبب الرئيسي وراء مضاعفة عدد الأبحاث المنشورة دوليًا إلى أربعة أضعاف على مدار ثلاثة أعوام.” وتستخدم بعض الجامعات في تونس برامج مماثلة.

إذا كان العلم على المستوى العالمي تغطيه مظلة جامعية، فهناك مؤسسة شديدة التنافسية تقبع أسفله. فالعلماء يتنافسون حتى في تحقيق أبسط الاكتشافات. وتعتبر المجلات العلمية هي المكان الذي يسجل هذه الاكتشافات، ويمثل الاقتباس الأكاديمي الخريطة التي توضح من أين أتت المعرفة. لقد بدأ العلماء العرب بالفعل في وضع بصمتهم على هذه الخريطة الحديثة.

https://www.bue.edu.eg/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى