أخبار وتقارير

الفن السوري يزدهر متحدياً العنف

في مركز ريتش مكس في شرق لندن، جلس خالد خليفة، الروائي السوري الشهير، ليروي حكايات ساخرة عن الحياة في دمشق مخففاً من المزاج الكئيب الذي يغلف معظم الأحداث السورية اليوم.

تسأله زميلته مالو هلسة “خالد، تم منع كتبك في سوريا. أنت مازلت تعيش في دمشق وتكتب من هناك رغم الوضع الأمني وكل الأشياء التي لا تستيطع قولها في العلن. الرجل الضعيف بالطبع كان سيتوقف عن الكتابة. لماذا تستمر؟” يجيب خالد “لأنني رجل قوي،” فتنفجر القاعة بالضحك.

روى خالد للحاضرين حكايات عن لقاءاته مع النظام السوري. وعلى الرغم من حظر كتبه في سوريا، إلا أنه يتمتع بشعبية هناك وهو الأمر الذي منحه بعضاً من الحصانة ضد حملة القمع التي شنتها الدولة على المعارضين.

خلال اللقاء، تحدث خليفة عن مدير الرقابة السورية الذي منع كتبه و لكنه إشتكى لخالد أن زوجته تحب كتبه. كما تحدث عن ضابط جمارك المطار الذين عثر على كتابه في حقيبته ولكن عوضاً عن مصادرتها اقتاده جانباً لطلب توقيعه.

جاء اللقاء بمناسبة  إطلاق كتاب ” سوريا تتحدث” كجزء من سلسلسة فعاليات تقام في جميع أنحاء المملكة المتحدة خلال الفترة ما بين 11-16 حزيران/ يونيو للترويج للكتاب الذي استغرق العمل عليه عامين بمشاركة 55  فنان ورسام وكاتب سوري يرون  قصصاً عن الرقابة والقمع والعنف لا حصر لها.

بدأ اللقاء، الذي نظمته دار الساقي والمركز العربي البريطاني، بعرض الفيلم القصير”هاون” الذي يرصد مظاهرة في مدينة حلب، تقوم خلالها طفلة بالغناء دعماً للثورة لكن القصف يقطع صوتها ويحيل المتظاهرين إلى جرحى وأشلاء. يحيل الفيلم الجمهور مباشرة إلى خضم الثورة، مقدماً بإيجاز شديد كيف بدأت.

يقول زاهر عمرين أحد المشاركين في تحرير الكتاب “في البداية، خرج الشعب السوري للغناء والرقص لمعارضة النظام الذي استجاب بالقصف.” وتابع عمرين ” القصف هو ما قادنا إلى مايجري في سوريا اليوم، ليس الغناء والشعر والرسم. كانت الفتاة الصغيرة تغني عندما سقطت القذائف.”

يقدم كتاب “سوريا تتحدث” مختارات من أعمال فنية وأدبية داعمة  للثورة. قال عمرين” هذا رد أدبي على العنف.”

يجمع الكتاب لوحات فنية وكارتون ورسوم توضيحية وصور فوتوغرافية وملصقات مناهضة للنظام وأعمال غرافيتي  وحتى تعليقات على موقع الفيسبوك كتبها شاعر من شمال سوريا.

يُظهرالكتاب كوميديا سوداء وسط معاناة لا تصدق في الشوارع السورية وفي المنازل والسجون، مقدماً نضال الفنانيين وواقع سوريا اليوم بكل ما يحمله من عنف وتناقضات وذكريات.

خلال إعداد الكتاب الذي استغرق عامين، أًلقي القبض على العديد من المساهمين الذي تعرضوا للاعتقال من قبل قوات النظام أو قوات داعش (الدولة الإسلامية في العراق وسوريا). كما أجبر أخرون على التخفي.

تعرض مازن درويش، الناشط البارز في حقوق الإنسان وأحد المساهمين في إنجاز الكتاب، للاعتقال التعسفي بعد أن داهمت قوات النظام مكتبه. وفي الوقت الذي يبدي فيه أقرباءه وأصدقاءه خوفاً على حياته، تم وضع صورته على كرسي فارغ خلال حفل إطلاق الكتاب للتذكير بالمخاطر التي تواجه الناشطين والمثقفين هناك اليوم.

لا يمكن الاستهانة بالمخاطر التي تحملها الكتاب المساهمون والمحررون خلال اعداد الكتاب، لكن خالد خليفة تجاهل بخفة ولامبالاة التساؤلات حول سلامته الشخصية. وقال مخاطباً الجمهور “عندما نستيقظ في الصباح ونذهب إلى عملنا، لا يمكننا أن نعرف كيف سينتهي هذا اليوم. في كل يوم، لدينا مشاكل مع نقاط التفتيش في دمشق، مع المخابرات، مع الطعام والكهرباء؛ لكنها مشاكل عادية. في بعض الأحيان لا أستطيع أن أكتب. في بعض الأحيان لا أستطيع النوم.”

لاحقاً، قال خالد في مقابلة إن العالم أثار ضجة كبيرة حول كتبه الممنوعة في سوريا. ” لا أعتقد أنهم يفهمون واقعنا، لأنهم لا يتعاملون مع رقابة الدولة. بالنسبة لي، إنها مسألة تافهة. كيف يمكن لي أن أشكو من منع كتابي لصديق أمضى 15 عاماً في السجن؟ كيف يمكنني قول ذلك لوجهه؟”

بدوره، أوضح روبين ياسين قصاب أحد المساهمين في إعداد الكتاب والمتحدثين في حفل الإطلاق  الفارق بين ما يجري في سوريا ونظرة الغرب إليه. قال “هناك الكثير من السخف والاستشراق في الطريقة التي يجري بها تسجيل الأحداث. لذا من الجيد بالنسبة لي أن أكون قادراً على كتابة قصص الناس.”

وككل المشاركين في الجلسة، يشير قصاب بحماس إلى الأحداث في سوريا بوصفها “ثورة”، وليست صراعاً أو حرباً أهلية. تعتبر الكلمة شكلاً من أشكال المقاومة في حد ذاتها، ومسعى لإعادة ملائمة السرد للأحداث في سوريا  بدءاً من الدولة التي حظرت استخدام هذا التعبير وحتى وسائل الإعلام الدولية التي تتقاطع مع خطاب الدولة.

قال عمرين ” يسميها النظام أزمة، فمجرد استخدام كلمة الثورة في سوريا يعرضكم لخطر جسيم. بصراحة، في كل عمل نقوم به، كل السوريين، سواء كانوا ناشطين أم لا، نحن جميعا في خطر “.

في حضوره الأول للندن، تحدث الرسام خليل يونس عن مجموعته ” ثورة 2011″ وتحديداً عن لوحته حول الطفل حمزة بكور الذي أصابته قذيفة شبيح غاشم وحطمت الجزءَ السفلي من وجهه. قال مخاطبا الجمهور ” شعرت أنه من المهم أن أرسمه، علينا أن نؤرخ بعض الأشياء ونحتاج لجعل هؤلاء الناس أيقونات لنتذكرهم دائما.”

كما شارك يونس بقصة قصيرة عن صديق عمره الذي سيق للخدمة في الجيش السوري واختار القتال من أجل بشار الأسد خوفاً من سيطرة المتطرفين الدينيين على البلاد.

تحدث يونس بعاطفة واضحة حول الصداقة والنضال من أجل إيجاد أرضية مشتركة مع جانب العدو. فصديقه حسن رجل صالح يساعد على إنقاذ الأطفال أثناء هجمات القناصة، ولكنه يحارب في صف الأسد.

تبدو حالة الانفصام التي يعيشها حسن والتعقيد الأخلاقي الناتج عن صداقتهما فارق بسيط واحد فقط في نظرة الكتاب إلى الواقع الغير مفهوم والمضطرب للعيش مع الكراهية والموت وإيجاد الجمال في بلد مليء بالمرارة والدمار.

مع نهاية اللقاء وتدفق المعجبين والمغتربين السوريين على القائيمن بالعمل للحصول على تواقيعهم والاستمرار في الحديث عن الوطن، قال عمرين ” نأمل أن يتوقف القتل المفتوح. عاجلا أو آجلا، سيكون علينا أن نعيش مع بعضنا البعض. القتل التعسفي هو وضع الراهن في سوريا، لكنه أيضا من الإنصاف القول إن الناس، على الرغم من سفك الدماء اليومي والدمار، مازالوا مستمرين في العيش والحديث وصناعة الفن”.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى