أخبار وتقارير

جامعة سورية صغيرة بمعنويات عالية

الريحانية، تركيا — في شارع متفرع من الشارع الرئيسي للريحانية، تظهر هيئة شخص ما من شباك في الدور الثالث يقوم بالإرشاد لطريق حرم جامعي غير مألوف يقع في شقة متواضعة في أطراف المدينة الترابية.

بداخل الشقة، يرحب الأستاذ مصعب الجمل بضيوفه موضحاً كيف يود مساعدة جيل سوريا الضائع من خلال التعليم لبناء العقول التي ستقوم بدورها بإعادة بناء البلد المهشمة فور انتهاء الحرب.

قال الجمل، مؤسس ومدير الجامعة السورية الحرة “هذه ليست ثورة بالأسلحة، ولكنها ثورة بالتعلم.”

قد تبدو ادعاءات الجمل مبالغ فيها، لكن الوضع الذي يستجيب له الأستاذ مُلِح.

قبل إندلاع النزاع في سوريا في أوائل 2011، كانت نسبة من يحملون شهادة جامعية من سكان المدن في سوريا ما بين 15 و20 في المئة. ولكن الصراع المتصاعد ونزوح 10 مليون مواطن تسبب في انقطاع الكثير من الشباب السوريين عن تعليمهم ووظائفهم الأكاديمية. بعد أن دخلت الحرب عامها الرابع، أصبحت المشكلة مزمنة وازدادت الحاجة لتعليم النازحين.

جاءت الجامعة السورية الحرة كاستجابة من أحد الأشخاص لهذه المشكلة، وهي مؤسسة صغيرة تحاول أن تخلق مكاناً للشباب النازحين لاستكمال تعليمهم.

أنشئت الجامعة في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، وبدأت الدراسة بها في الشهر التالي مباشرة. توفر الجامعة حالياً فصولاً لعدد 32 طالب فقط في الشقة، بينما باقي الطلاب – حوالي 300 طالب- وفقا للجمل يتعلمون على الإنترنت، ومنهم الكثير من داخل سوريا. أمنية الجمل الأولى كانت أن يبني حرماً جامعياً حقيقياً في الريحانية، ولكن حالت أموراً قانونية دون ذلك، وهي مشكلة دارجة تواجهها منظمات الإغاثة وأيضاً العاملون الذين يقدمون الدعم للسوريين داخل تركيا.

تدرس الجامعة عدة مواد منها القانون، والاقتصاد، والسياسة، وعلم النفس، والإعلام، والعلاقات الدولية، والتكنولوجيا، والشريعة. وفي ظل غياب الدعم المالي، يتم دفع مبلغ بسيط مقابل الفصول. قال الجمل ” قمت بتمويل الجامعة إلى الآن. نحن نطلب من الطلاب 280‬ دولار مقابل كل مادة.‪ عندما يتوفر لدي المال، أقوم بضخه مرة أخرى في المشروع. كما نغطي تكاليف المدرسين وتكاليفنا – نحن ندعم أنفسنا.”

لا يتمكن معظم الطلاب من تسديد الرسوم المطلوبة، وبحسب تقدير الجمل ربع الطلبة فقط هم من يساهمون مادياً في مصاريف تعليمهم.

للطلاب كمحمد ذو العشرين عاماً، كانت فرصة استكمال التعليم بمثابة معجزة. قال محمد، “كنت طالباً في جامعة حلب، وتم القبض علي من قبل النظام داخل الحرم الجامعي – وأفرجوا عني منذ عامين.” بعد الإفراج عنه، فر إلى تركيا مع عائلته. حاولت أن أنضم للجامعة التركية، ولكنه أمر صعب بسبب اللغة.”

يعد التعليم أمراً هاماً بالنسبة لعائلة مزلاقي: كان والد محمد يعمل في بنك في سوريا، ومنذ وصوله إلى تركيا، دخلت ابنتاه الصغيرتان المدارس. وبعد أن تأخرت دراسة محمد لمدة عامين، اكتشف والده الجامعة الحرة، زاروا  الحرم الجامعي وبعد اطلاعهم على المنهاج وطريقة التدريس، قام محمد بالتسجيل لدراسة التكنولوجيا.

حالياً يتم تدريس 14 فصلاً في الأسبوع في الجامعة، بالمشاركة بين 28 أستاذ. أحد هؤلاء الأساتذة، أبو محمد، هو أستاذ تاريخ سابق، وهو حالياً يقوم بتدريس العلاقات الدولية. ويقول أبو محمد أنه يجد التدريس على الإنترنت مختلفاً، ولكنه مُجدياً بنفس الدرجة. قال” الطلاب فرحون لكونهم قادرون على استكمال دراستهم، ولكن المشكلة هي: هل سيقبل العالم هذه الجامعة؟ لا أحد يريد أن يساعدنا.”

يشعر الجمل بالإحباط بسبب عدم وجود قبول للجامعة، “أنا مدرس سوري، وهذه جامعة سورية، والكتب التي ندرسها هي كتب دولية – كل شيء طبيعي ما عدا المبنى وذلك لأننا شبح في تركيا.” ينتج عن كل ذلك نقص في التمويل، وعدم قابلية نقل وتقدير المؤهلات التي يحصل الطلاب عليها، كما يقول.

علي إبراهيم، 19 عاماً، من حلب، يدرس القانون في الجامعة الحرة. علي أحد الطلاب المعدودين الذين يحضرون الفصول في الجامعة، وهو يعلم أنه في حالة عدم حصول الجامعة على اعتماد، فسوف تظل أحلامه المستقبلية بعيدة المنال. ولكنه على جميع الأحوال يحضر الفصول بشغف. “منذ أن كنت طفلاً، كنت أحلم أن أكون محامياً في المستقبل. أبي فخور بي جداً. وأريد أن أصبح قاضياً مثل أبي في سوريا إن استطعت.”

تعتبر عدم القدرة على تأمين مصاريف الجامعة واحدة من ضمن مشكلات عديدة تواجه الطلاب الجامعيين الذين نزحوا بسبب الحرب. حالياً يقوم كيث واتنبو من جامعة كاليفورنيا في ديفيز وفريقه من الباحثين بعمل دراسة حول تلك القضية. إذ زاروا الأردن ولبنانللتعرف على الاتجاهات الشبيهة في كلا البلدين. نقل المؤهلات، سواء من سوريا أو تلك التي تم الحصول عليها من البلدان المجاورة، يعد مشكلة كبيرة، كما يقول.

للالتحاق بأي جامعة، يتوجب على الشباب أن يؤدوا الإمتحانات في منطقة تحت إدارة الحكومة. ونتيجة لهذا يُجبر الطلاب على السفر عبر الحدود والخروج من المناطق المحاصرة، مثل مخيم اليرموك في دمشق. قال واتنبو” يضع النظام السوري في دمشق سلامة هؤلاء الشباب رهينة، وذلك عن طريق عدم السماح لهم بالإمتحان في أماكن آمنة نسبياً، وهذا خطأ.”

هذا يعني أيضاً أن إمكانية إعادة إعمار سوريا يتم تبديدها، وأن حياة الكثير من الشباب يتم إهدارها، كما ورد في نهاية تقرير فريق واتنبو.

قال التقرير”هؤلاء الشباب هم رأس المال البشري الذي سيكون فارقاً في إعادة بناء المجمتع السوري بعد انتهاء النزاع.يسكون لديهم دور أكثر أهمية كقوة حديثة ومعتدلة في مواجهة التعصب الديني والكره العرقي الذي يظهر بسبب الحرب في وطنهم بشكل متزايد.”

بالطبع، قياس نجاح البرنامج سابق لأوانه جداً. لكن ما ينقص الجامعة الحرة من حرم جامعي تقليدي أو مكانة دولية، يعوضه روحها. تبرق عينا أبو محمد وهو يشرح ما تعنيه وظيفة تدريس التاريخ بالنسبة إليه” تركت مستقبلي ومستقبل طفلي. تركت كل شيء لدي لكي أبني جيلاً جديداً – وهذا الجيل هو الثورة القادمة.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى