مقالات رأي

حوار مع وزير التعليم العالي التونسي الجديد

تم تعيين توفيق جيلاسي وزيرًا للتعليم العالي والبحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تونس أواخر كانون الثاني/ يناير، وذلك في إطار الحكومة الانتقالية التي أعلنت نفسها حكومة تكنوقراط تم اختيارها لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد ولتمهيد الطريق لانتخابات عامة من المزمع عقدهانهاية العام الحالي. 

حصل السيد جيلاسي على درجة الدكتوراه في نظم المعلومات من كلية الأعمال في جامعة نيويورك. وعمل 35 عامًا كأستاذ في تكنولوجيا المعلومات متخصصاً في مجال الأعمال الإلكترونية في كل من جامعة إنديانا وكلية إنسياد لإدارة الأعمال، وهي كلية رائدة في مجال الأعمال في باريس.

– يوجد هناك حوالي 350000 طالب مسجل في ما يقرب من 200 مؤسسة للتعليم العالي العام في تونس، بالإضافة إلى ما يقرب من 30000 إلى 40000 طالب في أكثر من 50 مؤسسة تعليم عالي خاصة. ولكن بحسب ما يرد في التقارير يحصل فقط نصف خريجي التعليم العالي في تونس على فرص عمل. ماهي خططكم لجعل التعليم العالي أكثر تلبيةً لاحتياجات سوق العمل؟

حتى الآن لم يكن هناك أية علاقة بين الجامعات والنظام الاقتصادي. فنحن بحاجة إلى خلق روابط وتعاون بين النظامين. وتكمن أحد الحلول في تشجيع المزيد من التدريب المهني، والتدريب على اللغة الإنجليزية لأن بعض الخريجين يكون لديهم فرص عمل في الخارج، بصفة أساسية في منطقة الخليج، ولكنهم لا يجيدون اللغة الإنجليزية.

بدأنا في تأسيس مراكز للتوظيف في كل جامعة (إقرا تقرير الفنار: مراكز التوظيف خطوة للحد من البطالة). في الماضي لم نعر أي اهتمام لذلك. لم يكن طلابنا يعرفون كيفية كتابة سيرهم الذاتية أو كيفية الاستعداد لمقابلة العمل أو التسويق لأنفسهم. نحن نحتاج بالفعل إلى مراجعة مختلف المجالات الدراسية التي تقدمها الجامعات، واتخاذ بعض الخطوات الجريئة في هذا الشأن. فإذا كانت هناك بعض المجالات التي لا يجد خريجوها فرصًا للعمل، فينبغي علينا مراجعة ما نقدمه وقد نصل إلى قرار بوقف بعض البرامج. 

هناك خطوة أخرى طويلة المدى إلى حد ما وهي ما أسميه “التعليم من أجل التوظيف الذاتي”، مقارنة بما يوجد في تونس اليوم، وهو التعليم من أجل التوظيف. فيجب أن نزود الخريجين بحاضنات للأعمال، ونضيف إلى المناهج موضوعات تخص الابتكار والتكنولوجيا وريادة الأعمال وتطوير خطط العمل. فالدولة تحتاج إلى الاستفادة بنسبة من خريجي الجامعات في مجال ريادة الأعمال.

– حصلت تونس على قرض من البنك الدولي يقدر بـ 95 مليون دولار أمريكي لتحسين مستوى التعليم العالي. كيف استفدتم من هذا القرض حتى الآن؟ 

في البداية، تم استخدام القرض في تقييم جودة التعليم العالي في تونس وتعزيز مفهوم ضمان الجودة. كما يساهم في تأسيس مراكز التوظيف. ومما لا شك فيه نحتاج إلى التفكير في طرق تدريس مختلفة لتحسين جودة التعليم واستخدام التكنولوجيا كلما أمكن ذلك. فنحن نؤمن في التعلم الذي يجمع بين التعليم وجهًا لوجه والتعليم عن بعد من خلال استخدام التكنولوجيا، وذلك في المجالات التي لا تحتاج إلى التدريب العملي مثل مجال الإدارة. كما نستغل دعم البنك الدولي في بعض المجالات الأخرى التي تتعلق بإصلاح التعليم العالي، ومن بينها الحوكمة وتوفير المزيد من الاستقلالية لجامعاتنا، على الأقل في مجال صنع القرار. إذ يتسم نظامنا اليوم بالمركزية إلى حد كبير.

يجب اتخاذ معظم القرارات داخل الوزارة وأحيانًا من قبل الوزير نفسه! ولكنني أسعى إلى تمكين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات لاتخاذ هذه القرارات ومسائلتهم عليها ولكن ينبغي الوثوق في النظام مع إمكانية إجراء تفتيش مفاجئ للتأكد من عدم إساءة استغلال هذه السلطة.

– ما هي طبيعة الجدل الدائر حول ارتداء النقاب أو الحجاب في الجامعات؟

سمحت الحكومة السابقة بقيادة حزب النهضة الإسلامي بارتداء النقاب داخل الفصول الدراسية مع منعه داخل لجان الامتحانات. ولكنني أعلنت قوانين جديدة. فأنا أؤمن بحرية الأشخاص في ارتداء ما يرونه مناسبًا داخل الحرم الجامعي، ولكن لا يجوز السماح بارتداء النقاب داخل الفصول الدراسية أو قاعات المحاضرات أو لجان الامتحانات. فأثناء الامتحانات، يجب أن يتمكن الأستاذ من رؤية وجوه الطلاب بوضوح للتأكد من هويتهم. والسؤال الآن لماذا منع النقاب داخل الفصول الدراسية وقاعات المحاضرات؟ ذلك لأن الكثير من الدورات الدراسية يتم تقييمها من خلال المشاركة داخل الفصل. أنا لا أتحدث هنا عن الإسلام أو السياسة، وإنما أتحدث عن تمكين المؤسسة من أداء دورها على الوجه الأمثل.

– هل ظهرت مؤخرًا أعمال عنف داخل الجامعات؟

نعم، على سبيل المثال الشهر الماضي في جامعة قيروان حاولت مجموعة من الطلاب – وبعضهم من خارج الجامعة- تنظيم تجمع سياسي داخل الحرم الجامعي باستخدام مكبرات الصوت. وحاولت مجموعة من طلاب جامعة قيروان طردهم. حدث اشتباك بين المجموعتين بالحجارة والأسلحة البيضاء أسفر عن إصابة الكثير من الطلاب، وبعضهم يعاني من إصابات بالغة. واضطرت الشرطة إلى التدخل واستخدام الغاز المسيل للدموع. لهذا السبب بالذات أعارض الأنشطة السياسية داخل الجامعات. في الماضي لم يكن هناك أية فرصة للطلاب لممارسة الحرية، ولذلك استخدم الطلاب الجامعات كمنبر للتعبير عن أنفسهم. ولكن اليوم يمكن لأية جمعية أو حزب عقد اجتماعاته في أي مكان. لذلك لا يسمح بعقد اجتماعات سياسية داخل الجامعات يكون من شأنها تعطيل أداء الجامعة لدورها.

– هل تهتم الجامعات التونسية بإجراء الأبحاث؟ وكيف يمكنكم تعزيز البحث العلمي؟

لا تجري الجامعات التونسية الكثير من الأبحاث، وذلك لسببين: أولاً عدم وجود حوافز لأعضاء هيئة التدريس للقيام بالأبحاث، فينبغي علينا مراجعة نظام الحوافز في الجامعات. وثانيًا بسبب نقص مصادر التمويل. ولكنني أسعى إلى تشجيع الأبحاث التطبيقية والعمل عن كثب مع بعض الشركات، التي يكون لديها الاستعداد للتعاون مع بعض الجامعات في مجال الأبحاث وتغطية بعض نفقاتها. وهذا مجال آخر يتطلب المزيد من الاهتمام.

– فيما يخص التعليم الدولي، هل تسعى لفتح سبل للتعاون بين الجامعات التونسية والعالم الخارجي؟

نعم، فأنا أؤمن بأن التعاون الدولي مفتاح لحل الكثير من المشكلات. فمنذ توليت منصبي منذ شهرين قابلت الكثير من السفراء، بناء على طلبهم، لمناقشة سبل تعزيز العلاقات بين بلدانهم وتونس في مجال التعليم العالي. واجتمعت مع أكثر من سفير في الأسبوع من كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وقطر والصين والاتحاد الأوروبي وغيرهم. وربما يكون تطور الوضع السياسي في تونس (الاتفاق بين الأحزاب السياسية في تونس على تنحي حكومة حزب النهضة الإسلامي لصالح الحكومة الحالية المؤقتة) من أهم الأسباب التي تشجع مثل هذا النوع من التعاون.

أبرمنا اتفاقية مع اليابان لتأسيس حرم جامعي في المتوسط بالتعاون مع جامعة تسوكوبا يتم افتتاحه في أيلول/ سبتمبر 2015. نحن ندرس إمكانية تقديم بعض البرامج في مجالات التكنولوجيا التطبيقية والعلوم البيئية والتكنولوجيا الحيوية. كما قدمت الولايات المتحدة الأمريكية منحًا دراسية لتونس تقدر بمبلغ 10 ملايين دولار أمريكي للدراسة في الجامعات الأمريكية لمدة ثلاث سنوات اعتبارًا من أيلول/ سبتمبر الماضي. كما كنت في زيارة للمملكة العربية السعودية منذ أسبوعين. وفي نهاية الزيارة، قرر نظيري وزير التعليم العالي السعودي مضاعفة عدد المنح الدراسية للطلاب إلى 120 منحة.

– هل تود إضافة أي شيء لم نتطرق إليه خلال حوارنا؟

لقد واجهنا أوقات عصيبة في تونس ولكننا اجتزناها. ما يهم اليوم هو مراجعة مختلف المسارات الأكاديمية والتفكير في كيفية تعزيز أهم البرامج والتحلي بالشجاعة الكافية لوقف البرامج الأخرى التي لم تعد مهمة لسوق العمل. نحن نؤمن بالتفاؤل والعمل الجاد فلن تمطر السماء إنجازات، وإنما علينا السعي لتحقيقها. وتعتبر حكومتنا حكومة فريدة من نوعها، فليس لنا أية انتماءات سياسية، فنحن مجموعة من التكنوقراط، ولنا حرية التصرف.

* تم تحرير الحوار للمزيد من التوضيح والإيجاز.

https://www.bue.edu.eg/
Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى