مقالات رأي

هل التعليم حق؟

يعرف الجميع أن التعليم حق، ولكن في بعض الأحيان ما يعرفه الجميع ليس صحيحًا. 

نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948 على أن التعليم حق، وكان الفيلسوف اللبناني تشارلز مالك من بين أعضاء اللجنة التي صاغت هذا الإعلان. ومنذ ذلك الحين، وقعت كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عليه. في بعض الأحيان، تكون اللغة الدبلوماسية غامضة بعض الشيء، إلا أن المادة 26 من هذا الإعلان كانت واضحة بشكل كافي. حيث نصت على ما يلي: “يتمتع كل شخص بالحق في التعليم. ويجب أن يكون التعليم مجانًا، على الأقل في مراحله الأولية والأساسية. ويعتبر التعليم الابتدائي إلزاميًا. وبصفة عامة، يجب توفير فرص التعليم التقني والمهني للجميع، على أن يتاح التعليم العالي بشكل متساو للجميع على أساس الجدارة والاستحقاق.”

ولكن إذا كان التعليم حقًا، فإنه من الحقوق الحديثة. إذ لم يأتي ذكر التعليم في إعلان الثورة الفرنسية لحقوق الإنسان، والتي شملت الحقوق الأخرى، مثل الحرية، والملكية، والأمن، ومقاومة الظلم. ولقد كانت بروسيا هي أول دولة تطبق ما نسميه نظامًا للتعليم العام المجاني والإلزامي في عام 1763.

في العالم العربي، استخدمت السلطات الاستعمارية في أغلب الأحيان التعليم العلماني كوسيلة لإحكام سيطرتها على السلطة. وكان هذا التعليم العلماني عادة في منافسة أو تعارض صريح مع التعاليم الدينية التقليدية. ومنذ نهاية العصر الاستعماري، أقرت كافة الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – على الأقل من حيث المبدأ – الحق في التعليم العام المجاني.

ولكن الصراعات المتعلقة بالتعليم كوسيلة للسلطة، سواءً تعليم ديني أو علماني، لا تزال قيد الحل. هذا العام، نصت المادة 38 من الدستور التونسي الجديد على ضمان الحق في التعليم العام المجاني حتى عمر 16 عامًا، وتعهد الدستور “بمحاولة تأصيل الهوية العربية والإسلامية إلى جانب حب الوطن لدى الشباب الناشئ”.

ولكن في ظل هذا التوتر السياسي، ما الذي يمكن أن يعنيه الحق في التعليم؟ اقترح مقرر الأمم المتحدة حول الحق في التعليم إطارًا للعمل يتألف من أربعة معايير أساسية، وهي:

1. التوافر. يجب أن يكون التعليم الأساسي مجانيًا مع توافر بنية تحتية مناسبة وعدد كاف من المعلمين المدربين.

2. الإتاحة. يجب أن يتاح التعليم للجميع دون تمييز على أساس الجنس أو العرق أو الخلفية الاجتماعية أو الاقتصادية للطلاب.

3. القبول. لا يكفي أن نرسل الأطفال إلى أماكن تسمى “مدارس”. فيجب أن توفر المدرسة بيئة آمنة، ومدرسين متخصصين، ومحتوى تعليمي يتناسب مع احتياجات الطلاب وخبراتهم.

4. التكيف. التعليم المناسب في لندن أو باريس قد لا يناسب القاهرة أو بيروت. يجب أن يتناسب التعليم مع الاحتياجات والظروف المحلية ويتغير وفقًا لاحتياجات المجتمع.

يفرض كل معيار من هذه المعايير تحديًا مختلفًا. فلقد تحسن معيار توافر فرص التعليم بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة في العالم العربي. حتى في اليمن، والتي يوجد بها أعلى معدلات الأمية بين الإناث على مستوى العالم حسب الأرقام التي ذكرها البنك الدولي، تزيد معدلات التسجيل في المدارس الابتدائية الآن عن 77 في المئة ووصلت معدلات تسجيل الإناث إلى 70 في المئة. ويلزم الدستور المصري الجديد، والذي تمت صياغته في أواخر العام الماضي، الحكومة بإنفاق 4 في المئة على الأقل من إجمالي الناتج القومي على التعليم “مع زيادة هذه النسبة تدريجيًا حتى تصل إلى المعدلات العالمية.”

تقل إتاحة التعليم بصفة عامة بالنسبة للمراهقين في العالم العربي. ويرجع ذلك جزئيًا إلى التطبيق غير المتكافئ لمبدأ التعليم الإلزامي. قبل الحرب الأهلية في سوريا، كانت الحكومة تفرض غرامات على أولياء الأمور إذا لم يرسلوا أطفالهم إلى المدارس الثانوية. ولكن في اليمن؛ حيث من المفترض أن يكون التعليم إلزاميًا حتى سن 14 عامًا، لا يتم الاكتراث بتطبيق القانون، ومن ثم يتفلت ملايين الأطفال من المدارس.

في مصر والتي تتميز بأكبر نظام تعليمي في الشرق الأوسط، وصلت معدلات التسجيل في التعليم العالي إلى 30 في المئة في عام 2007، ولكن النظام عانى كثيرًا من الصراعات السياسية. وفي لبنان، تزيد نسبة المشاركة في التعليم العالي عن 50 في المئة، بينما لا تزيد النسبة في المغرب عن 11 في المئة. (بالمقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية حيث يلتحق حوالي 62.5 في المئة من خريجي المدارس الثانوية بالجامعات). وبالطبع قد يبدو التعليم العالي بمثابة الرفاهية للدول الي لا يزال مواطنوها يعانون للحصول على غذاء وملبس ومأوى.

ويمكن أن تكون العوائق أمام إتاحة التعليم غير ملموسة كالعادات الاجتماعية التي تميز الرجل عن المرأة أو أخرى ملموسة مثل نقص الأرصفة المنحدرة التي تسمح للطلاب المقعدين بالانتظام في المدراس. في قطر، تمتلك الحكومة الإمكانات المادية والرغبة في السماح لمعظم الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة بالتعلم في فصول دراسية عادية وتوفير المساعدة المتخصصة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والذين لا تناسبهم مثل هذه الفصول. ولكن كغيرها من المزايا السخية التي توفرها قطر، لا تشمل هذه الترتيبات أطفال المغتربين والذين يشكلون 70 في المئة من التعداد السكاني في قطر.

بصفة عامة هناك نقص في مشاركة الإناث في التعليم العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على الرغم من أن الهوة بين الجنسين قد تلاشت كثيرًا في السنوات الأخيرة. تتساوى نسب مشاركة الإناث والذكور تمامًا في الجزائر، بينما تزيد قليلاً نسبة مشاركة الإناث عن الذكور في فلسطين، وليبيا، وتونس، والكويت، والإمارات العربية المتحدة.

وتأتي اليمن في أواخر قائمة الدول العربية التي تتيح للمرأة فرص التعليم العالي. ففي عام 2011، بلغ عدد الطلاب 47000 طالب مقارنة بعدد الطالبات والذي بلغ 15000 طالبة، بحسب آخر الإحصائيات المتوفرة. تقول وهيبة فراعة، السياسية اليمنية التي كانت أول سيدة تشغل منصب وزيرة الدولة لحقوق الإنسان في 2001 “العائلات اليمنية الراقية فقط هي التي تهتم بإرسال بناتها للمدارس والجامعات.”

وعلى العكس، في بعض الدول العربية، يُنظر للتعليم العالي في الأساس كميدان للإناث، حيث يفترض الرجال ضمان الحصول على وظيفة في الحكومة أو الجيش. وقد وصفت صحيفة بريطانية مؤخرًا قطر – حيث تصل نسبة الطالبات مقارنة بالطلاب ستة إلى واحد – بأنها أفضل مكان في العالم لدراسة الإناث في الجامعات. واقعيًا وحسب إحصائيات استراتيجية قطر الوطنية للتنمية يصل معدل تسجيل الذكور في الجامعات حوالي 28 في المئة فقط. يمتلك الرجال القطريون الحق في التعليم، ولكنهم لا يرغبون في ممارسة هذا الحق على ما يبدو.

وختامًا، يترك الأطفال التعليم بسبب آثار الحروب، والصراعات العرقية، والاحتلال العسكري. فالأطفال الذين لا يشعر آباؤهم بالاطمئنان عليهم في المدارس، على الأغلب لا يمكنهم تعويض ما فاتهم والالتحاق بالدراسة الجامعية. يعتبر التقرير الذي أعده مشروع الحق في التعليم – وهو مشروع غير حكومي تدعمه خمس مؤسسات خيرية تضم منظمة العفو الدولية ومنظمة أنقذوا الأطفال – استعراضًا مؤلمًا للضرر الذي لحق بتعليم الأطفال في 13 دولة بما فيها لبنان وفلسطين.

قد يكون التعليم بالفعل حقًا عالميًا من الناحية الفلسفية. ولكن الفحص الدقيق للواقع والتفاصيل العملية يؤكد حجم عدم المساواة فيما يتعلق بتطبيق هذا الحق واقعيًا.

مصادر المعلومات ذات الصلة بهذا المقال:

حركة التعليم للجميع والتي تقودها اليونسكو لتحقيق ستة أهداف تشمل، على سبيل المثال، ضمان إتاحة مستوى جيد من التعليم الأساسي مجانًا وإلزاميًا بحلول عام 2015 لكل الأطفال وبصفة خاصة الفتيات والأطفال الذين يعانون من ظروف صعبة والمنتمين للأقليات العرقية. ويمكن الاطلاع على أخر التقارير (اعتبارًا من ايار/ مايو 2014) حول التقدم في تحقيق هذه الأهداف باللغة العربية واللغة الإنجليزية. كما يمكن مطالعة تقرير عام 2012 حول الأهداف المرجوة في البلدان العربية باللغة الإنجليزية.

    – يرصد “التحالف العالمي لحماية التعليم من الاعتداء” الهجمات على المدارس والجامعات أثناء الصراعات المسلحة ويسعى إلى منع هذه الهجمات. ويوثق التقرير بعنوان “التعليم تحت القصف لعام 2014” حالات الاعتداء في ثماني دول عربية (يمكن تحميل ملف الــ PDF من خلال هذا الرابط).

– يناقش تقرير عام 2009 بعنوان “التعليم في الأسر: الثغرات في تعليم الأطفال قيد الاحتجاز” حق الأطفال المحتجزين في التعليم في 13 دولة من بينها لبنان وفلسطين.

* تمت كتابة المقال بدعم من قبل صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية في إطار التحضير لعقد سلسلة من ورش العمل لتشجيع الصحافيين العرب للكتابة عن التعليم.

‫2 تعليقات

  1. من منطلق انسانى وحفاظا على الحقوق بادرت المنظمات او الجمعيات الخمس بالتعاون لضمان حق الاطفال فى التعليم والمنظمات العالميه لحقوق الاطفال وهكذا , او ليس من الاولى الحفاظ على حياه الطفل ومنع قتله غدرا اولا ثم الحديث عن حقوقه داخل المجتمع مثل التعليم والصحه ,……………الخ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى