أخبار وتقارير

التعليم لم يعد طوق نجاة للاجئين الفلسطينين

يحتفل عمار أبو يوسف بعيد ميلاده الثلاثين في غضون أيام. عمار، الذي طالما حلم بدراسة الصيدلة، انتهى به المطاف في متجر صغير لبيع الهواتف المحمولة في مخيم جرش لللاجئين الفلسطينين في الأردن والذي يُعرف محلياً باسم “مخيم غزة” نسبة لسكانه البالغ عددهم نحو 20.000 والوافدين من غزة بعد حرب 1967.

يقع المخيم على بعد ساعة شمالي العاصمة عمان بالقرب من المدرج الروماني لمدينة جرش الأثرية. بعد اجتياز الوادي، تضيق الشوارع وتغيب الأرصفة. تصطف البيوت الخراسانية المتهالكة بأسقفها المصنوعة من الزنك ونوافذها القليلة على جانبي الطريق. في حين تبدو وسائل النقل العامة نادرة داخل المخيم الذي يكتظ بالمارة والباعة الجوالين.

يقول عمار بابتسامة ساخرة” بالطبع كان لدي أمنيات في كل عيد ميلاد، ولكن منذ بلوغي سن الثامنة عشر أدركت أن لا معنى لأمنياتي. فأنا لاجئ من غزة.”

كان عمار طالباً مجداً في المدرسة، كما يقول، لكنه لم يتمكن من استكمال تعليمه الجامعي. ”  من المستحيل توفير رسوم الجامعة الباهظة. وحتى لو توفرت الأموال، لا يسمح لنا بالعمل لاحقاً. الدراسة الجامعية لأمثالنا إضاعة للوقت والمال”.

على عكس من الفلسطينيين الذين جاءوا من الضفة الغربية، والذين يعيشون في مخيمات أخرى، لا يحمل لاجئو غزة الجنسية الأردنية. ورغم كونهم يحملون جواز سفر مؤقت لمدة عامين، يعتبر فلسطينيو غزة ” أجانب” في الأردن حيث ولد على الأقل ثلاثة أجيال حتى الآن.

في الأردن، كما هو الحال في كثير من دول الجوار، يتسبب هذا الوضع القانوني المعقد بالعديد من المشكلات خاصة في التعليم والعمل.

يمكن للطلاب الالتحاق بالمدارس المكتظة التي تديرها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين حتى الصف الأول ثانوي. إذ توجد مدرسة واحدة للبنين وأخرى للبنات في المخيم، بحسب ناشطة مجتمعية. تضم هذه المدارس، التي تعمل وفق نظام الفترتين، حوالي 5 آلاف طالب وطالبة يتوزعون على فصول دراسية تضم كل منها نحو 55 طالباً وطالبة على الأقل.

لاستكمال تعليمهم الثانوي، يُسمح لأبناء وبنات المخيم بالالتحاق بالمدارس الحكومية الرسمية. ولكن توجد مدرسة واحدة فقط حكومية للفتيات داخل المخيم، بينما يتعين على الذكور استخدام الباص للوصول إلى مدرستهم الثانوية خارج المخيم. ونظراً لكون المواصلات مكلفة بالنسبة لمعظم أسر المخيم، غالباً ما يتوقف الطلاب عن متابعة تعليمهم الثانوي.

يبلغ معدل الأمية في المخيم  13 في المئة أي ضعف المعدل العام في الأردن، بحسب دراسة لوكالة اللاجئين. بينما 13 في المئة فقط من طلاب المخيم يستكملون تعليمهم مابعد الثانوي بالمقارنة مع 22 في المئة في الأردن. تقول هناء عصفور، باحثة في شؤون اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، إن الطالب الفلسطيني يعامل معاملة الطالب الأجنبي فيما يخص دفع الرسوم. مشيرة إلى أن الوسيلة الوحيدة للطالب لاستكمال تعليمه دون دفع الرسوم الباهظة تكمن في تمكنه من الحصول على منحة خاصة.

تقسم المكرمة الملكية، واحدة من أبرز المنح المتوفرة، 5 في المئة من مقاعد الجامعات الحكومية بين طلاب 13 مخيم في الاردن من ضمنهم طبعاً مخيم جرش. كما تقدم الحكومة الأردنية نحو 350 مقعداً جامعياً للسفارة الفلسطينية، إلا أن الأولوية للسفارة تكون للطلاب الفلسطينين المقيمين في الضفة الغربية وداخل قطاع غزة .

لا يتمكن معظم الطلاب من استكمال دراستهم الجامعية، وعليه فإن عدد أقل بكثير من الطلاب يكملون دراستهم العليا. تقول عصفور” 6.9 في المئة فقط يحصلون على درجة الليسانس أو البكالوريوس، 0.3 في المئة يحصلون على درجة الماجستير و 0.1 في المئة فقط يحصلون على الدكتوراة”.

تتسبب القيود المفروضة على عمل اللاجئين الفلسطينين من مخيم جرش بإضعاف اهتمامهم باستكمال تعليمهم. إذ لا يسمح لهم بالعمل في القطاع الحكومي بما ذلك في المدارس العامة والجامعات. ولايمكنهم أيضاً الحصول على تراخيص لمزاولة مهن كطب الأسنان، والمحاماة، والزراعة، والمحاسبة القانونية والصيدلة. كما يحظر عليهم العمل في مجال الخدمات المصرفية والسياحية.

تقول الناشطة المجتمعية، التي فضلت عدم ذكر اسمها، ” لا يمكننا حتى الانضمام إلى النقابات المهنية أو  إقامة مشروع تجاري خارج حدود المخيم بدون تصريح”.

نتيجة كل هذه القيود، يبلغ معدل البطالة بين لاجئي المخيم نحو 39 في المئة، أي أكثر من ضعف المعدل في البلاد والبالغ 14 في المئة.

تقول عروب العابد، أستاذ زميل في دراسات التنمية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، ” إن ترك الشباب بدون تعليم أو فرص عمل يجعلهم عرضة لمصيدة الانحراف والتطرف”. وتشير العابد إلى أن الحكومات العربية تركت مسؤولية اللاجئين على عاتق وكالة الامم المتحدة للإغاثة التي توفر بدورها مساعدات أساسية محدودة جداً. في الواقع، تتتذرع الحكومات العربية أن منح اللاجئين الفلسطينين جنسيات البلاد المضيفة يؤثر سلباً على حق عودتهم إلى بلادهم فلسطين.

في مصر، لايعيش الفلسطينيون في مخيمات ولكن عليهم أيضاً النضال للحصول على حقوقهم في التعليم والعمل. إذ يتوجب عليهم دفع رسوم الالتحاق بالجامعات بالجنيه الاسترليني، كما أن فرص توظيفهم تبدو ضيئلة بسبب قانون العمل المصري الذي يقضي بتوظيف 10 في المئة فقط من غير المصريين في أي عمل.

في لبنان، لا يختلف الحال كثيراً عما هو عليه في الأردن. فعلى الرغم من تعديل القانون في عام 2010  ومنح الفلسطينين حق الحصول على تصاريح مزاولة مهن مختلفة، إلا أن القانون لم يدخل حيز التنفيذ بعد.  يقول الفلسطينيون إن التمييز لا يزال يمارس ضدهم في التعليم والعمل.

يقول حيدر – فلسطيني يبلغ 19 عاماً من جنوب لبنان – ” هنا في لبنان، يفضلون اللبنانيين على الفلسطينيين في كل شيء “. لم يكن حيدر، الذي طالما رغب بدراسة الهندسة، قادراً على تحمل تكاليف الدراسة في جامعة خاصة كحال الغالبية العظمى من الفلسطينيين في لبنان. لذلك اضطر للالتحاق بالجامعة الحكومية الموجودة في البلاد لدراسة علوم الكمبيوتر، إذ لا تقدم الجامعة تخصص الهندسة “هذا الخيار الوحيد لا يرضي طموحي”.

يعيش في لبنان نحو 300 ألف فلسطيني في ظروف معيشية صعبة جداً، يتوزعون  ضمن 12 مخيم منتشرين في مختلف أنحاء البلاد. وكما في الأردن، لايملكون الحق في التملك والحصول على الخدمات الاجتماعية الحكومية. يبلغ معدل البطالة نحو 37 في المئة، وفقا لدراسة أجرتها الجامعة الأميركية في بيروت. بينما 6 في المئة فقط من قوة العمل الفلسطينية استكملت تعليمها الجامعي  مقارنة ب 20 في المئة من سكان لبنان .

حصل حيدر على منحة للالتحاق بمدرسة خاصة بفضل اجتهاده. إلا أن معظم الطلاب الفلسطينين يدرسون في مدارس وكالة اللاجئين الفلسطينين، حيث يرتفع معدل التسرب من المدارس إلى أكثر من 10 مرات من معدل التسرب المدرسي العام في البلاد.

ولأن الهندسة لم تكن يوماً خياره، لايعرف حيدر ماذا سيفعل بعد الانتهاء من دراستها . ” ليس لدي فكرة الآن. اترك هذا للقدر. إذا كان لدي فرصة للسفر، سأتركها. إنها الخيار الوحيد في الوقت الراهن، لذا يتوجب علي البقاء في الجامعة اللبنانية ” .

تتشابه قصة حيدر مع قصص العديد من الطلاب الفلسطينيين في البلاد. تقول مها شعيب، مديرة مركز الدراسات اللبنانية ومؤلفة كتاب فن الإقصاء الإدماجي: تعليم الطلاب الفلسطينيين اللاجئين في لبنان، “يلتحق غالبية الطلاب بالجامعة الحكومية، إلا أن العديد من التخصصات تفتقر للجودة”.

من خلال خبرتها، تقول شعيب إن مشاكل التعليم بين السكان الفلسطينيين في لبنان تبدأ في وقت مبكر. “أكثر من 20 في المئة من الأطفال لا يصلون إلى التعليم الثانوي.”

 كما تشعر شعيب أن واقع التعليم المتردي اللاجئين يزيد الفجوة بين الفلسطينيين واللبنانيين. إذ يضطر الفلسطينيون لدراسة المناهج اللبنانية  والتعرف على حقوق لن يحصلوا عليها، في حين يتعلمون القليل جداً عن تاريخهم. كما أن محدودية فرص العمل تزيد  من الفجوة الاجتماعية والاقتصادية.

على مدى عقود، تمتع الفلسطينيون حول العالم بسمعة جيدة لاهتمامهم الكبير بالتعليم. ولكن كلاجئين، يبدو أن الإيمان بدور التعليم كطوق نجاة يتراجع. تقول شعيب ” لطالما كان التعليم هدفاً للفلسطينين للوصول لحياة أفضل. ولكن يبدو أنه لم يعد كذلك الآن لسوء الحظ.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى