مقالات رأي

لقاء مع الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية

عمان- التقت كبيرة محرري الفنار سلطان أبوعرابي، الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية، في مكتبه بعد عودته من مصر وقبل سفره مجدداً إلى اليمن.

يعج مكتب أبو عرابي، والذي تتكدس فيه الكتب والأوراق البحثية، بالزوار طوال النهار. خلال خمس ساعات، ووسط العديد من الاجتماعات الطارئة والمكالمات الهاتفية مع فلسطين ودبي ولندن، تحدث الأمين العام عن واقع التعليم العالي في المنطقة العربية وأبرز التحديات والفرصة المتاحة اليوم.

درس أبو عرابي الكيمياء العضوية وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ميشيغان في الولايات المتحدة. شغل منصب رئيس اثنتين من الجامعات الأردنية الحكومية وجامعة واحدة خاصة قبل انتخابه أميناً عاماً لاتحاد الجامعات العربية، الذي يقع مقره في الأردن.

شارك أبو عرابي في أكثر من تسعين مؤتمراً وطنياً وإقليمياً ودولياً خلال مسيرته المهنية التي تمتد لستة وعشرين عاماً. كما شغل منصب رئيس تحرير العديد من المجلات وعمل في العديد من المجالس الاستشارية الدولية. *رشا فائق، كبيرة المحررين.

كيف يمكن أن تصف أوضاع التعليم العالي في المنطقة العربية اليوم؟ وما هي أبرز التحديات؟

قبل وصف الوضع الحالي، أود أولا التحدث بشكل موجز عن التاريخ القديم للتعليم في منطقتنا. في 734 ، أنشئت جامعة الزيتونة باعتبارها أول جامعة في العالم في تونس ، ثم أنشئت جامعة فاس في المغرب عام 859 ، تلتها جامعة الأزهر في القاهرة في 970 والجامعة المستنصرية في بغداد في 984. أنشأ العرب أيضاً عدة جامعات في قرطبة في القرنين العاشر والحادي عشر. [ يختلف المؤرخون حول هذه التواريخ، وخصوصا حول تاريخ تأسيس أول جامعة في العالم.] في تلك الأوقات، كان الأوروبيون يأتون للدراسة في الجامعات العربية. حتى القرن السادس عشر، عندما انقلبت الأوضاع رأساً على عقب فشهدت المنطقة العربية تراجعاً فكرياً وعلمياً في حين بدأ الأوروبيون بالتقدم. بدأ تاريخ جديد للتعليم مرة أخرى في المنطقة مع قدوم المستشرقين ا في القرن 18 . في عام 1866 ، فتحت الجامعة الأميركية في بيروت أبوابها كأول جامعة حديثة في المنطقة. حتى عام 1953 ، كان لدينا 14 جامعات فقط في المنطقة بأسرها معظمهم جامعات خاصة. اليوم ، يوجد نحو 600 جامعة في المنطقة، ومايقارب 11 مليون طالب وطالبة وأكثر من 200.000 أستاذ جامعي. ومع ذلك، فنحن نواجه العديد من التحديات والعقبات، أبرزها ثلاثة: جودة مخرجات التعليم العالي، وضعف البحوث وهجرة المدرسين والأكاديميين وحتى الطلاب في الآونة الأخيرة .

تنفق الحكومات العربية عموما الكثير من المال على التعليم، ولكننا ما نزال نفتقر للجودة. لماذا؟ 

أولاً، لا يمكننا تجاهل أن جامعاتنا تخرج الملايين من الطلاب كل عام، والذين يعملون في الأسواق العربية والدولية. أيضاً، نحن نشهد زيادة كبيرة في أعداد الطلاب سنوياً مما يتطلب جهوداً كبيرة لضمان جودة التعليم. لذلك، أنشأ اتحاد الجامعات العربية مجلس ضمان الجودة و الاعتماد، أحد ن أهم المؤسسات التي تعمل مع الجامعات العربية. كما قمنا بنشر ستة مراجع وأدلة للجودة حتى الآن. بالطبع لا يملك الاتحاد أي سلطة على الجامعات لضمان التزامهم بهذه المعايير، إلا أننا نعول على نشر الثقافة والتوعية للحصول على أنظمة تعليم أفضل.

تعاني الجامعات العربية أيضاً من ضعف الاهتمام بالبحوث، كيف يمكن تشجيع المزيد من البحوث ؟

للأسف، تولي جامعاتنا اهتماماً كبيراً بالتدريس- وهذا بالطبع شئ مهم- بينما اهتمامها بالبحوث مازال دون المامول. وهذا سبب من ضمن مجموعة أسباب أخرى لعدم إدراج جامعاتنا العربية في التصنيفات العالمية التي تعطي معظمها أولوية كبيرة للبحوث. يبلغ عدد سكان منطقتنا نحو 5.5 في المئة من سكان العالم، ومع ذلك فإن نسبة مساهمتنا في البحث العلمي لا تتجاوز 0.5 في المئة عالمياً. كما يقارب عدد الباحثين العرب 500 باحث لكل مليون نسمة، في حين أن الدول الصناعية المتقدمة لديها حوالي 6000 باحث لكل مليون شخص. علاوة على ذلك، لدينا عدد قليل جداً من براءات الاختراع في المنطقة.

تكمن مشكلتنا الحقيقية في التمويل. نحن لا ننفق ما يكفي من المال على الأبحاث. بالطبع، هناك الكثير من الأسباب الأخرى مثل قلة الخطط الاستراتيجية للبحوث. ولمعالجة ذلك، أنشأ الاتحاد العام الماضي صندوق البحث العلمي العربي بهدف دعم البحث العلمي في المنطقة بأكملها، بما في ذلك في مجالات الطاقة والمياه والرعاية الصحية. ومؤخراً، التقينا الأامين العام لجامعة الدول العربية الذي وعدنا ببحث موضوع دعم الصندوق مالياً في القمة العربية المقبلة .

برأيك أين دور الجامعات العربية اليوم ونحن نشهد ما يسمى ” بالربيع العربي”؟ هل تعتقد أنه يتوجب السماح للطلاب بمناقشة الأوضاع السياسية والمطالبة بالمزيد من الحريات داخل الحرم الجامعي ؟ 

نعلم جميعاً أن الشباب العربي شارك في الربيع العربي نظراً لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. يتخرج حوالي3 ملايين طالب سنوياً من جامعاتنا، ولكن معظمهم لا يستطيع العثور على وظيفة. نحن بحاجة إلى تطوير برامجنا وأساليب التدريس. لذلك يجب على الجامعات إيجاد سبل لإشراك الطلاب في البرامج التعليمية،كما يجب على الحكومات العمل على خلق فرص عمل جديدة. لا يمكننا منع الطلاب من المطالبة بظروف حياة أفضل أو التعبير عن آرائهم واحتياجاتهم، ضمن الطرق السلمية. علينا أن نحترم آرائهم ونحافظ عليهم بعيداً عن المواجهات العنيفة.

كيف تصف وضع المرأة العربية في التعليم العالي؟ وكيف يمكن للجامعات مساندة المرأة في مجتمعاتنا؟ 

وفقا لأحدث الإحصاءات، فإن عدد الطالبات الإناث في معظم جامعاتنا العربية يزيد عن عدد الطلاب الذكور. ولكن مع الأسف عندما نذهب لسوق العمل، نجد أن النسبة تصبح معكوسة وبفارق كبير لصالح الطلاب الذكور. في الجامعات أيضاً، لا تزال نسبة مشاركة المرأة في الهيئة التدريسية لا تتجاوز 25-35 في المئة في معظم الدول العربية. لقد أظهرت المرأة العربية الكفاءة والجدية في العمل وهي لا تحتاج إلا للمزيد من الدعم والفرص.

زارت الفنار للإعلام العديد من الجامعات في المنطقة خلال عام 2013. وقد بدى واضحاً وجود ضعف في التواصل والتعاون بين هذه الجامعات. كيف يمكن للجامعات العربية العمل معا بشكل أكبر؟ 

في عصرنا الحالي، يعتبر الشتبيك التكتيك الأقوى لتحقيق نجاح حقيقي ومستدام. لذلك لا يمكن تجاهلها بعد الآن. يهدف الاتحاد إلى تعزيز التعاون والتواصل بين الجامعات العربية وتنسيق جهودها بهدف رفع جودة التعليم العالي. لقد وضعنا بالفعل مجموعة من المجالس والجمعيات على مختلف المستويات الإدارية والأكاديمية والعلمية ا لضمان مشاركة الجامعات وتبادل المعلومات والخبرات.

هل يمكن أن تحدثنا عن جهودك في ربط الجامعات العربية مع نظيراتها خارج المنطقة العربية. كيف يتم ذلك؟ وماهي مشاريعكم القادمة؟

إذا كنا نريد ملء الثغرات في نظامنا التعليمي وتحديثه، فنحن بحاجة إلى للتواصل. لهذا عقدنا العديد من المؤتمرات العام الماضي، حيث عقدنا مؤتمراً مع الجامعات الماليزية في ماليزيا.  كما عقدنا المؤتمرالأول للجامعات العربية والأوروبية في إسبانيا، حيث تم بحث سبل التعاون العربي الأوروبي ومقارنة تطورات التعليم العالي مؤخراً في كلا المنطقتين، بما في ذلك تدويل التعليم. هذا العام، سُيعقد المؤتمر الثاني للجامعات العربية الأوروبية هنا في عمان [ شهر أيار/مايو] . كما سيعقد مؤتمرً مماثل في تركيا [ في نيسان/ أبريل] وألمانيا [ لم يتم تحديد تاريخه بعد] بالإضافة إلى مواصلة تعاوننا مع الاتحاد الأوروبي [ ضمن مشروع تمبوس] . خلال هذه المؤتمرات، ستتم مناقشة اتجاهات التنمية في مجال التعليم العالي في العالم، وتعزيز التعاون في التعليم العالي بين العالمين العربي والغربي.

تم تحرير هذه المقابلة بهدف التوضيح والإيجاز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى