مقالات رأي

تأملات في مصر عبر عدسة التعليم

الإسكندرية- من خارج البلاد، غالباً ما يُنظَر للجامعات الحكومية المصرية على أنها مؤسسات متحجرة يغطيها الغبار وعالقة في القرن الماضي، وربما في القرن ماقبل الماضي.

ولكن في اجتماع لمديري الجامعات المصرية عقد هنا مؤخراً، كانت الرغبة في التحرك بجرأة نحو المستقبل واضحة بقوة، حتى وإن كان مسار هذا التحرك غير واضح حتى الآن.

“هناك فجوة بين ما نحلم به وما نحن فيه”، قال أسامة إبراهيم، رئيس جامعة الإسكندرية. واعترف بأن القوانين واللوائح التي تحكم الجامعات في البلاد،والتي كثير منها يعود تاريخها إلى عام 1970، تستنفذ وقته. يغرق إبراهيم في توقيع أوامر الشراء لأصغر المواد، بما فيها ورق التواليت، مما يبعده عما يريد حقاً القيام به وهو إعادة تشكيل مؤسسته.

“يتم استنفاد أدمغتنا بأمور ملحة”، قال علي شمس الدين، رئيس جامعة بنها.يستكمل اسماعيل جمعة، أستاذ المحاسبة في جامعة الإسكندرية ومستشار الحكومة، ذات الفكرة:” إن الأمور العاجلة تأخذ مكان الأمور الهامة.”

أقر المشاركون في الاجتماع، الذي رعته مؤسسة الفنار للإعلام على أمل تحفيز النقاش حول حوكمة الجامعات الحكومية، أنه ومنذ ثورة 2011، كان التعليم في كثير من الأحيان ذو أولوية منخفضة في المناقشات العامة.لكن الحاضرين تسألوا عما إذا كان الوقت قد حان الآن لإعادة التركيز عليه. في الوقت الذي تسير البلد فيه ببطء نحو الديمقراطية، فإن الكثيرين يعتقدون أن القوانين التي تحكم الجامعات مهيأة لإعادة النظر. “إذا كنا نقوم بإعادة كتابة الدستور، فإن هذا هو الوقت المثالي لتحدي الأنظمة التي نعلم جميعا أنها هي كارثية”، قال جمعة.

التقى مديرو الجامعات في مكتبة الإسكندرية الجديدة، والتي تعتبر بحد ذاتها معلماً مصريأ للمعرفة، حيث تحتوي على 1.5 مليون مجلد. كان جميع المشاركين في الاجتماع يعرفون أحدث العبارات التعليمية الطنانة مثل المقررات الإلكترونية المفتوحة ذات الالتحاق الهائل، التعليم مدى الحياة، التعلم التقلبي(محاضرات عبر الإنترنت تليها فصول دراسية للمناقشة)، حتى وإن لم يتمكنوا الآن من وضع هذه المبادئ موضع التنفيذ. بدا بعض المسؤولين على استعداد لطرح فكرة إلزام الطلاب بدفع الرسوم الدراسية، وهي فكرة سياسية حرجة في مصر.

ولكن حتى لو كان الحماس لمستقبل مختلف كبير، إلا أن المشاركين أقروا بأنه من الصعب القيام بتحول سريع عند قيادة مؤسسة كبيرة، تماماً مثل التشبيه الشائع حول صعوبة توجيه سفينة حربية. ذلك أن جامعة الإسكندرية، والتي جاء منها العديد من المشاركين، لديها 170.000 طالب وطالبة.

وما زاد الأمور تعقيداً بالنسبة للمسؤولين، أن الحكومة وضعت يديها في جيوب الجامعات والمؤسسات الثقافية المصرية. في خطوة تبدو لمعالجة العجز المالي في البلاد، قامت وزارة المالية بأخذ الأموال من الأوقاف المؤسسية، وكذلك أخذت الأموال والتبرعات التي قُدِمَت للمؤسسات من حكومات أجنبية. خلال نقاشات قليلة علنية، سمعت عن هذه الإجراءات من أربعة مصادر مستقلة. ليس واضحاً ما إذا كان سيتم إيقاف هذه الإجراءات في ظل الحكومة الحالية. مثل هذه الإجراءات تثني مديري الجامعات عن السعي للحصول على تمويل خاص كبدائل للتمويل الحكومي.

في القاهرة، التقطت لمحات أخرى من مصر عبر عدسة التعليم . حيث كان من أبرز ماقمت به في رحلتي هو زيارتي إلى مجلس الشورى، وهو الغرفة العليا من البرلمان المصري. مررت عبر بوابة الدخول، حيث يأتي دائماً رجل مسن، محمد عتيان، المعروف باسم “أبو الثوار ” ليقف حاملاً لافتة من الورق المقوى كتب عليها ” الحل نتحاسب ونتصالح ونتحد ضد الظلم والعنف والإرهاب”. يروي الناس أن عتيان يقف في أماكن رئيسية في القاهرة ، مثل ميدان التحرير أو على أبواب المجلس، كل يوم منذ بدأت الثورة.

بعد أن أمضيت بعض الوقت في قسم الشرطة بانتظار موافقة الدخول، تم اصطحابي مروراً بدبابة محاطة بأكياس الرمل، كتذكير بأن السلام النسبي في مصر لا يزال صعباً . التقيت في غرفة في الطابق العلوي مع هدى الصدة، أستاذة الأدب الإنجليزي والمقارن في جامعة القاهرة و”الناشطة والباحثة” في مجال المرأة والتي تؤمن بأن التعليم هو حق من حقوق الإنسان. وكواحدة من 50 شخصية تعكف حالياً على صياغة دستور جديد،تعمل الصدة كمنسقة للجنة ” الحقوق والحريات “. أثناء احتساء القهوة، قالت وزميلها إنهم عازمون على إنهاء عملهم قبل حلول الموعد النهائي في 3 كانون الأول/ ديسمبر، مما يمهد الطريق لإجراء استفتاء في وقت لاحق في فصل الربيع، وانتخابات لقيادات جديدة.

هذا المنظور الخاص بتصوير امرأة تعمل طويلاً في محاولة لضمان وصول مصر إلى وعدها بالديمقراطية، غالباً ما تفتقده الصحافة الأجنبية. هناك الكثير من المخاطر بأن تنزلق مصر مرة أخرى إلى الفساد والقمع، وإذا لم يكن ذلك قد حدث جزئياً بالفعل ، ولكنني حصلت على وجهة نظر بديلة.

أيضا في القاهرة، تحدثت إلى هشام قاسم، ناشر مصري بارز يوجه انتقادات صحفية لاذعة ضد السلطة منذ فترة طويلة.”الخللين الرئيسيين في المنطقة هما:الحرية والتعليم”، قال قاسم. بدأ انفجار الحرية، كما قال، ولكن ثورة التعليم مازالت متأخرة بشدة. بدون انطلاق التعليم، فإن الأمن الإقليمي في خطر.

” إذا ما ساءت الأمور، سوف نترحم جميعاً على أيام الطغاة الذين حافظوا على الأمور تحت غطاء” أضاف قاسم.

آمين، رددت. أريد أن أحمل هذه الرسالة إلى الجميع خارج المنطقة والذين يسعون إلى التخلي عنها، وإلى الجميع داخل المنطقة الذين نسوا أهمية التعليم.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى