مقالات رأي

لقاء مع كرمة الحسن: قياس الجودة من خلال البيانات

على الرغم من النمو السريع في عدد مؤسسات التعليم العالي في المنطقة العربية، إلا أن تأثيرها على التنمية الوطنية لا يزال محدودا. إن ما كان ينقص باستمرار هو مراقبة الجودة استنادا على رصد الأداء والبيانات المؤسساتية.

كرمة الحسن، مديرة مكتب التقييم والبحث المؤسساتي (OIRA)في الجامعة الأميركية في بيروت، أمضت جزءا كبيرا من حياتها المهنية في سعي لتغيير ذلك. عملت الحسن، التي تركت في وقت مبكر دراسة الكيمياء وانتقلت لدراسة علم النفس التربوي، لأكثر من 25 سنة كمحاضرة وباحثة في تطوير البرامج التعليمية وضمان الجودة والبحوث المؤسساتية في الجامعة والمنطقة. “أنا نموذج للشخص الذي يحب التواصل مع الناس أكثر من العمل في المختبرات”، قالت الحسن التي كانت قد شاركت أيضا في تأسيس رابطة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للبحث المؤسساتي.

بالنسبة لأولئك الذين قد لا يكونون على دراية بمعنى “البحث المؤسساتي”، هل يمكنك تقديم شرح موجز لماهية هذا البحث وأهدافه؟

يهدف البحث المؤسساتي إلى توفير بحث موضوعي، منهجي وشامل يدعم أهداف المؤسسة، والتخطيط، ووضع السياسات واتخاذ القرارات. على نطاق واسع، يعتبر “البحث المؤسساتي” بمثابة مجموعة من النشاطات التي تنطوي على جمع وتحليل وتفسير المعلومات الوصفية من الجامعة ونشاطاتها. وتسهل نتائج الدراسات التربوية والتنظيمية والتقارير والملخصات اتخاذ القرارات المبنية على الأدلة وتقييم فعالية المؤسسة. ويقيس البحث المؤسساتي فعالية البرامج والسياسات المعتمدة من خلال اعتماد الأدوات التي يتم تطويرها محليا ودوليا. وتساعدنا هذه الأدوات على إجراء تقييم مقارنة بالمعايير الدولية، الأمثال المختارة والأداء الماضي.

 كيف يمكن للبحث المؤسساتي تطوير التعليم العالي العربي؟

 من المؤكد أننا لا نستطيع قياس جودة التعليم العالي من دون وجود البحث المؤسساتي. يهدف البحث المؤسساتي إلى توفير البيانات التي يحتاجها الإداريون لاتخاذ قرارات مدروسة. هذا المجال الحيوي هو ضروري لتحافظ المؤسسة على المسار الصحيح لتنفيذ أهدافها ورؤيتها.

من جهة أخرى، يساعد [البحث المؤسساتي] المؤسسات على الانخراط في عملية الدراسة الذاتية بحيث تكون أكثر قدرة على تحديد نقاط القوة والضعف فيها. تختلف تسمية هذه البحوث في البلدان العربية، إذ يطلق عليها البعض أسماء مثل ضمان الجودة أو الاعتماد. ولكن في النهاية، تعتبر جهود البحث المؤسساتي حجر الزاوية في تحسين وتطوير التعليم العالي.

من وجهة نظرك كمديرة مكتب التقييم والبحث المؤسساتي في الجامعة الأميركية في بيروت، ما هي أهم التغييرات التي حدثت في الجامعة خلال السنوات العشر الماضية؟

لدينا برامج جديدة تقوم على البحث عن المعلومات والقيام بأبحاث السوق، وسماع أصوات أصحاب القرار لدينا أي الإدارة العليا- وكذلك أصحاب العمل والطلاب. في العقد الماضي،  شرعنا في التخطيط الاستراتيجي على مستوى المؤسسة، الكليات والأقسام. بالطبع كل هذه الجهود، تتطلب إجراء بحث مؤسساتي. لقد تغيرت الكثير من السياسات والإجراءات لدينا، فالتغيرات لا تتوقف أبدا.

الآن، أصبح طلابنا أكثر انخراطا في نشاطات الجامعة الأميركية في بيروت ونهجها وكذلك اتخاذ القرارات. إن مشاركة الطلاب هي في الحقيقة المؤشر الرئيسي للنجاح. يدعم البحث مساهمة عمل الطلاب الكبيرة ويحولها إلى إنجاز.

هل تعي الحكومات العربية أهمية الحاجة للبحث المؤسساتي والتربوي؟

لسوء الحظ، ليس بعد. إنهم مهتمون أكثر بالشعارات والمصطلحات مثل “ضمان الجودة والاعتماد”. ولكنهم لا يرون ما وراء ذلك، فالبعض لا يزال يتساءل ما هو البحث المؤسساتي.

كيف يمكن للجامعات أن تلعب دورا إيجابيا في إثارة الاهتمام بالبحث المؤسساتي؟

تعد الجامعة الأميركية في بيروت رائدة في هذا المجال. إذ نسعى دوما لمشاركة تجربتنا مع الجامعات الأخرى في لبنان والمنطقة في كل المؤتمرات التي نشارك بها. وبناء على ذلك، أصبحنا اليوم نلتقي شهريا مع مجموعة من الجامعات اللبنانية لتبادل معارفنا وما نقوم به في هذا المجال. بالطبع كان هذا مفيد للغاية بالنسبة للجامعات الأخرى لإنشاء مكاتب للبحث المؤسساتي الخاصة بها.

أنا أعلم أن ثلاث جامعات في لبنان قامت بالفعل بإنشاء مكاتب لهذا الغرض استنادا إلى عملنا معهم. نعمل أيضا مع جامعات أخرى لم تنشئ مكتبا للبحث المؤسساتي حتى الآن.

ما هي التحديات التي تواجهونها؟

نحن بحاجة للحفاظ على قدرتنا على متابعة كل جديد طوال الوقت، فالمعلومات تتغير بسرعة. بالطبع الوصول إلى المعلومات اليوم أسهل بكثير مما مضى، لذلك نحتاج أن نكون قادرين على اللحاق بركب كل المعلومات الجديدة واختيار ما هو مفيد منها وما هو ليس كذلك.

علينا أيضا العمل لتحسين الطريقة التي نؤدي بها الأشياء لتلبية احتياجات طلابنا. علينا أن نوفر لهم أحدث المعلومات وكل ما يحتاجونه ليس فقط للحصول على وظائف ولكن أيضا لما يساعدهم في الحياة.

بشكل أساسي، أعتقد بأهمية تعليم الفنون الليبرالية ودورها في تطوير الشخصية بأكملها. نحن نبني البشر بغض النظر عن تخصصهم. نقوم ببناء شخصياتهم وتصرفاتهم لذلك نحن بحاجة للتأكد من أننا نحقق مهمتنا المتمثلة في تعزيز الحقيقة، التعاون والمثابرة.

كيف يمكن أن تصفي الحالة الراهنة للبحث التربوي في لبنان؟

بطبيعة الحال، الوضع ليس مثاليا ولكن هناك اهتماما متزايدا في البحث التربوي ليس فقط في لبنان بل أيضا في مختلف الدول العربية. في لبنان، لدينا بعض البيانات الأساسية، بالرغم من عدم وجود قانون ناظم للتعليم العالي والاعتماد وضمان الجودة إذ لا يزال القانون الجديد قيد الدرس في البرلمان.

لكن الوزارة لديها بعض القوانين وبعض البيانات عن التسجيل، الكليات [أقسام] وأعضاء هيئة التدريس. ولدى مكتب اليونسكو في بيروت بعض المعلومات. وعملنا مع البنك الدولي في مشروع حوكمة الجامعات والذي شاركت فيه 16 مؤسسة تعليم عالي [لبنانية]، وتم من خلاله جمع عدد كبير من البيانات المكثفة.

تعقد الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، والتي أنت من أعضائها، مؤتمرا إقليمياً الشهر المقبل، هل يمكن أن تحديثنا عنه؟

نواجه مشكلة تتعلق بنوعية الأطروحات التي يقوم بها طلاب الدراسات العليا في المنطقة، في درجة الدكتوراه والماجستير على السواء. من هنا يهدف المؤتمر إلى توفير منبر للباحثين التربويين لتقديم وجهات نظرهم حول الحالة الراهنة للبحوث في التعليم العالي. شخصيا، أعتقد أن موضوع المؤتمر هام جدا، فنحن نعاني من العديد من المشاكل المتعلقة بالتوثيق، الأسلوب، المراجع، والتلخيص.

كما نأمل أن يساعد هذا المؤتمر في تحديد الممارسات الحالية في الماجستير والدكتوراه في مجال التعليم في البلدان العربية، والسماح بحوار مهني غني بين المشاركين لتطوير الأفكار والتوصيات لتحسين هذه البرامج.

في خضم الأزمات السياسية التي نشهدها اليوم في العديد من الدول العربية، كيف يمكن للتعليم أن يبقى ضمن أولويات صناع القرار في المنطقة؟

إنها ليست مهمة سهلة، ولكن هدفنا الرئيسي هو “العمل كالمعتاد”. لقد بدأنا العام الدراسي الجديد يوم 4 أيلول/سبتمبر من دون أن نفكر في إعادة جدولة أو تأجيل أي من نشاطاتنا. بعد عدة سنوات من الحرب في لبنان، تعلمنا أن العمل يجب أن يستمر كالمعتاد. هذا على المستوى المؤسساتي.

أما على مستوى السياسة العامة، فهذه مسألة مختلفة خصوصا هنا في لبنان باعتبار أن لا شيء يحدث على المستوى الحكومي. فقد استقال رئيس الوزراء منذ أشهر ولدينا الآن حكومة تصريف أعمال. لذلك، نحن الأساتذة والمؤسسات لا نملك إلا الاستمرار في العمل كالمعتاد دون الاعتماد على أي طرف.

تم تحرير هذه المقابلة من أجل الوضوح والإيجاز.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى