أخبار وتقارير

كيف تقدمت الجامعات السعودية في قائمة التصنيف العالمي؟

يمكنك سماع الابتسامة في صوت سعيد الشمراني وهو يغلق سماعة الهاتف من الرياض. فالأستاذ المساعد بقسم المناهج والتربية العلمية كان أحد الفائزين في التصنيف العالمي لهذا العام.

إذ استطاعت كلية التربية في جامعة الملك سعود – الوحيدة من المنطقة العربية-  الانضمام إلى تصنيف أفضل مئة جامعة في تخصصها هذا العام بحسب التصنيف الدولي. وبحسب الشمراني، فإن المساهم الرئيسي لنجاح الكلية يكمن في “مجموعات التميز” التي أسستها الجامعة، بما في ذلك فريق الشمراني، مركز التميز لتعليم العلوم والرياضيات.

قال الشمراني بفخر واضح “لدينا تركيز واضح، يتعلق الأمر بتحسين أبحاثنا التي من شأنها تحسين وضعنا في تعليم العلوم والرياضيات في السعودية.”

 هذه التصنيفات الكبيرة، والذي تجريها تايمز التعليم العالي ومركز جامعة  شنغهاي جياو تونغ وQS، تعطي انطباعاً بأن جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبد العزيز في السعودية هما أفضل جامعتين مقارنة بباقي الجامعات في المنطقة العربية، وهما تؤلفان اتحاد جامعي صغير.

تثير هذه الفكرة اعتراضات في أجزاء أخرى من العالم العربي. فيما يعتبر عدد آخر أن هذه النتائج تشكك بالمقاييس نفسها. ويشير آخرون إلى تأثير المال على التصنيف العالمي، بما يوحي -في أسوأ الأحوال- أن السعوديين اشتروا طريقهم إلى الأعلى أو -في أحسن الأحوال- أن  المال جعل التنافس معهم مستحيلاً.

 ولكن الواقع هو أن السعودية، والتي غالباً ما يسخر منها في الخارج باعتبارها معقلاً للرجعية وأكثر من متدينة، أنتجت أكثر المشاريع الطليعية العلمية والهندسية العربية في الآونة الأخيرة.

قال ناصر منصور، كبير المحاضرين في تعليم العلوم بجامعة اكستر والذي يشرف على الطلاب السعوديين هناك كجزء من الشراكة البحثية للمؤسسة مع جامعة الملك سعود،”استعملت السعودية مواردها لمساعدتها على الانخراط والقيادة. أعتقد أنها على الطريق الصحيح.”

 إن بداية العام الدراسي في نصف الكرة الأرضية الشمالية هو موسم الترتيب في التعليم العالي. هذا العام، كما جرت العادة، هيمنت المؤسسات الأنغلوساكسونية التقليدية، جامعات عريقة مثل أكسفورد أو ستانفورد، على القسم  العلوي من القوائم.

لكن في العالم العربي، مؤسسات عريقة وذات تاريخ طويل ومؤسسات مشهورة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، مثل جامعة القاهرة والأزهر، تكاد تكون غائبة عالمياً. بدلاً من ذلك، تتصدر لائحة المؤسسات العربية جامعات حديثة العهد. يذكر أنه تم تأسيس جامعتي الملك سعود والملك عبد العزيز في خمسينات وستينات القرن الماضي.

في العقود التالية، ظهر عدد من الجامعات الأخرى في السعودية. ومع ذلك، بقيت الدراسات الدينية هي المسيطرة على الجامعات إلى حد كبير. في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ركزت وزارة التربية على الأيديولوجية الإسلامية واللغة العربية. هذا التركيز تبدل مع قرار العائلة المالكة السعودية بالشروع في إحداث هزة للتعليم العالي لتعزيز التدريب المهني والبحث العلمي قادرة على المنافسة دولياً.

نتيجة لذلك، عينت وزارة التعليم العالي في البلاد فريقا من المستشارين مرموقين، ضم مستشارين دوليين، بحسب ما قال جون ويدمان أستاذ تطوير التعليم العالي والدولي في جامعة بيتسبورغ، والذي عمل  كمستشار في السعودية عام 2006. حصل الفريق على نوع من الاستقلالية النسبية عن الحكومة لتقديم توصيات بإجراء تغييرات.

وكانت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهي مؤسسة للذكور فقط، أول جامعة لتجربة الإصلاحات، ويمكن العثور على الخطوط العريضة لخطة الـ25 عاماً التي وضعتها الوزارة عام 2006.

قال ويدمان “واقترنت جهودهم مع (الحكومة) لتحسين نوعية تعليم العلوم مع بعض الجهود لتغيير بطيء لوضع المرأة في التعليم العالي.” وأضاف “أرادوا في الواقع أن يُظهروا للعالم أن السعوديين يمكن أن يقوموا ببعض الأشياء الفريدة. لأنهم كانوا حقاً قد اعتادوا على التكنولوجيا المستوردة لأشياء أساسية مثل تحلية المياه المالحة.”

يتوجب على خطة الـ25 عاماً الاستراتيجية أن تتحقق على مراحل، كل منها مؤلف من خمس سنوات، بحسب أوراق خطة عام 2006.

في أحد مراحل الخطة، في عام 2010، يظهر وجود تركيز كبير على البحوث للكثير من الجامعات السعودية. تلك المرحلة من الخطة تعزز المنافسة بين الجامعات السعودية وتدفع الأبحاث للمنافسة على الصعيدين العالمي والهادف. وتتوافق رؤية خطة عام 2010 مع المعايير التي يمتاز بها التصنيف العالمي.

عام 2013، أعلنت النتائج. واليوم، تعتبر أبرز الجامعات السعودية الأفضل في العالم العربي، وفقاً للتصنيفات على أي حال. وتدخل الجامعات بشكل منتظم في تصنيف أفضل 400 جامعة في العالم؛ إلا أن مركزهم يتغير على أساس سنوي.

في تصنيف هذا العام، كانت الجامعات السعودية، الجامعات العربية الوحيدة التي تظهر في المسوح الرئيسية الثلاث، ضمن ترتيب أفضل 400 جامعة في تصنيفات تايمز، QS وشنغهاي جياو تونغ.

لم تكن الجامعة السعودية الوحيدة ضمن التصنيف. إذ ورد اسم جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في اثنين من القوائم الثلاث.  كما دخلت جامعة أخرى إلى تصنيف جامعة شنغهاي جياو تونغ، وهي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (KAUST)، ضمن المراتب من 400-500. وقد تأسست جامعة الملك عبدالله الناطقة باللغة الإنكليزية عام 2009 مع وقف بقيمة 10 مليار دولار.

 حتى الآن يرى الجميع تقريباً إمكانية تحقيق الجامعة لتقدم سريع جداً، على الرغم من استبعاد الدراسات العليا فيها من تصنيفات تايمز وQS.

قال بن سوتر، رئيس وحدة تبادل المعلومات في QS، “تبدو جامعة الملك عبد الله مثيرة للاهتمام، على الرغم من أنها لا تظهر في الترتيب لدينا. لديهم واحدة من أسرع مؤشرات نمو البحوث وسجلات الاقتباس في العالم في الوقت الراهن.”

تتخصص جامعة الملك عبد الله – التي لم يستجب لطلب الفنار الإعلام للحديث – في العلوم التطبيقية وفي مجالات موجهة نحو التنمية الوطنية، مثل الزراعة الصحراوية، والتكنولوجيات الحديثة مثل التكنولوجيا النانوية. ويعكس تركيز هذه المؤسسة النخبوية نقاط القوة السعودية المتعددة، بحسب تحليلات نتائج تصنيفات هذا العام.

فقد صنف مركز شنغهاي جياو تونغ معدلات ثلاث جامعات السعودية (الملك سعود، الملك عبد العزيز والملك فهد) ضمن القسم  العلوي الذي يضم 150 كلية هندسة في جميع أنحاء العالم، على سبيل المثال. فيما وضعت QS الملك فهد كذلك عبر العديد من التخصصات الهندسية، من الطيران إلى الهندسة الكهربائية.

وتعد الرياضيات نقطة قوة سعودية أخرى. فقد تم تصنيف اختصاص الرياضيات في جامعة الملك فهد من قبل QS وشنغهاي جياو تونغ للتصنيف العالمي. وحصلت كل من جامعة الملك فهد، الملك سعود وعبد العزيز على المرتبة 75 في قائمة شنغهاي التي تضم 200 جامعة للرياضيات.

في الممارسة العملية، كما يقول الباحثون، إن نجاح هذه الجامعات السعودية يمكن تفسيره على أنهم نخبة مراكز البحوث الجامعية التي تقارب الخارج نسبياً. ضمن اختصاصاتها، تتمتع العديد من المراكز البحثية بالحكم الذاتي. وتتشارك مع مؤسسات دولية ما يعني أن الباحثين الأجانب يشاركون في كل من مركز البحوث ومراجعة المنح.

قال سعيد الشمراني، من مركز التميز بجامعة الملك سعود لتعليم العلوم والرياضيات، “المجموعات البحثية تقدم مقترحاتها. ونحن ندرسها بعين ناقدة جدا.”

 تفخر السعودية بأنها تنفق على جامعاتها أعلى نسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، وفقا لتصنيف نظم التعليم الوطنية العليا الذي صدر في وقت سابق هذا العام من قبل 21 جامعة، وهي شبكة عالمية من جامعات البحوث المكثفة.

قال منصور، من جامعة إسكس، “تتمثل الرؤية الخاصة بالمراكز في أن يكونوا قياديين، وهذه هي رؤية التعليم العالي في السعودية: أن تقود بمجال الأبحاث.لديهم الكثير من المال. ولكن ليس المال كل شيء. إنهم متحمسون جدا”.

إن النتائج في أفضل مراكز، في جامعة الملك سعود، تقاس سواء من حيث كيفية إسهامها في التنمية الوطنية أو فيما يتعلق بمعايير تنافسية، يقول الباحثون. كذلك يتم الحكم على المركز من خلال عدد المنشورات والأبحاث باللغة الإنكليزية التي يصدرها.

ويسعى مركز الملك سعود للعلوم والرياضيات إلى نشر أبحاثه في أفضل المجلات وأكثرها تقديرا، المصنفة في ثلاث نقاط ونقطتين بتصنيف مدونة تومسون.

يحذر بعض المراقبين من أن عدم وجود تمويل مستمر للمراكز والباحثين يحمل مخاطر متعددة.

قال بروفسور آخر من الولايات المتحدة، والذي يعمل كمستشار للتعليم في السعودية، “أثير هذه النقطة.. حول بناء ثقافة إنتاجية.. مع زملائي السعوديين في كل وقت. إن دعم المراكز بدلا من الباحثين أو فرق البحث عن طريق منح تنافسية يؤدي إلى دفع الكثير لبعض العمال ليقوموا بالقليل. يجب أن يكونوا جريئين.”

ولفت إلى أن هذا الجمود يحتجز عمل الأبحاث السعودي، وبالتالي التصنيف العالمي للجامعة يتراجع. هذا المستشار ليس الوحيد الذي ينتقد النموذج السعودي. ويقول البعض إن قرار الحكومة السعودية استعمال موارد الجامعة على الأبحاث هو قرار خاطئ، نظرا للتحديات الديموغرافية المعروفة التي تواجه البلاد، منها وجود عدد كبير من الشباب. وينصح المنتقدون المؤسسات بالتركيز أكثر على التدريس.

يتهم آخرون، بحسب تقرير نشر في “مجلة العلوم” عام 2011 جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبد العزيز بتضخيم الأبحاث وتصنيفات الأداء عن طريق دفع أموال لكليات أجنبية لتنتسب على الورق فقط إلى مؤسسات بحثية سعودية. وتصف جامعة الملك عبد العزيز هذا الترتيب بالمحاولات المشروعة لتعزيز مواهب البحثية، في حين يقول باحثون من جامعة الملك سعود إن ممارسات التوظيف في الجامعة تلتزم بمعيار القطاع.

 في أماكن أخرى من العالم العربي، يؤكد المنتقدون أن العلوم ذات الجودة العالية والبحوث الهندسية ليست على وتيرة مستمرة في الجامعات السعودية التي لا تمتلك كليات بحوث شاملة وإنما لديها قليل من التقدم في بعض التخصصات.

بعد كل شيء، وبعيدا عن هذه الحجة، فإن أيا من الكليات السعودية لم تحقق مراكزاً ضمن تصنيف أفضل 100 جامعة في التصنيفات الثلاث الكبرى لهذا العام. إذا كانوا يريدون التقدم إلى مرتبات أعلى، فهم بحاجة إلى إصلاحات أكثر جذرية من شأنها أن تزيد الحريات في جميع المجالات.

 حاليا، معظم مؤسسات النخبة الجامعية في العالم– المراتب الـ50 الأولى- موجودة في الدول الديموقراطية.

قال فيل باتي، المحرر في تصنيفات تايمز للتعليم العالي، “إذا كنت تركز ومتخصص، سوف تكون قادرا على التقاط هذا التميز. لكنني أعتقد على المستوى الشخصي أنك لن ترى نفسك تتحدى هارفرد أو أكسفورد أو كامبريدج دون اتباع نهج منفتح جداً وحر للتعليم العالي.”

 بإمكانكم أيضاً قراءة ” هل التصنيفات الجامعية مناسبة للعالم العربي؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى